هل تؤشر غارة مصياف إلى زيادة الدور الإسرائيلي في سورية؟

07 سبتمبر 2017
الغارة استهدفت مصنعاً لإنتاج الصواريخ أو تعبئة المواد الكيميائية(تويتر)
+ الخط -
لا تختلف الضربة الجوية الإسرائيلية الأخيرة في سورية عما سبقها من ضربات كثيرة خلال السنوات الماضية، باستثناء أنها تطاول أهدافا في العمق السوري لم يسبق لإسرائيل قصفها منذ انطلاق الثورة السورية قبل أكثر من 6 سنوات، إضافة إلى طبيعة الهدف المستهدف، والذي رجحت مصادر أن يكون مصنعا لإنتاج الصواريخ أو لتعبئة المواد الكيميائية.

 وهذا يشير إلى أن إسرائيل بدأت في "تطوير" دورها في الأزمة السورية، ارتباطا بالمؤشرات إلى قرب انفراجها، فضلا عن رغبة إسرائيل في "معالجة" بعض القضايا بنفسها، بعد التجاوب المحدود مع مطالبها من روسيا والولايات المتحدة بالحد من النفوذ الإيراني في سورية.

وشنّت طائرات إسرائيلية غارة جوية، فجر أمس، على قاعدة عسكرية لقوات النظام شرق مدينة مصياف، بريف حماة الغربي، حيث ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن القصف استهدف مصنعاً لإنتاج الصواريخ بعيدة المدى، فيما رفض الجيش الإسرائيلي التعليق على الخبر بالنفي أو بالإيجاب.

 وكتب الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية عاموس يادلين، على حسابه على "تويتر"، أن المنشأة في مصياف تنتج أسلحة كيميائية وبراميل متفجرة. 

وتداولت مصادر إعلامية تابعة للنظام صورةً على أنها للغارة، مشيرةً إلى أن المكان المستهدف هو "مركز الطلائع" التابع للبحوث العلمية في قرية الشيخ غضبان، والذي حولته قوات النظام إلى مركزٍ للبحوث العلمية.

وقال بيان لجيش النظام إن الطيران الإسرائيلي "قام فجر الخميس، بإطلاق عدة صواريخ من الأجواء اللبنانية استهدفت موقعاً عسكرياً سورياً بالقرب من مصياف بريف حماة، وأن الهجوم أسفر عن مقتل جنديين ووقوع خسائر مادية في الموقع".

ورأى البيان أن "هذا العدوان يأتي في محاولة لرفع معنويات عصابات تنظيم داعش المنهارة، بعد الانتصارات الساحقة التي يحققها الجيش السوري على أكثر من اتجاه"، معتبرا أن هذا الحادث "يؤكد دعم إسرائيل المباشر لداعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى". وحذر من "التداعيات الخطيرة لمثل هذه الأعمال العدوانية على أمن المنطقة واستقرارها".

وقال نشطاء سوريون إن إسرائيل قصفت موقعا للبحوث العلمية قرب حماة، مختص بصناعة أسلحة غير تقليدية، وهو لا يبعد عن قاعدة حميميم العسكرية الروسية سوى نحو 70 كيلومترا فقط.

 وقالت مصادر عسكرية في المعارضة السورية لـ"العربي الجديد"، إن مركز البحوث لديه خط إنتاج للصواريخ الباليستية، ويشرف عليه خبراء إيرانيون، وفيه أيضًا معامل لإنتاج الأسلحة الكيميائية. وأوضحت أن مركز مصياف ينتج صواريخ (s60) التي يتم نقلها لحزب الله.

وخلال السنوات الماضية، استهدفت إسرائيل عشرات المرات مواقع لقوات النظام، خاصة في محيط دمشق، ومنها مطار المزة العسكري على أطراف العاصمة، دون وجود أي رد من النظام.

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قد قال في 28 أغسطس/آب الماضي، إن إيران تبني مواقع لصنع الصواريخ الموجهة في سورية ولبنان، لاستخدمها ضد إسرائيل.

