قرابين بن سلمان: متخصصون في المهمات القذرة

21 أكتوبر 2018
كان عسيري يشارك بلقاءات مع مسؤولين دوليين(فايز نورالدين/فرانس برس)
+ الخط -

اعترفت السلطات السعودية أخيراً بقتل الصحافي والكاتب جمال خاشقجي داخل قنصليتها في إسطنبول أثناء "شجار واشتباك بالأيدي" بينه وبين مجموعة من الأشخاص الذين كلفوا بالتحقيق معه واقتياده إلى البلاد بسبب كتاباته المعارضة لولي العهد والحاكم الفعلي محمد بن سلمان ونظامه القمعي. وجاءت رواية الاعتراف، التي وُصفت بالناقصة، عقب ضغط دولي وأممي من قبل الحكومات الغربية والصحافة العالمية على النظام السعودي لكشف مصير خاشقجي بعد دخوله القنصلية، خصوصاً أن ولي العهد قال بعد اختفائه بيوم واحد في مقابلته مع "بلومبيرغ" إن خاشقجي خرج من السفارة، والحكومة السعودية لا تعرف مكانه.

وسارع النظام السعودي، الذي شكّل "خلية أزمة" لحل الموضوع، إلى إلقاء اللوم على قتلة مارقين قاموا بتنفيذ العملية من دون الحصول على أوامر من بن سلمان، على الرغم من أن الدولة منذ صعود الأمير الشاب لحكم البلاد الفعلي تدار عن طريقه فقط، ولا يمكن لأي شخص من دائرته المحيطة أن يتخذ قراراً من دون الحصول على إذنه.
وقرر بن سلمان التضحية بالمقربين منه والذين رافقوه إبان صعوده السريع للحكم عقب انقلابه على ابن عمه الأمير محمد بن نايف وعزله من كرسي ولاية العهد، ومن ثم القيام بأكبر عمليات اعتقال في تاريخ البلاد، فيما عُرف بـ"حملة سبتمبر" الموجّهة ضد "تيار الصحوة"، أكبر التيارات الدينية في البلاد.

وشملت قائمة الإعفاءات، المستشار الإعلامي في الديوان الملكي سعود القحطاني، وهو المخطط للسياسات الإعلامية السعودية، وقائد "الجيش الإلكتروني" السعودي الذي يوجّه لإرهاب المعارضين على الإنترنت، ومنسق حملات الاعتقالات. كما شملت القائمة أيضاً نائب رئيس الاستخبارات أحمد عسيري، والذي خطط ووجّه لتنفيذ عملية اغتيال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، بالإضافة إلى إعفاء مساعد رئيس الاستخبارات العامة لشؤون الاستخبارات اللواء الطيار محمد بن صالح الرميح، ومساعد رئيس الاستخبارات العامة للموارد البشرية اللواء عبدالله بن خليفة الشايع، ومدير الإدارة العامة للأمن والحماية في رئاسة الاستخبارات العامة اللواء رشاد بن حامد المحمادي.

وفي محاولة لامتصاص الغضب الغربي، أعلن العاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز، عن إعادة هيكلة رئاسة الاستخبارات العامة ونظمها ولوائحها وتشكيل لجنة خاصة بهذا الشأن تضمّنت وجود الحرس القديم من غير رجال دائرة محمد بن سلمان، في دلالة على قرب التخلص من كافة الدائرة المحيطة بولي العهد.

اختيار محمد بن سلمان التضحية بساعده الأيمن وأحد أكبر مستشاريه، سعود القحطاني، جاء كدلالة على المأزق الذي وقع فيه النظام السعودي. القحطاني من مواليد الرياض عام 1978، تخرّج في تخصص القانون من جامعة الملك سعود، ثم عمل ضابطاً في الأجهزة الأمنية، قبل أن يُنتدب للعمل كمستشار إعلامي في ديوان ولي العهد آنذاك، الملك عبدالله بن عبدالعزيز، عام 2003، وأخذه رئيس الديوان الملكي فيما بعد خالد التويجري للعمل تحت إمرته، بعد أن انتبه لمواهب القحطاني في اختراق الحواسيب والولوج داخل شبكات الإنترنت وتكوين جيوش إلكترونية للضغط على الرأي العام.

بعد وفاة الملك عبدالله وعزل مستشاره ورئيس ديوانه خالد التويجري وإزالة كافة الحرس القديم، تمكّن القحطاني، بفضل مواهبه في التجسس الإلكتروني، من إبهار الأمير الشاب محمد بن سلمان، والذي تولى منصب وزارة الدفاع ثم منصب ولي ولي العهد، وخوّله بن سلمان بتشديد القبضة على الصحافة المحلية، وتجييش الكتّاب للعمل على الترويج له على حساب ابن عمه محمد بن نايف الذي كان ولياً للعهد. كما قام القحطاني بالتخطيط لاختراق وكالة الأنباء القطرية "قنا"، وافتعال أزمة حصار قطر والترويج لها إعلامياً.


