تحريك ملف الأسلحة الكيميائية بسورية: عصا سياسية بيد أميركا

15 يناير 2018
شنّ النظام هجوماً بخان شيخون (عمر حاج قدّور/فرانس برس)
+ الخط -
كان "يوماً اعتيادياً"، أول من أمس السبت، بالنسبة لقوات النظام السوري، مع قصفها أطراف مدينة دوما في الغوطة الشرقية، بصواريخ محمّلة بمادة سامّة يرجح أنها "غاز الكلور" ما أسفر عن وقوع حالات اختناق بين المدنيين. وأفاد مركز الغوطة الإعلامي بأن "العديد من المدنيين، معظمهم أطفال ونساء أصيبوا بحالات اختناق جراء القصف". كما كشفت مديرية الصحة في دمشق وريفها التابعة لوزارة الصحة في الحكومة السورية المؤقتة، أنّ مستشفى ريف دمشق التخصصي في الغوطة الشرقية استقبل 6 حالات هي طفل وخمس نساء"، موضحة أن "الأعراض كانت عبارة عن اضطراب تنفسي بسيط، وزلة تنفسية وهياج بسيط من دون تقبض حدقي، وأصوات الصدر ضمن الطبيعي ما عدا سيدة تم تدبير معالجتها لوقت أطول".

ويأتي تكرار استخدام النظام السوري للأسلحة المحرمة دولياً بعد مطالبة وزارة الخارجية الأميركية، يوم الخميس الماضي، النظام بتفكيك برنامج الأسلحة الكيميائية بشكل كامل، وذلك في بيان لها، نُشر على موقعها الإلكتروني، أكدت فيه على "ضرورة ضمان ألا تُستخدم هذه الأسلحة ضد الشعب السوري". لكن تعثر اتخاذ أي قرار أو إجراء متعلق بعدم استخدام الأسلحة الكيميائية في سورية، أو تفكيك كامل الترسانة من هذه الأسلحة، في ظلّ احتفاظ النظام بجزء كبير منها، حسب ما أظهرته الأحداث، ومنع روسيا أي محاولة لمحاسبته على جرائمه، يجعل إشهار ملف الأسلحة الكيميائية السورية، بين الحين والآخر، تحديداً من قبل الولايات المتحدة أشبه بالعصا بيد واشنطن، أكثر منه ملفاً إنسانياً، تحديداً في لحظات التوتر السياسي.

وسبقت الخارجية الأميركية منظمة "هيومن رايتس ووتش" الدولية بيوم واحد، في إعادة ملف الهجمات الكيميائية في سورية إلى الواجهة، عبر تقرير نشرته المنظمة، يوم الأربعاء الماضي، قالت فيه إن "مجلس الأمن عجز عن تحقيق أي تقدم يذكر في تحديد المسؤول عن استخدام الكيميائي في سورية، ومحاسبته أمام المحكمة الدولية".

ولفتت إلى أن "روسيا استخدمت حق النقض (الفيتو) 11 مرة لتعطيل قرارات لمجلس الأمن متعلقة بسورية، كان آخرها استخدام الفيتو ضد تمديد عمل لجنة التحقيق الدولية في السلاح الكيميائي بسورية، ما أدى إلى انتهاء عملها في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي".

ودعت المنظمة في تقريرها الحكومة الروسية إلى "تغيير مسارها ودعم مجلس الأمن الدولي في مساءلة المسؤولين عن الهجمات الكيميائية"، مضيفة أنه "حتى لو لم يتحقق ذلك، يجب على أعضاء الأمم المتحدة الاستمرار في تمويل فرق التحقيق الأممية الأخرى التي أنشئت للتحقيق في الجرائم في سورية وتحديد المسؤولين عنها".


وكان التقرير الأخير للجنة التحقيق قد حمّل النظام مسؤولية استخدام غاز السارين في بلدة خان شيخون، في إبريل/نيسان عام 2017، الذي أودى بحياة نحو 500 شخص بين قتيل وجريح. كما حمّلته مسؤولية هجمات كيميائية أخرى، الأمر الذي رفضه الروس معتبرين أنه "غير مستند إلى حقائق"، معتبرين أن "كل الاتهامات للنظام باستخدام الأسلحة الكيميائية تنطلق من غايات سياسة".

