عودة التصعيد إلى سيناء: استهداف للعسكريين والمدنيين

26 أكتوبر 2018
عاد التوتر إلى سيناء أخيراً (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

تزايدت هجمات تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لتنظيم "داعش" في الأسابيع الأخيرة ضد قوات الأمن المصرية، بعد أشهر من الهدوء النسبي، الذي ساد غالبية مناطق سيناء لفترة، بعد بدء العملية العسكرية الشاملة في فبراير/شباط الماضي. في المقابل، بدا لافتاً مدى ارتفاع منسوب الاعتداءات على المدنيين وأملاكهم.

وفي تفاصيل المشهد الميداني، كشف أحد مشايخ سيناء، لـ"العربي الجديد"، عن أنه "منذ بداية شهر سبتمبر/أيلول الماضي تزايدت حدة الهجمات التي ينفذها تنظيم ولاية سيناء ضد قوات الأمن المصري في مدن محافظة شمال سيناء، كما عادت للظهور مجدداً في مناطق اختفت منها تماماً كمدينة رفح، وبعض مناطق مدينة العريش، بالإضافة إلى تنوع هذه الهجمات بين تفجير آليات وقنص مجندين، وإطلاق قذائف مضادة للدروع، مما أدى لوقوع خسائر بشرية ومادية في صفوف قوات الأمن، بصورة متزايدة بشكل ملحوظ عن الأشهر السابقة".

وأضاف أنه "في مقابل ذلك وقعت حوادث قتل عدة بحق مدنيين في سيناء، على يد قوات الجيش والشرطة، من دون مسوغات قانونية، أو مبررات واضحة لذلك، إذ إنه سجل مقتل أكثر من 35 مدنياً على مدار الشهرين الماضيين، عدا عن عشرات الإصابات، وهدم منازل وتجريف مزارع، وقطع للطرق، ووقف لأعمال العشرات من المزارعين والصيادين، وأصحاب المشاريع الصغيرة، فيما سجل اعتقال عشرات المدنيين من مدن رفح والشيخ زويد والعريش من دون توجيه أي تهم ضمن الحملات الأمنية المتواصلة، كجزء من العملية العسكرية الشاملة".

وقد قُتل ما لا يقل عن 20 مواطناً في عمليات تصفية على يد وزارة الداخلية المصرية، على أنهم "إرهابيون" وهم في حقيقة الأمر إما معتقلون لدى الأمن أو مختفون قسرياً منذ أشهر. وعُرف من بين الضحايا المدنيين محمد نبيل عطوة ومدحت صالح نوارة وأحمد الشتلة وياسر أبو فرحان وجهاد عودة ورمضان سلمان ويوسف غيث. كذلك سُجّل مقتل سيدة وإصابة زوجها في قصف مدفعي استهدف منزلهما في حي النصايرة وسط مدينة الشيخ زويد، وبعدها بأيام قُتل أربعة مدنيين وأصيب آخرون في استهداف سيارة تقل عاملين في الخرسانة بحي السمران بمدينة العريش، كما قُتل خمسة مدنيين وأصيب 10 آخرون في تفجير سيارة كانت تقلّ عمالاً على الطريق الدائري جنوب مدينة العريش".

وتأتي هذه الحوادث الأمنية رغم الاستنفار العسكري والأمني في كافة مناطق سيناء، منذ بدء العملية العسكرية الشاملة، فيما لم يعترف الجيش المصري أو الداخلية المصرية بأي من الحوادث، وبقيت تفاصيلها حبيسة شوارع مدن سيناء التي اشتعل حديث سكانها غضباً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ودعوا إلى وقف الجرائم التي ترتكب بحقهم من دون حسيب أو رقيب، مع تواصل التضييق على حركة السكان والتجارة في مدن محافظة شمال سيناء منذ مطلع العام الحالي.

وعن تفاصيل الهجمات التي تعرضت لها قوات الأمن في شهري سبتمبر الماضي وأكتوبر/تشرين الأول الحالي، قال مصدر مسؤول في مستشفى العريش العسكري لـ"العربي الجديد" إن "ما لا يقلّ عن 32 عسكرياً بينهم ضباط قُتلوا على مدار الشهرين، فيما أُصيب العشرات بجروح متفاوتة، تم نقل غالبيتهم إلى المستشفيات العسكرية خارج سيناء"، مضيفاً أن "هذه الحصيلة تعتبر مرتفعة بصورة لافتة مقارنة بالأشهر التي سبقتها، بعد الجهود الأمنية التي تخللتها العملية العسكرية الشاملة، مع العلم أنه يحظر نشر هذه المعلومات بصورة علنية من قبل إدارة المستشفى".



