صحيفة تنتقد انفتاح أوروبا على نظام السيسي: مصر أكبر سجن مفتوح بالعالم

05 أكتوبر 2018
أوروبا تتغاضى عن السجل الحقوقي السيئ للسيسي (آدم بيري/Getty)
+ الخط -

أفردت صحيفة "يولاندس بوستن" الدنماركية عددا من صفحات عددها لليوم الجمعة لـ"التعاون بين النظام المصري، الذي ينتهك حقوق الإنسان، والاتحاد الأوروبي، المهتم بمساهمة جيشه في حراسة المتوسط، بما فيها المياه المقابلة لليبيا".

فمن الغلاف تبدأ هذه الصحيفة بعنوان "أحواض (مزارع) السمك وجنود النخبة (المصريين) في مواجهة المهاجرين"، لتعرض على القراء تفاصيل ما يجري، فـ"مصر أنفقت، خلال السنوات الثلاث الماضية، 8 مليارات دولار على المعدات العسكرية، وبعضها يستخدم لفرملة الهجرة. هذا النظام يتعرض لانتقادات بسبب انتهاكاته لحقوق الإنسان، ورغم ذلك يبدو الاتحاد الأوروبي متحمسا لاعتباره شريكا قويا لوقف الهجرة".

وتشير الصحيفة إلى أن القادة الأوروبيين، ومنهم رئيس وزراء الدنمارك لارس لوكا راسموسن "يعتبرون الأمر ضرورة، رغم قرع المنظمات الحقوقية جرسَ الإنذار". 

"يولاندس بوستن" تذكّر بأن "الشرطة والجيش أصبحا أكثر نشاطا على الشواطئ وفي البر المصري لإخافة المهربين، لكن الأمر أشمل. والأوروبيون يريدون من نظام عبد الفتاح السيسي حراسة حدودهم جنوب المتوسط بأسلحته وتقنياته التي ورّدوها له".

 

استغلال أوروبي.. جيش مصر لحماية أوروبا مائياً

وفي تفاصيل ما يجري، منذ سبتمبر/أيلول الماضي، وهو ما أشارت إليه سابقا تقارير "العربي الجديد" عن تعاون نظام السيسي في مجال المهاجرين، تعيد الصحيفة التذكير: "بدأ الاهتمام الأوروبي بلقاء بين رئيس الاتحاد الأوروبي دونالد توسك، ومستشار النمسا سبستيان كورتز، برئيس مصر عبد الفتاح السيسي. واعتبر كورتز، قبيل قمة الاتحاد الأوروبي، أنه يجب استغلال قدرة مصر على وقف الهجرة منذ 2016، ويبدو اليوم أنهم يودّون التعاون معنا".

وعن القدرات التي يجب أن تستغل أوروبياً لحماية حدودها البحرية في المتوسط عبر المصريين، تقدّم الصحيفة بعض التفاصيل، فـ"مبالغ ضخمة أنفقها السيسي منذ 2015 على الآلة العسكرية والتقنيات الحديثة، فبنحو 8 مليارات دولار اشترى أحدث أسلحة فرنسا، وبعضها مخصص لحراسة الحدود ومحاربة المهربين، في الصحراء وعلى الشواطئ. ومن بين ما استورده بتلك الأموال من روسيا والولايات المتحدة الأميركية ودول أخرى، معدات مراقبة واتصالات ومراكب حراسة بحرية حديثة، ما جعل مصر ثالث أكبر مستورد للسلاح في 2017، وهو أيضا جعل نظامها أكثر الأنظمة في المنطقة امتلاكا لتلك التقنيات الحديثة، خصوصا الصرف بسخاء على قوات التدخل بحرا وجوا وبرا".

أما عن المساهمة الصينية، فتقول الصحيفة: "مشاريع ضخمة على شواطئ الإسكندرية، وعلى مسافات بعيدة لعدة كيلومترات تقام أحواض مزارع السمك كسدود لمنع تهريب اللاجئين".

وبالنسبة للمستشار النمساوي، سبستيان كورتز، ودائما بحسب "يولاندس بوستن"، فإنه يرى في تعاون النظام المصري "مثلا على الاستجابة". وتعود لتذكّر القراء: "خلال السنوات الماضية، بدأ الاتحاد الأوروبي يعزز تعاونه مع النظام المصري، بضخ مساعدات مالية لتعزيز حقوق الإنسان ودولة القانون، وجهود مكافحة الإرهاب والهجرة، وعاد ساسة الاتحاد ليلتقوا بالسيسي في الأمم المتحدة، الأسبوع الماضي، لمواصلة الحديث عن أفق التعاون في المتوسط".



وتكشف "يولاندس بوستن" عن أن المسألة أبعد من مجرد استقبال المرَحَّلين من الذين يُضبطون في المتوسط في منصات على أراضي مصر، فرغم نفي مصر قبولها ذلك، فإن "التعاون يذهب بعيدا إلى رغبة أوروبية مشتركة بأن يكون للمصريين حصتهم، إلى جانب عمليات إعادة المهاجرين إلى دولهم، في حراسة مياه المتوسط قبالة ليبيا، مع وجود كل التقنيات التي استوردوها من جيرانهم في الضفة الأخرى للبحر الأبيض المتوسط. وذلك يعني توسيع التعاون ليشمل قضايا أخرى، غير منع الهجرة، ومنها البيئية والتعليم العالي وعلاقات تجارية قوية، رغم أن كل ذلك له وجه آخر (الوجه الآخر للعملة)".

