المناصب... أداة الزعامات العراقية لتحصين نفسها

21 أكتوبر 2018
الجعفري يسعى للاستمرار طويلاً (محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -

مع قرب ولادة الحكومة العراقية السادسة منذ الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003، برزت أسئلة عدة حول الحكومة وإمكانية نجاحها وما ستغيره. ومن بين تلك الأسئلة مصير الزعامات السياسية التي عرفها العراقيون منذ الاحتلال ولغاية الآن والتي جاءت مع الجيش الأميركي وتناوبت على المناصب التنفيذية في البلاد، مثل إبراهيم الجعفري وأياد علاوي ونوري المالكي وبيان صولاغ وموفق الربيعي وأسامة النجيفي وأياد السامرائي وحاجم الحسني ومسعود البارزاني، وغيرهم آخرين ضمن ما بات يطلق عليهم في الصحافة المحلية "الخط الأول".

ويوم الخميس الماضي، أعلنت وزارة العدل عن إحالة رئيس الجمهورية السابق فؤاد معصوم ونوابه الثلاثة إلى التقاعد وهم نوري المالكي وأسامة النجيفي وأياد علاوي، وهو إجراء اعتبر روتينياً، فالثلاثة عادوا من شباك البرلمان مجدداً في دورته الرابعة الحالية. ومع تأكيد رئيس الوزراء المكلف عادل عبد المهدي، في بيانات سابقة على عدم اختيار أي نائب في تشكيلته الحكومية، وكذلك استبعاد المسؤولين السابقين منها، تسرّبت معلومات عن أن "المفاوضات الحالية لتشكيل الحكومة تتضمن مناصب ترضية وأخرى للحصانة والوجاهة لزعامات سياسية، خصوصاً تلك التي لم تفز بالبرلمان لتحصينها من ملفات الفساد التي قد تفتح عليها في أي وقت، مثل إبراهيم الجعفري وموفق الربيعي وبيان صولاغ وهادي العامري وعدنان الأسدي وآخرين، وذلك في وقت يطمح آخرون بالعودة لمناصب تشريفية مثل نائب رئيس الجمهورية أو مستشار شؤون المصالحة أو رئيس تحالف سياسي أو أحد أعضاء الهيئة المرتبطة بالبرلمان".

وبحسب مصدر مقرب من مكتب عبد المهدي، فإن "نوري المالكي وأياد علاوي وأسامة النجيفي تحديداً، لن يحصلوا على وزارة يديرونها بصفة شخصية، لذا بدأت تحركاتهم تهدف إلى العودة لمنصب نواب لرئيس الجمهورية وهو ما كانوا عليه خلال السنوات الأربع الماضية"، مشيراً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "باقر جبر الزبيدي هو الآخر تحرك خلال الأيام الماضية لنيل منصب تشريفي أو استشاري، وهو ما يعتبره استحقاقاً ضمن ما يعرف الخدمة الجهادية"، في إشارة الى سنوات المعارضة ضد نظام صدام حسين.

ولفت المصدر إلى أن "وزير الدفاع السابق لدورتين سعدون الدليمي، من ضمن الشخصيات التي دخلت على خط الحصول على مناصب رفيعة، وكذلك فالح الفياض ومحمد الكربولي". وكشف عن أن "محاولاتهم لم تحقق تقدما حتى الآن وأن عبد المهدي يواجه الضغط بالرفض أو التهرب منها"، معتبراً أن "مساعيهم هي لوقف أي تحرك مستقبلي ضدهم بملفات فساد يتورطون بها منذ عام 2003".

في السياق، ذكرت النائبة جميلة العبيدي، أن "الشخصيات القديمة في العملية السياسية، هي التي جذبت أصوات المواطنين في الانتخابات البرلمانية الماضية وهي من تتحكم بالوضع الحالي وعملية المحاصصة على المناصب"، مشيرة في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الأعضاء الجدد في البرلمان والملتحقين حديثاً بالأحزاب، هم أقرب إلى البيادق". وتابعت أن "الوجوه التي تتحكم بالعمل والأجواء السياسية، لن تتغير طالما أنهم مدعومين من أميركا وإيران، وليس الشعب من يتحكم ببقائهم أو قانون أو برلمان، إنما الجهات الخارجية هي التي تتصرف، وتختار من يبقى ومن يرحل. وقد استطاعوا خلال الأعوام الماضية تحريف الدستور، وسحب إرادة الشعب".



