بريكست يشعل حرباً بين "المحافظين"... والبرلمان يميل لرفض الاتفاق

17 نوفمبر 2018
الأمور تتجه نحو حرب استنزاف داخل "المحافظين"(إيان فورسيث/Getty)
+ الخط -

على الرغم من خروج رئيسة الحكومة البريطانية، تيريزا ماي، من معركة بريكست بخسائر كبيرة بعد استقالة أربعة من وزراء حكومتها، ومعارضة الغالبية البرلمانية لمسودة اتفاق بريكست، إلا أنها خالفت التوقعات وصمدت في منصبها، مع ظهور انقسامات في صفوف المعارضين لها في حزب المحافظين، واختلافهم على كيفية التعامل مع صفقة بريكست. وأنهت ماي يوماً حافلاً، الخميس الماضي، بمؤتمر صحافي، ناشدت فيه حزبها ألا يجر بريطانيا إلى مستقبل غامض وخطير. وطالبتهم بالتصويت لصالح الصفقة التي توصل إليها فريقها التفاوضي بعد عام ونصف العام من المباحثات المضنية مع الاتحاد الأوروبي. ودافعت ماي عن الصفقة، التي نشرت تفاصيلها مساء الأربعاء الماضي، في وثيقة من 585 صفحة، معتبرة أنها "الأصح لبلدنا وشعبنا".

وبعد امتصاص الصدمة الأولى أخذت ماي زمام المبادرة، وأجرت حواراً مباشراً على الهواء على إذاعة "إل بي سي" في محاولة للحديث المباشر مع البريطانيين، وربما الضغط على النواب من خلال الانخراط المباشر مع ناخبيهم. وظهرت ماي أكثر ثقة خلال حديثها الإذاعي، في إشارة إلى ثقتها باستمرارها في منصبها، رغم ازدياد أعداد البرلمانيين المحافظين المطالبين باستقالتها منذ صباح الخميس. وفي حال وصول عددهم إلى 48 فسيطلق ذلك آلية داخلية في حزب المحافظين للتصويت على الثقة بزعيم الحزب.

إلا أنه وبعد استقالات الخميس، استوعب بقية الوزراء المؤيدين لبريكست تبعات خروجهم جميعاً من الحكومة، خصوصاً في ظل غياب حل بديل عملي من قبل منتقدي ماي. ودفع ذلك كلاً من وزراء البيئة مايكل غوف، والتجارة الدولية ليام فوكس، والمواصلات كريس غرايلنغ، والتنمية الدولية بيني موردونت، وزعيمة الأغلبية البرلمانية والوزيرة أندريا ليدسوم، للامتناع عن تقديم استقالاتهم والعمل معا لتحسين صفقة بريكست، معربين عن قناعتهم بأن الاستقالة والانضمام للتمرد لن يساهما في تحسين الوضع. ويبدو أن الأمور تتجه نحو حرب استنزاف داخل الحزب بعد تراجع زخم الاستقالات وتمترس تيارات المحافظين خلف قرارات قياداتها. فبينما كانت ماي تدافع عن خطتها أمام البرلمان، خرج زعيم مجموعة الأبحاث الأوروبية المؤيدة لبريكست مشدد، جاكوب ريس موغ، ليعلن عن تقدمه بطلب رسمي لرئاسة لجنة 1922 البرلمانية لسحب الثقة من تيريزا ماي. وفور استلام رئيس اللجنة، غراهام برادي، لرسائل رسمية من 48 برلمانياً محافظاً سيقوم بالدعوة رسمياً إلى تصويت على زعامة ماي لحزب المحافظين.