وقال نتنياهو خلال اجتماعه مع الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، إن إيران تحوّل سورية إلى "حصن عسكري في إطار هدفها المعلن بمحو إسرائيل"، مشيراً إلى أنها "تبني مواقع لإنتاج صواريخ موجهة بدقة في كل من سورية ولبنان لتحقيق هذا الهدف. هذا أمر لا يمكن أن تقبله إسرائيل".

وتركز الدبلوماسية الإسرائيلية في الفترة الماضية على محاولة إقناع الولايات المتحدة وروسيا بأن إيران والمقاتلين الذين تمولهم وتسلحهم في سورية هم الذين يشكلون التهديد الأكبر على إسرائيل والمنطقة بشكل عام. وتشدد على ضرورة احتواء الوجود الإيراني في سورية، سواء عبر حزب الله أم المليشيات الأخرى التي تدعمها إيران.

 وترى إسرائيل أن التجاوب مع هذه المطالب ما زال محدودا، وهو ما تجلى في اعتراضها على اتفاق تخفيض التصعيد في الجنوب السوري، والذي قالت إنه لم يلحظ مخاوفها بما يكفي، ولم يأت على ذكر إيران أو مليشياتها بشكل واضح، وهو ما دفع إسرائيل إلى إيفاد وفد رفيع برئاسة رئيس "الموساد" يوسي كوهين إلى واشنطن لبحث الملف السوري، وخاصة وقف إطلاق النار في جنوب سورية وتعاظم نفوذ إيران وحزب الله.

 
كما تهدف إلى ذلك زيارة نتنياهو الى سوتشي، واجتماعه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، نهاية الشهر الماضي، حيث قال أمام بوتين إن إسرائيل مستعدة للتحرك بشكل منفرد لمنع أي تمدد للوجود العسكري الإيراني في سورية.

وزاد على ذلك مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى، هدد في تصريحات أمام وسائل إعلام روسية بقصف قصر رئيس النظام السوري بشار الأسد في دمشق في حال استمرار إيران بتعزيز نفوذها في البلاد.

 وأوضح المسؤول الإسرائيلي أن اللقاء الأخير بين نتنياهو وبوتين في سوتشي، لم يسفر عن التوصل إلى أي تفاهم، مضيفا أن نتنياهو قال للزعيم الروسي إن إسرائيل ستضطر للتدخل في سورية إذا لم يؤخذ قلقها بعين الاعتبار.

ولا تقتصر خيبة الأمل الإسرائيلية إزاء الحضور الإيراني القوي في سورية على الموقف الروسي فقط، بل تصل إلى الموقف الأميركي أيضا، في ظل أحاديث عن تفاهمات وصفقات بين الجانبين الأميركي والإيراني في سورية.

وعبر عن الموقف الإسرائيلي بوضوح السفير الإسرائيلي الأسبق في واشنطن زلمان شوفال، الذي قال إن السياسة الأميركية في سورية تفتح حدود المنطقة أمام النفوذ الإيراني.

وقال شوفال في مقالة له بصحيفة "إسرائيل اليوم"، نشرتها اليوم، إن "إيران تواصل تنفيذ مشروعها بترسيخ نفوذها في سورية، في مسعى لإيجاد الهلال الشيعي"، متهما الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بفتح حدود سورية والمنطقة كلها أمام الوجود الإيراني، بسبب ما رأى أنه "صراع مشترك بين الولايات المتحدة وإيران ضد تنظيم داعش، أو لرغبة أوباما في إيجاد توازن مفترض في الشرق الأوسط، بين المجموعة السنية برئاسة السعودية، ونظيرتها الشيعية بقيادة إيران".

كما انتقد السفير الإسرائيلي إدارة الرئيس الحالي دونالد ترمب، رغم إعلانها معارضة زيادة النفوذ الإيراني في المنطقة، مشيرا إلى أنها "لم تتخذ بعدُ خطواتٍ عمليةً لكبح جماح نفوذها".

ونقل عن أوساط سياسية وصحافية أميركية قولها إن إدارة ترامب مستعدة للتنازل عن سورية لصالح روسيا، بما يعني في المحصلة التنازل عنها لصالح الإيرانيين، فإذا لم تعد للولايات المتحدة مصلحة في سورية، فإن إيران ستكون مهيمنة فيها.