 

أكبر سجن بالعالم في الهواء الطلق

تحت ذلك عنوان فرعي: "أكبر سجن بالعالم في الهواء الطلق" في صفحاتها الداخلية، المعززة بصور، منها صورة السيسي والعتاد العسكري البحري، وحادثة الغرق في رشيد عام 2016، ذهبت الصحيفة للتذكير بالوجه الآخر لذلك التعاون مع نظام السيسي. وتقول: "بين المنظمات الحقوقية ما يثير القلق عن تعاون عميق بين أوروبا والنظام المصري، بحجة وقف الهجرة.

فمنظمة العفو الدولية وأمنستي تذكران، في تقاريرهما الحديثة، كيف أن العنف والقمع في مصر بات الأسوأ في تاريخ مصر الحديث، بل إن وصف البلد بهذه الممارسات يصل حد القول إنها تحولت إلى "أكبر سجن في الهواء الطلق حول العالم"، وهو ما يؤكده حسين بيومي، من فرع أمنستي الدولي في تونس. 

وتؤكد "يولاندس بوستن" أن ما يجري يحمل مخاطر ضخمة بـ"استغلال مصر لاتفاقياتها مع الأوروبيين لمزيد من اضطهاد المهاجرين الذين يعانون أصلا من مضايقات السلطات وتهديد بالترحيل. فالاعتقال والترحيل إلى البلد الأصلي أمر قائم، وتقوم السلطات بتسليم لاجئين إلى أنظمتهم مع كل مخاطر التعذيب والمحاكمات الصورية".

وفي المجال تُظهر الصحيفة "قيام جهاز الاستخبارات المصرية، في شهر أغسطس/آب الماضي، بالحصول على قائمة من السفارة السودانية لتسليم لاجئين سودانيين، وتم بالفعل، وفقا لموقع "Refugees Deeply"، ترحيل 43 شخصا، 10 منهم على الأقل مسجلون في منظمة الأمم المتحدة للاجئين. ومن لم يجر ترحيلهم اختفوا خوفا من الوصول إلى أقبية التعذيب". 

وتنقل "يولاندس بوستن" عن مديرة منظمة الهجرة العالمية في مصر، لاورينت دي بويك، قولها: "الناس يخبروننا عن الضغوط التي يتعرضون لها ليرحّلوا إلى بلادهم، هؤلاء يخافون الاعتقال ويشعرون بملاحقة السلطات لهم".

 

غض الطرف

وتنقل الصحيفة ذاتها واقعا مأساويا يعيشه المصريون في ظل نظام السيسي، على لسان خبراء أوروبيين في بروكسل. وفي هذا المجال تذكر مديرة التحليل في "معهد السياسات الأوروبية"، جوليا لاغانا: "نعتقد أن مصر ستطالب بتنازلات ضخمة من الاتحاد الأوروبي، فالأمر لا يتعلق فقط باستثمارات ونواحٍ اقتصادية، ولكن أن يدير الأوروبيون وجهوهم بعيدا ويكفّوا عن انتقاد السجل الحقوقي والانتهاكات لحقوق الإنسان في مصر". 

وترى لاغانا، في حديثها للصحيفة، أن "الهدف الأساسي هو غض الطرف كجزء من الاتفاقيات".

أما "هيومن رايتس ووتش" فترى أيضا مخاطر أخرى: "في مصر اليوم يُعرض حتى المهاجرون واللاجئون أمام محاكم عسكرية، بحجة الدخول إلى منطقة عسكرية محظورة، وكل منطقة بالأصل قريبة من أية حدود ينتشر فيها الجيش، ويجري اعتقال وسجن هؤلاء، ويختفون بعيدا عن نظام منظمة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، التي تنظر في طلباتهم، ويمكن أن يُسلموا إلى دولهم ليتعرضوا للتعذيب بمساهمة من النظام المصري". 

 

وتضيف "هيومن رايتس ووتش"، بحسب "يولاندس بوستن": "ليس لدى مصر أصلا نظام لجوء يحمي حقوق من يطلبونه".

وتعرض الصحيفة الموقف الأوروبي من سجلّ السيسي الحقوقي، "الذي ظل يتعرض لانتقادات منذ الانقلاب"، باختزاله في موقف رئيس وزاء بلدها، لارس لوكا راسموسن، في قضية "انتهاز الفرصة يدفعه (راسموسن) كباقي الأوروبيين للقول حرفيا: مصر تقع حيث تقع (إشارة جغرافية)، وبطبيعة الحال مع الكثير من المخاوف، لكننا مضطرون إلى التعامل مع الواقع، لا يمكننا حل مشكلة الهجرة في أوروبا كالتي رأيناها في 2015، ومواطنونا (الأوروبيون) لا يمكنهم تحمّل ذلك، نعم يمكن أن نقول إن القيم التي تقوم عليها أوروبا لا يجري الالتزام بها، لكننا مضطرون إلى التعاون حيث يمكننا، وبالتأكيد مع عمل كبير للضغط بأقصى حد للالتزام بقيمنا".

أخيراً تقول الصحيفة: "ليس فقط المهاجرون واللاجئون من يختفون، بل الاختفاء يشمل مواطني هذا البلد".​​ 

المساهمون