وسرعان ما بدأت الرسائل بالتدفق إلى برادي، إذ أعلن، خلال 24 ساعة، ما لا يقل عن 20 نائباً عن تقديم طلباتهم رسمياً. إلا أن دعوة ريس موغ لرفاقه بالتقدم برسائلهم تشكل اختباراً حقيقياً لمدى قوة الكتلة البرلمانية التي يتزعمها، إضافة إلى التزام أعضائها بمواقفه، إذ إن العديد منهم غير مستعدين للتقدم برسائلهم من دون الثقة بنجاح التصويت. ولكي ينجح التصويت بسحب الثقة من ماي يجب أن يصوت أكثر من نصف الـ 318 نائباً عن المحافظين ضدها، وهو ما يبدو بعيد المنال حالياً، خصوصاً مع ظهور اعتراضات على استراتيجية ريس موغ. فقد تسربت معلومات من داخل اجتماعات متمردي مجموعة الأبحاث الأوروبية بوجود تيار يرفض سحب الثقة من ماي لما قد يجلبه ذلك من تبعات سلبية على الحزب، ويفضل بدلاً من ذلك رفض الصفقة في البرلمان.



ويبدو أن حلفاء ماي قد جهزوا حملة مضادة مع استشعارهم خطر التصويت على الثقة بها، وأطلقوا حملة بين نواب الحزب لكسب ودهم من خلال تعويم فكرة إعادة التفاوض على أجزاء من اتفاقية بريكست. ونقلت صحيفة "هافنغتون بوست" عن مصادر أن عدداً من الوزراء يحاولون دفع مؤيدي بريكست مشدد للعدول عن هذه الخطوة من خلال إعادة تقييم خطة المساندة الخاصة بالحدود الجمركية بين المملكة المتحدة والجمهورية الإيرلندية، وذلك أيضاً لكسب ود نواب الحزب الاتحادي الديمقراطي العشرة. إلا أن رئاسة الوزراء تنفي إمكانية إعادة التفاوض على الجانب القانوني من الاتفاقية، لكن الإعلان السياسي المرافق لها سيكون محط إعادة تقييم. وستسعى ماي إلى إضافة عدد من التفاصيل إلى الإعلان السياسي بهدف إرضاء متمردي حزبها ونواب حليفها الإيرلندي، بهدف ضمان الأغلبية البرلمانية لتمرير الاتفاق. لكن ماي ذكرت البرلمان بأن أي صفقة بريكست مقترحة، سواء كانت على النموذج الكندي أو النرويجي أو غيرها، لا بد لها أن تشمل خطة مساندة خاصة بالحدود الإيرلندية، والتي يعتبرها الاتحاد الأوروبي ضامنة للاستقرار في الجزيرة الإيرلندية.

كما هاجم حلفاء ماي متمردي الحزب على وسائل التواصل الاجتماعي، في تحول يعكس مدى حدة الصراع المحافظ الداخلي. وبينما قال وزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط، أليستر بيرت، "نعمل بكل ما أوتينا من جهد، وتراهم يبذلون كل ما في طاقتهم لتدميره" في إشارة إلى مجموعة الأبحاث الأوروبية. وهاجم زعيمها بقوله "هناك وظائف حقيقية وحياة حقيقية وأناس حقيقيون سيتضررون من عدم الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي الذي يطالب به ريس موغ. كفى". وخرج سيمون فريزر، وزير الدولة السابق في حكومة ديفيد كاميرون، ليهاجم وزير بريكست السابق، ديفيد ديفيس، قائلاً "لقد كان وزير بريكست سيئاً جداً. لم يكلف نفسه عناء السفر إلى بروكسل، وفقد الاحترام بسرعة هناك. إنه من الوقاحة من طرفه أن يقول إن الاتحاد الأوروبي ماطل بالمفاوضات عن عمد. لقد انتظروه أشهراً ليباشر المفاوضات".