أما النائب جمعة العطواني، فذكر أن "من يحال على التقاعد في العمل السياسي بالعراق، لا يعني أنه اعتزل السياسة، فالتقاعد في السياسة هو إجراء طبيعي، وليس أكثر من تعبير لغوي وإداري تعمل به الدولة ورئاسة الجمهورية عندما تنتهي أعمال الموظفين لديها"، لافتاً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الوجوه القديمة ما تزال تسيطر على أغلبية مفاصل الدولة، وقد يتم استقطابها من جديد من أجل أخذ حصصها من المناصب والعودة إلى المناصب السابقة بتعديل بسيط".

وأضاف أن "ابراهيم الجعفري يعد من الشخصيات المنتهية، كذا الحال مع باقر جبر الزبيدي، فهما لم يدخلا منافسة الانتخابات البرلمانية الأخيرة، أما أسامة النجيفي وأياد علاوي ونوري المالكي ففازوا في البرلمان بالانتخابات، وهم الآن أعضاء فيه، وربما يكون لهم مناصب في الحكومة الجديدة، في حال تعلق الأمر بالاستحقاق الانتخابي".

ولم يكتف ابراهيم الجعفري بمنصبه في رئاسة الحكومة، بل ظل عضواً في البرلمان لدورتين، وشارك في حكومة حيدر العبادي بصفة وزير للخارجية. والحال ينطبق على نوري المالكي الذي كان رئيساً للحكومة لثماني سنوات قبل أن يصبح نائباً لرئيس الجمهورية، وأحيل أخيراً إلى التقاعد، فيما يستمر الطموح لمنصب جديد. والحال ذاته على أسامة النجيفي وأياد علاوي وباقر جبر الزبيدي وسليم الجبوري وغيرهم، ولا يبدو للوجوه القديمة حضورٌ في الحكومة الجديدة، التي من المفترض أن يشكلها عبد المهدي، الذي تنقل بين وزارات وهيئات وأكثر من منصب سيادي، لكن مراقبين يرون أن عودة "صقور الأحزاب" قد تصبح واقعاً في حال فشلت حكومة عبد المهدي، وتبديل وزراء جدد بآخرين قدامى، بحجة الخبرة.

وإلى جانب المناصب السيادية لقادة الأحزاب المعروفين، وتمثيلهم العراق في المحافل العالمية، فإنهم يتحكمون فيما هو خارج إدارتهم، ويحدث أن يدخل على الأمن والأمور العسكرية وزير لوزارة خدمية، وتتداخل خطوط العمل بين الوزارات، إلى درجة عدم الانسجام. وحدث ذلك في أحيان كثيرة وأدى إلى إخفاقات لم تؤثر على السياسيين إنما شعر بها المواطن، ومنها أزمة مدينة البصرة الجنوبية الأخيرة، التي تعاظمت بسبب فشل الوزارات على مدى الأعوام الماضية في أداء مهامها، وشهدت مشكلة أمنية وخدمية واسعة، راح ضحيتها عشرات القتلى فضلاً عن آلاف المصابين بأمراض معوية، في الأشهر الأخيرة من حكومة حيدر العبادي الذي شغل منصب وزير الاتصالات سابقاً، وبرلمانياً عن اللجنة المالية.

من جهته، رأى المحلل السياسي أحمد الشريفي أن "الشخصيات القديمة ما تزال تصر للحصول على العناوين والمناصب، لأنها بدون عنوان تصبح بلا أي فائدة". وقال لـ"العربي الجديد"، إن "الشخصيات التي تسمى (الصقور) في السياسة العراقية، ليس مهماً تناول قضية حضورها إنما الأهم هو تأثيرها في المرحلة المقبلة، وهي للأسف لها تأثير على أغلبية القرارات السياسية والأمنية". وأوضح أن "الشخصيات السياسية التي جاءت للبرلمان الجديد، لا يمكنها المرور بأي محطة أو عملية صناعة قرار، إلا بالمرور أولاً ببوابة الشخصيات القديمة، فهم يتحكمون بها ويعملون كحراس لمصالحهم ومصالح أحزابهم، ويقودون ما يطلق عليه بالدولة العميقة التي تسوّق الأشخاص الجدد من السياسيين والمجرمين".