المغرب: "وزراء أقوياء" بثقة ملكية يطمحون لتصدّر انتخابات 2021

26 نوفمبر 2018
تحوّل أخنوش لرقم صعب في المعادلة السياسية والحزبية(جلال مرشدي/الأناضول)
+ الخط -

تختلف مواقع وحضور وزراء الحكومة المغربية الحالية التي يرأسها سعد الدين العثماني، فهناك وزراء يمكن تسميتهم بوزراء أقوياء لديهم حظوة لدى صنّاع القرار، وآخرون أظهروا كفاءات، بينما وزراء يمكن اعتبارهم مجرد موظفين حكوميين يمكن أن يغادروا الحكومة كما دخلوها من دون تأثير. ومثل تصنيف الوزراء كشخصيات حكومية إلى هذه الأنواع الثلاثة، يمكن أيضاً ترتيب الأحزاب السياسية إلى أحزاب باتت تؤدي أدواراً رئيسية في المشهد الحزبي، ويتم التحضير لها لتصدّر الانتخابات التشريعية المقبلة لعام 2021، وأخرى تؤدي دور المؤيد أو "أرنب السباق" للأحزاب القوية أو التي يراد لها أن تكون كذلك، فيما أحزاب أخرى تكتفي بالحضور في المشهد فحسب.

من الوزراء الأقوياء في الحكومة التي يقودها حزب "العدالة والتنمية"، يبرز عزيز أخنوش، وزير الفلاحة والصيد البحري والأمين العام لحزب "التجمع الوطني للأحرار"، والذي صعد نجمه بقوة منذ زعامته للحزب خلفاً لصلاح الدين مزوار، فتحوّل إلى "رقم صعب" داخل المعادلة السياسية والحزبية والحكومية للبلاد. وبدا منذ الوهلة التي تقلّد فيها أخنوش منصب الأمين العام لـ"الأحرار" أنه يمهّد لترتيب جديد للمشهد الحزبي في المملكة، من خلال تحضيره للانتخابات التشريعية في 2021، والاستعداد ليكون بديلاً لحزب "العدالة والتنمية" الذي تصدّر الانتخابات البرلمانية في دورتين متتاليتين، عامي 2011 و2016.

أخنوش نفسه لم يُخفِ هذا الطموح السياسي الذي يعتبره مشروعاً بالنسبة لحزبه، خصوصاً أمام ما يصفه بتردي مشاريع حزبية تحاول رمي البلاد في آفاق سياسية واجتماعية ضيقة، مركّزاً على ضرورة التواصل مع المواطنين، خصوصاً في الأرياف، وهو ما يعتبره مراقبون فكرة ذكية بالنظر إلى الخزان البشري الهائل الذي تكتنزه الأرياف عند الاستحقاقات التشريعية. وقد يساعد أخنوش على الوصول إلى مبتغاه وملامسة آمال المواطنين من سكان القرى والأرياف، اكتسابه تجربة كبيرة في المجال الزراعي الذي يهم هذه الشريحة من السكان، الذين يكون مورد رزقهم الوحيد إما الزراعة أو الرعي، وبالتالي قد يجد هذا الزعيم الحزبي الفرصة سانحة عند أول انتخابات برلمانية يجريها وهو على رأس حزبه "الأحرار".

أخنوش كان منتبهاً لهذا الأمر، ورد أخيراً على من يربط التركيز على سكان الأرياف وعلى الفلاحين الصغار بمحاولة الفوز في الانتخابات، بقوله إن "مخطط المغرب الأخضر (وهو برنامج زراعي حكومي ضخم يهدف لتحسين عيش المزارعين المغاربة)، وجّه دفة الزراعة المغربية إلى الأمام برغبة أكيدة في خلق مزيد من الاستثمار وفرص العمل وتحسين دخل الأسر في العالم القروي، بعيداً عن أي مزايدات أو حسابات سياسية ضيقة".

وترتفع بورصة أخنوش بفضل إشرافه الطويل على قطاعي الزراعة والصيد البحري، واستلامه مفاتيح المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي بشأن اتفاقية تجديد الصيد والمنتجات الزراعية. كما أنه رجل ثقة القصر الملكي، وهو ما ترجمه أخيراً تكليف العاهل المغربي محمد السادس له، عندما استقبله في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ببلورة تصور استراتيجي شامل وطموح من أجل تنمية قطاع الزراعة في الأرياف.


وبالإضافة إلى عزيز أخنوش، كأحد أكثر الوزراء المغاربة الذين يحظون بثقة القصر، هناك أيضاً وزير التجارة والصناعة والاقتصاد الرقمي، مولاي حفيظ العلمي، الذي يتمتع بقبول كبير لدى صنّاع القرار، بفضل تمرسه في المجال، إذ إنه لا يعد متطفلاً على قطاع التجارة والصناعة، بالنظر إلى أنه قبل كل شيء رجل أعمال معروف ومن أكبر أثرياء البلاد.
العلمي المنتسب إلى حزب "الأحرار"، استطاع أن يصبح "وزيراً قوياً" داخل تشكيلة الحكومة، من خلال وجوده الدائم في ملفات المشاريع التجارية والصناعية الكبرى، والتي تنال اهتمام القصر الملكي بشكل خاص، ومنها صناعة الطيران والسيارات، حتى باتت المملكة مسيطرة بشكل غير مسبوق على صناعة السيارات في المنطقة العربية. وضمِن الوزير العلمي مكاناً له ضمن "الوزراء الأقوياء" في المغرب بعدما نجح في إقناع صنّاع القرار بتدشين مخطط للتسريع الصناعي الذي يمتد من سنة 2014 إلى عام 2020، مستفيداً من شبكة علاقاته المهنية القوية مع أطراف فاعلة في مجال الصناعة والاستثمار في القارة الأوروبية خصوصاً.