ويمكن حالياً حصر الخيارات المتاحة أمام بريطانيا بعدة سيناريوهات. ففي حال نجاة ماي من سحب الثقة، ستطرح الصفقة أمام البرلمان منتصف الشهر المقبل للتصويت. ويبدو أن الحسابات البرلمانية شديدة التعقيد. فلكي تمر الصفقة في البرلمان يجب أن تحصل على موافقة 320 نائباً، إلا أن التوقعات الحالية تقول بأن ماي ستحصل فقط على تأييد نحو 224 نائباً جلهم من الكتلة الأساسية للحزب، والتي تتبع خط قيادته (عددهم تقريباً 176)، إضافة إلى مجموعة المحافظين المؤيدين للبقاء في الاتحاد الأوروبي (21 تقريباً)، إضافة إلى 19 من متمردي حزب العمال ممن صوتوا لصالح بريكست، و8 من المستقلين المؤيدين للنموذج النرويجي ويرون في الصفقة نقطة بداية في ذلك الاتجاه. أما من يستعدون للتصويت ضدها فيشكلون أغلبية (415 صوتاً تقريباً) ويشملون متشددي بريكست المحافظين، من أمثال بوريس جونسون وجاكوب ريس موغ (68 نائباً)، ونحو 65 من المحافظين المعارضين للخطة الحالية. يضاف إليهم أيضاً الكتلة الأساسية من حزب العمال، والتي تعهدت بالتصويت ضد ماي بأي حال (156 تقريباً). وتوجد أيضاً كتلة تطالب بالاستفتاء الثاني على بريكست بين حزبي العمال والمحافظين، يتوقع أن تصوت ضد صفقة ماي (64 تقريباً). أما ما تبقى من المقاعد، والتي تعود إلى الأحزاب البريطانية الأخرى، مثل الحزب القومي الإسكتلندي والديمقراطيين الأحرار والاتحادي الديمقراطي وغيرها، فينتظر أيضاً أن تصوت ضد صفقة ماي.

وفي حال رفض الصفقة، فإن أمام ماي مهلة حتى 21 يناير/كانون الثاني المقبل لتتقدم بخطة بديلة. وتكون الخطط البديلة أمام رئيسة الوزراء إما بسحب الصفقة الحالية والعودة للتفاوض من جديد، وهو أمر لا يمتلك تأييداً على الجانب الأوروبي، وقد لا ينتهي بأي حال بصفقة أفضل من التي تم التوصل إليها. وربما تلجأ ماي أيضاً إلى تأجيل موعد بريكست، والمقرر عند الساعة 11 مساء من 29 مارس/آذار 2019، وهو ما سيسمح لها بالمزيد من الوقت لإيجاد حل. وقد تتجه ماي أيضاً للدعوة إلى انتخابات عامة، ربما تكون نهاية يناير/كانون الثاني. ويتطلب ذلك موافقة ثلثي أعضاء البرلمان، أو أن تقوم أغلبية النواب بسحب الثقة من الحكومة، وألا تتشكل حكومة أخرى مكانها في غضون أسبوعين، فيمكن حينها التوجه لصناديق الاقتراع. إلا أن الانتخابات العامة قد تؤدي إلى خسارة المحافظين للأغلبية البرلمانية، ووصول "العمال" إلى رئاسة الوزراء. أما الخيار الأخير فسيكون في أن تحول الحكومة البت في مستقبل البلاد إلى الشارع البريطاني مجدداً عبر استفتاء ثانٍ على بريكست. وقد تكون الخيارات أمام البريطانيين بقبول الصفقة أو الخروج من دون صفقة، أو حتى البقاء في الاتحاد الأوروبي. وعلى الرغم من إصرار ماي على التقدم بخطتها كما هي، ورفضها لجل الخيارات السابقة، ينال الاستفتاء الثاني الزخم الأكبر، مع وجود قاعدة كبيرة ومتزايدة بين مؤيديه في البرلمان، خصوصاً أن زعيم حزب العمال، جيريمي كوربن، كان قد بعث برسالة إلى نواب حزبه مساء الخميس مذكراً إياهم بأن سياسة الحزب، في حال عدم التوجه إلى انتخابات عامة، ستكون في دعم التصويت الشعبي على الاتفاق.