وما يدعم كلام شوفال بشأن اعتماد واشنطن على موسكو في مسألة تقليص النفوذ الإيراني في سورية، ما قاله أمس أيضا، السفير الأميركي السابق في سورية روبرت فورد، إن "واشنطن تأمل في أن تتمكن روسيا من إجبار إيران على إخلاء قواتها من سورية"، مشيرا إلى أن ذلك كان جزءاً مهمّاً من استراتيجية عرضها الجانب الأميركي على الوفد الإسرائيلي الذي زار واشنطن في 17 أغسطس/ آب الماضي. ورأى فورد أنه "ليس من شأن روسيا أن تخاطر بمواجهة إيران لمجرد أن واشنطن وتل أبيب تقدمتا بطلب ذلك من دون عرض أي تعويضات مغرية".

وكان فورد صرح قبل أيام بأن الأسد انتصر في الحرب، وتبعه بتصريح مماثل المبعوث الدولي إلى سورية ستيفان دي ميستورا قبل يومين، والذي دعا المعارضة إلى الإقرار بهزيمتها والتوجه إلى المفاوضات كحل وحيد.

وهذا الحديث عن قرب انتهاء الحرب السورية، وانتصار نظام الأسد فيها، أثار مخاوف إسرائيل من أن الوضع الجديد سوف يمنح إيران وجوداً عسكرياً دائماً في سورية، ويثبت هيمنتها على هذا البلد.

ويرى المحلل السياسي شادي عبدالله، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "التوقعات بزيادة الحضور الإسرائيلي في المشهد السوري خلال المرحلة المقبلة مرتبطة بعاملين رئيسيين، أولهما تزايد المؤشرات على بدء حل الأزمة، ما يرتب على إسرائيل تكثيف حضورها حتى يكون لها دور في رسم ملامح سورية المستقبلية بوصفها أحد الجيران، على غرار الأردن وتركيا وإيران والسعودية.. إلخ، وبالتالي فإن إسرائيل باتت تجنح أكثر للتخلي عن موقف الغموض الذي اتخذته منذ اندلاع الاحتجاجات في سورية عام 2011، وتمرير مصالحها من تحت الطاولة عبر الولايات المتحدة أو الأردن، باتجاه أن يكون لها حضور مستقل بالأصالة وليس بالوكالة".

وأوضح أن "الحرب في سورية ساهمت إلى حد كبير في تبييض صفحة إسرائيل داخل سورية، وفي المحيط العربي، حيث ثارت المقارنات بين تعامل إسرائيل اللطيف مع أعدائها مقابل التعامل الوحشي من جانب النظام السوري ومليشياته مع أبناء شعبه، الذين ضربهم بالكيميائي والبراميل المتفجرة وقتل الآلاف منهم في السجون وتحت التعذيب، فضلا عن تهجير الملايين".

وبيّن عبد الله أنه "من هنا لم تعد فكرة التعامل مع إسرائيل مستهجنة لدى أوساط عدة، ولعل ما أشار إليه بنيامين نتنياهو في أحاديثه الأخيرة عن وجود تعاون غير مسبوق بين إسرائيل وبعض الدول العربية السنية غير الموقعة على  اتفاقات سلام مع إسرائيل (يقصد السعودية والإمارات) يشير إلى هذه النقطة، وقد لا تمضي فترة طويلة حتى يخرج هذا التعاون إلى العلن، وتصبح إسرائيل جزءا من المشهد الإقليمي، بل أقرب للعرب من إيران، التي باتت بسبب تدخلها في سورية ودعمها لجرائم نظام الأسد، تصنف بوصفها العدو رقم واحد بالنسبة لكثير من العرب والسوريين".

أما النقطة الثانية التي يشير إليها عبدلله، فهي رغبة إسرائيل المتزايدة بأن تأخذ مصالحها بيدها وليس بيد واشنطن أو موسكو، بعد أن لاحظت وجود مصلحة روسية بدوام التعاون مع إيران، لما فيه مصلحة الطرفين، مقابل استرخاء أميركي للدور الروسي في سورية، أو عدم اعتبار الوضع هناك أولوية أميركية، حيث تركز واشنطن على محاربة داعش، غير مكترثة كثيرا بالوجود الإيراني أو مصير بشار الأسد.

المساهمون