عودة مقاتلي "الحشد" الشعبي: مدن عراقية تغصّ بعنف المليشيات

07 يناير 2018
ردود الفعل العنيفة تطغى على أفراد الحشد الشعبي(فرانس برس)
+ الخط -
ترفض الحكومة العراقية، وكذلك السلطات الأمنية، الربط بين تصاعد مستوى العنف المجتمعي والجرائم في مناطق جنوب العراق والعاصمة بغداد وعودة أكثر من 60 في المائة من مقاتلي "الحشد الشعبي" إلى منازلهم مع أسلحتهم الشخصية، بعد انتهاء القتال المباشر مع تنظيم "داعش" وبدء الجيش العراقي بتولي ملف إدارة أمن المدن المحررة مع الشرطة وجهاز مكافحة الإرهاب الأكثر كفاءة بين أجهزة القوات العراقية المسلحة. وما زال نحو 45 ألف عنصر من مليشيات "الحشد الشعبي" يتواجدون في مناطق حدودية مع سورية على امتداد 550 كيلومتراً، وكذلك مناطق صحراء الأنبار وجزيرة الموصل والمناطق المتنازع عليها مع الأكراد، فضلاً عن ست مدن ترفض الانسحاب منها وتم تحريرها قبل أكثر من ثلاث سنوات، أبرزها جرف الصخر وبيجي ويثرب.

وتشي التقارير الأمنية العراقية الصادرة عن وزارة الداخلية وكذلك وثائق ومحاضر رسمية، بارتفاع معدلات الجريمة والعنف في مناطق جنوب العراق إلى ثلاثة أضعاف خلال شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، وتتهم الشرطة أفراداً من "الحشد الشعبي" بالوقوف وراء أكثر من نصفها. وتتصدر محافظات ميسان والبصرة وبغداد وبابل وذي قار أعلى معدّل للعنف غير المصنّف ضمن الإرهاب، بواقع 87 جريمة، بينها 19 جريمة قتل عمد و13 جريمة شروع بالقتل أفضت إلى إصابات، فضلاً عن جرائم سرقة وسطو مسلح أو اعتداء على عناصر أمن وموظفين مدنيين أثناء أداء واجبهم، وفقاً لتقرير للداخلية العراقية اطلعت "العربي الجديد" على مقتطفات منه.


وبحسب ضابط رفيع في وكالة الاستخبارات والتحقيقات الاتحادية التابعة لوزارة الداخلية العراقية، طلب عدم الكشف عن اسمه، وأجري الحديث معه عبر الهاتف من بغداد، فإن "معدل الجرائم والعنف تضاعف ثلاث مرات مقارنة بشهر سبتمبر/ أيلول في جنوب ووسط العراق والعاصمة بغداد، كان آخرها عملية قتل تعرّض لها مواطن على يد ابن جاره الذي يعمل في أحد الفصائل المسلحة، لسبب تافه جداً هو عراك أطفال داخل الزقاق".

ويوضح الضابط أن "ردود الفعل العنيفة تطغى على أفراد الحشد الشعبي، وبعضهم يطلب مضاعفة احترامه في المنطقة أو المدينة أو الحي الذي يسكن فيه من قبل الآخرين وحتى دخوله للدوائر الرسمية، وهذه مشكلة بحد ذاتها"، مضيفاً "لدينا رجل مرور تعرّض لاعتداء من قبل أحد أفراد الحشد أيضاً وأصيب بعيار ناري في ساقه بعد أن حرّر له مخالفة". ويختم بالقول "غير صحيح ربط كل الجرائم والانتهاكات بعودة قسم منهم، لكنهم ساهموا بشكل واضح بالتأكيد في رفع نسب الجرائم وأحداث العنف جنوب العراق".

صفاء مجول (20 عاماً)، يسكن بلدة المشخاب، إحدى المدن العراقية الجنوبية ذات الطابع العشائري، يقلّب هاتفه مستعرضاً صوراً مع باقي رفاقه في جبهات القتال قرب الفلوجة والموصل وغرباً حيث الرطبة والقائم، متحدثاً عن قصص جبهات القتال التي استمرت لأكثر من ثلاث سنوات مع مليشيات الحشد الشعبي عقب تشكيلها بفتوى من المرجع الديني علي السيستاني.

صفاء الذي ترك دراسته للالتحاق بكتائب "حزب الله" فرع العراق، يقضي ثلاثة أسابيع إجازة مقابل أسبوعين يلتحق فيهما بالمليشيا المرابطة في منطقة مقابل التنف السوري، غرب العراق. ويؤكد صفاء أنّ الإجازة مملّة، واصفاً ذلك بالقول "أقضي النهار على باب المنزل أو في (رأس الشارع) الذي أسكن فيه أو عند العم أبو حسين صاحب الدكان"، مضيفاً "لا أخرج كثيراً عن نطاق هذه المناطق، وجلوسي بالبيت أيضاً يسبب مشاكل لي مع أفراد عائلتي". يتمنى لو أن حرباً أخرى تندلع، لكنه يعود ويستعيذ بالله من الشيطان، فالحرب ستحصد "مساكين"، كما يقول، لكنه يعترف بنيته الذهاب إلى سورية، "فما زال هناك قتال أيضاً"، وفقاً لقوله.