وقال مسؤول العلاقات الخارجية في "مركز توثيق الانتهاكات الكيميائية في سورية" نضال شيخاني، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنهم "يؤكدون تواجد أسلحة كيميائية بحوزة النظام في العديد من المستودعات المنتشرة في مختلف المناطق الخاضعة لسيطرة النظام"، لافتاً إلى أن "تقارير منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بيّنت حين أدارت ما سلم إليها من مواد كيميائية من قبل النظام، استناداً إلى الاتفاق الروسي الأميركي، أن لديها شكوكا حول تسليمه كامل مخزونه من الأسلحة الكيميائية. الأمر الذي تأكد عند إدانة النظام باستخدام تلك الأسلحة أكثر من مرة آخرها استخدام غاز السارين في خان شيخون العام الماضي وقبلها بأيام في اللطامنة". ولفت إلى أن "اللجنة المشكلة من قبل الأمم المتحدة أظهرت أن العيّنات التي أُخذت من الضحايا والمنطقة المستهدفة تتطابق مع تركيبة السارين الموجودة لدى النظام والتي سبق أن سلم منها كميات سابقاً".



ورأى شيخاني أن "دعوة الأميركيين للنظام ما هي إلا فقاعة سياسية لا تتجاوز أثرها الإعلامي، في ظلّ غياب الحراك الجدي لتدمير المخزون الكيميائي لدى النظام، خصوصاً أنهم عطّلوا التصويت على إدانة المنظمة للنظام لاستخدامه الأسلحة الكيميائية العام الماضي إلى جانب الروس، والذي سبق أن دانته 28 دولة عام 2016". وأوضح أن "تلك الإدانة كانت ستسمح للمنظمة تحويل الملف إلى الجمعية العامة في الأمم المتحدة ومجلس الأمن لإحالته إلى محكمة الجنايات الدولية، على الرغم من الفيتو الروسي الحاضر دائما على طاولة مجلس الأمن".

واعتبر أن "التشكيك بتقارير لجان التحقيق غير مبرر، لأن اللجان ما بين عامي 2013 و2017 كانت تتغير من عام إلى عام، وأنه عندما تعتمد تلك التقارير من غالبية أعضاء المنظمة المشكلة من 192 دولة لا تتم إلا إن كانت متأكدة". وأضاف أن "المركز يمتلك اليوم أكثر من 19 ألف ملف، تتكون من عينات وشهادات، وتتماشى مع المعايير الدولية للتوثيق، يتم العمل على تقديمها إلى محكمة فدرالية خاصة تعنى بالجرائم الدولية في بروكسل أو لاهاي".

وكشف أن "سورية تعدّ ثاني أكبر دولة منتجة للأسلحة الكيميائية في العالم، وهناك العديد من المواقع المرجح أن تحتوي أسلحة كيميائية، إضافة إلى مستودعات سرية غير معروفة، والنظام قد يمتلك سبلا للحصول على المواد الأولية لإنتاج الأسلحة الكيميائية كشركات أدوية وهمية وغيرها".

وكان النظام وافق في أيلول/سبتمبر 2013 على تدمير برنامجه للأسلحة الكيميائية بالكامل بموجب اتفاق روسي أميركي، بعد هجوم للنظام بالكيميائي على الغوطة الشرقية بريف دمشق، أدى إلى مقتل أكثر من 1400 مدني أكثرهم من الأطفال، تم اعتماده بقرار من قبل مجلس الأمن، ونصّ على استخدام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة في حال "نقل غير مصرح به للأسلحة الكيميائية أو أي استخدام للأسلحة الكيميائية من قبل أي طرف في سورية، ما يسمح بفرض العقوبات وتفويض مجلس الأمن باستخدام القوة العسكرية وفرض عقوبات على أشخاص أو كيانات". كما أصدرت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، تقريراً في أغسطس/آب 2017، ذكرت فيه أن "النظام نفّذ منذ سبتمبر/أيلول عام 2013، أكثر من 174 هجوماً كيميائياً".



المساهمون