إضافة إلى أخنوش والعلمي، يمكن إضافة اسم وزير آخر صار قوياً ومحط ثقة القصر الملكي، هو وزير الداخلية عبد الوافي الفتيت، الملقب بـ"البلدوزر"، لكونه معروفاً بصرامته ونجاحه في تنفيذ ما استعصى على مسؤولين قبله. صرامته في العمل وفي تطبيق القوانين لا تُخفى على كثيرين في المغرب، وهو بذلك استطاع أن يصنع له اسماً داخل أجهزة الداخلية المتشعبة، محافظاً على علاقاته الجيدة مع الأحزاب السياسية، على الرغم من خلافاته السابقة مع حزب "العدالة والتنمية" عندما كان يشغل منصب عامل (محافظ) مدينة الرباط.

ولهذا الوزير، الحاصل على شهادات جامعية عليا من جامعات فرنسية، يد طولى في العديد من الملفات الساخنة، من بينها ملف الهجرة السرية وتداعياتها السياسية مع القارة الأوروبية، وأيضاً ملف معالجة الاحتجاجات الاجتماعية في أكثر من منطقة في البلاد، غير أن نقطة قوته تكمن أكثر في توقيفه لعدد من المسؤولين التابعين لوزارته ثبت أنهم قصروا في أداء مهامهم.

وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق يمكن اعتباره أيضاً ضمن هؤلاء الوزراء الأقوياء، ليس بفضل قربه من صنّاع القرار في البلاد، ولكن لأنه استطاع أن ينفذ توجيهات الدولة ويعمل على صون مصالحها في مجال حساس قد يفشل فيه آخرون، وهو تدبير الشأن الديني ومحاربة التطرف الديني، وصون ثوابت الأمة المغربية، ممثلة في المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية وطريقة الإمام الجنيد في التصوف.

ويمكن اعتبار التوفيق أقدم وزير مغربي خلال السنوات الأخيرة، ذلك أنه شغل منصب وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية في حكومات متعاقبة، وتمكن من الحفاظ على منصبه على الرغم من تغيير الحكومات، فقد كان وزيراً حتى قبل مجيء الربيع المغربي الذي حمل الإسلاميين إلى واجهة الحكومة، وبقي يعمل معها إلى اليوم على ملفات كبرى ترى الدولة أنها ذات حساسية قصوى، وعلى رأسها ضمان الأمن الروحي للمغاربة، وتكريس "الإمامة" لملك البلاد، وحماية المواطنين من "تشويش الفتاوى والمذاهب الفقهية الدخيلة".

وعلى غرار "الوزراء الأقوياء" داخل الحكومة، مقابل وزراء يؤدون مهامهم ومسؤولياتهم بشكل عادي من دون أن يثير ذهابهم أو وجودهم لغطاً كبيراً، هناك أيضاً أحزاب سياسية يمكن تصنيفها ضمن القوية التي تخطط منذ الآن لمعركة "كسر العظام" في انتخابات 2021، ومقابلها أحزاب بالكاد تعيش، إما على كراسٍ وزارية من دون تأثير، أو أحزاب تتمسك بالمعارضة إلى أن يحين لها ضوء ما يقودها نحو المشاركة في الحكومة.

ويكاد يتفق مراقبون للشأن الحزبي في المغرب على أن حزب "الأحرار" هو حالياً أكثر حزب "مستقر سياسياً"، سواء على صعيد قيادته أو لجهة استقطابه المتواصل لكثير من الناخبين والمنتخبين على حد سواء، علاوة على تجديد دمائه وهياكله الداخلية وتنظيماته الفرعية، ما يمهد لمحاولة الانقضاض لتصدّر الانتخابات التشريعية المقبلة.

ويرى محللون أن حزب "الأحرار" يؤدي دوراً كان من المفترض أن يؤديه حزب "الأصالة والمعاصرة" بنجاح، غير أن الأخير فشل في مهامه تلك، خصوصاً بشأن التصدي لحزب "العدالة والتنمية" وكبح طموحه في أن يتصدر المشهد السياسي في الاستحقاقات المنتظرة.

وفي الوقت الذي يرى فيه مراقبون أن "كل شيء" بات ممهداً لأن يكسب حزب "الأحرار" الانتخابات المقبلة ويترأس الحكومة، فإن آخرين يرون الفرص ما تزال قائمة أمام "الأصالة والمعاصرة"، خصوصاً بعد أن ترأسه حكيم بنشماش خلفاً لإلياس العماري الذي خاض "معارك إعلامية فاشلة" مع من يسميهم "إسلاميي الحكومة"، في الوقت الذي يراهن فيه "العدالة والتنمية" على تخطي مشاكله وتوتراته الداخلية ليكون في أتم الاستعداد في المحطات المقبلة.