إلى ذلك، يتمسّك مدير مركز للشرطة في بلدة شمال محافظة ميسان، جنوب العراق، بموقفه الذي وصفه بعض السكان بـ"البطولي"، إذ يرفض إطلاق سراح أحد أفراد مليشيا "النجباء" الذي دخل في مشاجرة مع صاحب مولد كهرباء في الحي، فتركه جثة هامدة مع ست رصاصات في الرأس والصدر. ويقول أحد أفراد الشرطة بلهجة عراقية جنوبية "المدير زلمه أخو أخته وما يخاف. حلف يمين ما يفكه من الحبس لو يجي الشيخ عبد"، والشيخ عبد هو أحد زعماء تلك المليشيا البارزين في المدينة ذاتها.


وأدت حوادث العنف المتكررة إلى إصدار كتاب موقّع باسم رئيس الوزراء حيدر العبادي إلى السلطات الأمنية في البصرة يأمر باعتقال أي شخص مهما كانت صفته أو الهوية التي يحملها، ويحذّر الشرطة من التمييز في التعامل مع الجناة ويختم بعبارة "لا أحد فوق القانون".

وباشرت "هيئة الحشد الشعبي"، وهي التسمية الرسمية التي أطلقتها حكومة العبادي بعد تشريع البرلمان نهاية العام 2016 قانوناً لتلك المليشيات واعتبرت فيها تشكيلاً عسكرياً مستقلاً بكيانه ومرتبطاً برئيس الوزراء، بوضع جدول مناوبات لأفراد المليشيات، عادة ما تكون إجازات طويلة، وهو ما لم يكن يحصل خلال السنوات الماضية، فـ"القتال انتهى"، وفقاً لعضو مليشيا "سرايا عاشوراء" حسن الفتلاوي، الذي اعتبر أن طريقة مكافأتهم محلّ خلاف بين أفراد الحشد أنفسهم، فمنهم من يفضّل البقاء على صفته كعنصر بالحشد بلا ضوابط عسكرية ولا قيود أو مهام محددة، ومنهم من يجد أن انتقاله إلى الجيش العراقي أفضل. ويتابع "لم يذهب أحد لبيته، لكن الموضوع أن إجازاتنا الشهرية صارت طويلة جداً. ونعم الطابع العنيف نقلناه معنا إلى مناطقنا، لكن بنسب متفاوتة".

 

آخر إحصاء للمليشيات العراقية

ويشير آخر إحصاء للمليشيات العراقية المنضوية تحت ما يعرف بالحشد الشعبي، إلى وجود 69 فصيلاً بمجموع مقاتلين يبلغ 113 ألف مقاتل، من بينهم ما لا يقل عن 9 آلاف يدعمون نظام بشار الأسد في سورية، بحسب مصادر رفيعة من داخل هيئة الحشد الشعبي التي يشرف عليها فالح الفياض، والذي يحمل أيضاً صفة مستشار الأمن الوطني في مجلس الوزراء العراقي وأحد الأصدقاء المقربين من الأسد.

وأبرز تلك الفصائل هي سرايا السلام، منظمة بدر، كتائب حزب الله العراقي، عصائب أهل الحق، كتائب سيد الشهداء، حركة حزب الله النجباء، كتائب الإمام علي، كتائب جند الإمام، سرايا الخراساني، لواء أبو فضل العباس، سرايا الجهاد، أنصار العقيدة، سرايا أنصار عاشوراء، النجباء، فرقة العباس القتالية، كتائب الشهيد الأول، كتائب الشهيد الصدر، كتائب النخبة، لواء علي الأكبر، لواء الشباب الرسالي، لواء أنصار المرجعية، لواء أسد الله الغالب، جيش المختار، فيلق الوعد الصادق، كتائب أنصار الحجة، كتائب قمر بني هاشم، حزب الله الثائرون، كتيبة عماد مغنية، لواء قاصم الجبارين، لواء الإمام القائم، كتائب أئمة البقيع، حركة أنصار الله الأوفياء، لواء المنتظر، كتائب ثائر الله، كاتب القصاص، كتائب أشبال الصدر، كتائب ثائر الحسين، كتائب مالك الأشتر، كتائب الدماء الزكية، لواء ذو الفقار، حركة الأبدال،  كتائب مسلم بن عقيل، لواء أنصار المهدي، لواء المؤمل، كتائب العدالة، كتائب الفتح، كتائب سرايا الزهراء، حركة العراق الإسلامي، العتبة الحسينية، لواء زينب العقيلة، لواء الطف، كتائب الإمام الغالب، كتائب الإمام الحسين، كتائب القيام الحسيني، كتائب درع الولاية، كتائب القارعة، كتائب يد الله، كتائب بقية الله، كتائب الشبيبة الإسلامية، كتائب جمعية آل البيت، سرايا الدفاع الشعبي، سرايا المختار الثقفي، سرايا لواء السجاد، كتائب وعد الله، كتائب الغوث الأعظم، كتائب بابليون البدلاء، كتائب التيار الرسالي، فضلاً عن نحو 10 مليشيات أخرى صغيرة تنتشر في مناطق محددة من بابل ووسط بغداد وجنوبها.