وبيّن المصدر أن "غالبية الخسائر كانت من نصيب قوات الجيش، في ظلّ أنها هي الجهة الأمنية العاملة في غالبية مناطق سيناء التي فيها نسبة هجمات أكبر كرفح والشيخ زويد ووسط سيناء، وأطراف العريش، فيما سجلت بعض الخسائر البشرية في صفوف قوات الشرطة ووزارة الداخلية ككل، باستهدافات مباشرة تعرض لها أمناء شرطة ومجندون خلال خدمتهم داخل مدينة العريش، خصوصاً في مناطق المركز والأحياء النشطة فيها".

ووفقاً لمصادر قبلية فإن "قوات الجيش أصبحت غير قادرة على دخول مناطق كثيرة جنوب مدينتي رفح والشيخ زويد، إثر الهجمات الدموية التي تعرّضت لها الحملات الأمنية التي حاولت الدخول إلى تلك المناطق تحت غطاء القصف الجوي والمدفعي على مدار الشهرين الماضيين، فيما يستطيع التنظيم التحرك بسهولة في تلك المناطق".

وفي التعقيب على ذلك، قال خبير في شؤون سيناء لـ"العربي الجديد" إن "متغيرات عدة طرأت على المشهد العام في سيناء في الآونة الأخيرة، أدت إلى هذه النتائج المختلفة عن الأشهر الوسطى في العملية العسكرية الشاملة التي بدأت في فبراير الماضي، ومن أبرز هذه المتغيرات، حالة الاندماج بين تنظيمي ولاية سيناء والقاعدة في مدينتي رفح والشيخ زويد. وهذا ما ظهر جلياً في الهجمات المركزة في هاتين المدينتين دون بقية مناطق محافظة شمال سيناء، حيث انعكس هذا الاندماج في زيادة الخبرات والمعلومات، وكذلك الأفراد النشطة في الميدان، وعدم مقدرة الأجهزة الاستخبارية المصرية على متابعة هذه الحالة الطارئة والمفاجئة".

وأضاف الخبير أن "قوات الأمن في ظل حالة عدم القدرة على التصدي لهذه الهجمات، وصعوبة الوصول للأفراد المسلحين المتمركزين في مناطق متفرقة من سيناء، اضطرت إلى تنفيذ عمليات تصفية للمعتقلين في مدينة العريش، وكذلك الحال في محاولتها إعادة حالة الردع للمواطنين من خلال استهداف السيارات المتحركة على الطرقات قرب الكمائن الأمنية، كما حصل مع سيارتي العمال في حي السمران والطريق الدائري، بينما تتواصل هجمات التنظيم ضد قوات الأمن بكل أريحية، نظراً إلى عوامل مختلفة لم تتغير على مدار سنوات الصراع الممتدة منذ خمس سنوات".

وفي نقطة مهمة أخرى لا يمكن إغفالها، أن حالة التدهور الأمني الحاصل مرتبطة زمنياً على الأقل بتولي اللواء محمد شوشة رئاسة المحافظة خلفاً للواء عبد الفتاح حرحور. فقد استطاع الضغط على الأجهزة الأمنية في أكثر من ملف يخصّ حياة المواطنين كالكهرباء والمياه ومحطات الوقود والدراسة في مدارس وكليات سيناء. بالتالي، تمكن من حلّ غالبية هذه الملفات لصالح المواطنين، باستخدام نفوذه لدى الأجهزة الأمنية، بصفته محافظاً لسيناء وكذلك خبرته القديمة إذ كان يشغل هذا المنصب إبان حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك، ويتوقع المتابعون للشأن في سيناء أن ما يجري من تعديات من قبل قوات الأمن مرتبط بمحاولة إفشال المحافظ الجديد.
من ناحية أخرى، خفّت البيانات العسكرية التي تصدر عن المتحدث العسكري باسم القوات المسلحة المصرية العقيد تامر الرفاعي، وعادت إلى شكلها القديم بالإعلان عن بعض عمليات القتل لمواطنين عزل على أنهم عناصر تكفيرية شديدة الخطورة، بينما انشغلت بيانات وزارة الداخلية بتصفية المعتقلين، في مقابل بيانات موثقة لتنظيم "ولاية سيناء" تبنّى فيها هجمات متتالية ضد قوات الأمن، رغم مرور أكثر من ثمانية أشهر على بدء العملية العسكرية الشاملة التي كان المأمول منها القضاء على الإرهاب في سيناء.