وتولى القحطاني مهمة التنسيق في "حملة سبتمبر" الموجّهة ضد "تيار الصحوة"، وتوجيه الاتهامات لهؤلاء المعتقلين في وسائل الإعلام، والإملاء على "الجيش الإلكتروني السعودي" الهجوم على المعتقلين، ومحاولة اختراق حسابات المعارضين الهاربين في الخارج.
كذلك تولى مهمة رئاسة الاتحاد السعودي للأمن الإلكتروني والبرمجة والدرونز، وهي منظمة اختراق تجمع المخترقين السعوديين الشباب وتوجّههم في شن حملات إلكترونية ضد مصالح معادية. وبحسب أنباء متداولة، فإن السلطات السعودية قررت تفكيك هذا الاتحاد وتحويل العاملين فيه إلى جهات أخرى، بعد أيام من اختفاء خاشجقي.

وبعد ازدياد ضراوة الحملات ضد الكتّاب والصحافيين والناشطين، اختار الكثير من المعارضين الهروب سراً من البلاد قبل أن تطاولهم يد الاعتقال، وكان من أبرز الهاربين الصحافي والكاتب جمال خاشقجي، وأحمد بن راشد بن سعيد، والمفكر نواف القديمي، وغيرهم، كما زادت المعارضة السعودية الموجودة في الخارج من ضراوة حملاتها ضد ولي العهد، مما أدى إلى تكليف القحطاني بمهمة جديدة وهي استدراج المعارضين للسفارات والقبض عليهم أو التخلّص منهم.

وكان أول المستهدفين في هذه المهمة الجديدة هي الكاتبة الصحافية والناشطة النسوية المعارضة منال الشريف، والتي حاول القحطاني إغراءها بالعودة للبلاد، وإعطاء ابنها تأشيرة دخول المملكة مقابل عودتها، لكنها رفضت هذا العرض. ومن ثم توجّه القحطاني إلى المعارض السعودي الشاب عمر بن عبدالعزيز، والذي كان على علاقة وثيقة بخاشقجي، وأرسل له مبعوثين يخيرونه بين العودة للبلاد أو القبض على عائلته، وبعد رفض عمر بن عبدالعزيز العودة، اعتُقل عدد من إخوته وأصدقائه. وكان جمال خاشقجي آخر من حاول القحطاني استدراجه عبر عروض كثيرة، وفقاً لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، لكنه رفض العودة قبل ضمان حريته وسلامته.

وبعد فشل محاولات القحطاني استدراج صحافيين ونشطاء معارضين وإصلاحيين عبر الترغيب أو الابتزاز، اتجه إلى أحد رجال بن سلمان الخاصين، وهو نائب رئيس الاستخبارات أحمد عسيري، والذي لمع نجمه بعد تعيينه كمتحدث رسمي باسم التحالف السعودي في الحرب على اليمن. عسيري من المقرّبين من بن سلمان وكان يحضر اجتماعاته مع عدد كبير من المسؤولين الزائرين للمملكة، وآخرها اجتماع مع الممثّل الأميركي الخاص للمصالحة في أفغانستان، زلماي خليل زاد، في الرياض، في 10 أكتوبر/تشرين الأول الحالي.

وُلد العسيري في منطقة عسير جنوب السعودية عام 1959 وتخرّج من مدرسة سان سير العسكرية في فرنسا، وتدرج في الرتب العسكرية حتى عُيّن مديراً لمكتب نائب وزارة الدفاع السابق، خالد بن سلطان آل سعود، عام 2010، ثم عُيّن متحدثاً باسم قوات "عاصفة الحزم" التي شنّت الحرب ضد الحوثيين في اليمن، قبل أن يعيّن نائبا لمدير الاستخبارات السعودية عام 2017 ومديرا فعليا لها.

تولى العسيري تأسيس "فرقة نمور" خاصة لاصطياد وتعقّب المعارضين وإعادتهم إلى أرض البلاد بأي ثمن كان لإسكاتهم، بحسب "واشنطن بوست"، وتولى تعيين عدد من الضباط الموالين له والذين ينحدر أغلبهم من منطقته، ومن بينهم طبيب التشريح المتهم بتقطيع جثة خاشقجي، صلاح طبيقي، والعقيد السابق ماهر مطرب، والذي قالت وسائل الإعلام السعودية إنه هو من كان يفترض أن يتولى ملف مفاوضة خاشقجي.

لكن قائمة "التضحيات" قد لا تنحصر في القحطاني وعسيري وضباط الاستخبارات الآخرين، فالضغط العالمي قد يجبر ولي العهد على تقديم مزيد من التنازلات والتضحية بأجهزة عسكرية وأمنية أخرى علاوة على جهاز الاستخبارات، مثل جهاز أمن الدولة المرتبط مباشرة بمكتب بن سلمان، بالإضافة إلى تفكيك فرق أمنية مثل فرقة "السيف الأجرب"، والتي شاركت في حملة اعتقالات "الريتز كارلتون" ضد الأمراء ورجال الأعمال المنافسين لبن سلمان في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.