التقرير السنوي لـ"القومي لحقوق الإنسان" بمصر: انتقاد خافت وتبرير لممارسات النظام

28 سبتمبر 2017
تجاهل ضحايا التعذيب المعتقلين من "الإخوان" (العربي الجديد)
+ الخط -


أرسل المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر (مجلس حكومي) تقريره السنوي عن حالة حقوق الإنسان إلى رئاسة الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء، ومجلس النواب، متجاهلًا الكثير من واقع حقوق الإنسان السيىء الذي رصدته العديد من المؤسسات الحقوقية المستقلة الأخرى في مصر، ومكتفيًا بذكر القليل، فيما سلط في مجمله الضوء على ما أسماه بـ"جهود مكافحة الإرهاب".


وحسب ما أكدته مصادر حقوقية لـ"العربي الجديد"، فإن التقرير، الذي يغطي الفترة من إبريل/ نيسان 2016 لنهاية يونيو/ حزيران الماضي، يرصد بطريقة "انتقائية" حالة حقوق الإنسان، ويركز على "التحديات التي واجهت عمل المجلس والظروف المحيطة، وأبرزها مكافحة الإرهاب".

وقالت المصادر إن صدور التقرير ببعض الانتقادات لحالة حقوق الإنسان في مصر ضرورة، نظرًا للضغوط الدولية التي يواجهها النظام المصري، والتي تطالبه بإصلاحات في هذا المجال.

 وأوضحت أن احتواء التقرير على بعض النقد من شأنه أن يعطي صورة للغرب بأن مصر تراجع نفسها وتحاول إصلاح مواطن الخلل، ولكن الحقيقة أن ذلك دائمًا ما يكون للاستهلاك الإعلامي، دون تحقيق أي تقدم يذكر في مجال حقوق الإنسان.

وأدانت كل من الخارجية الأميركية والأمم المتحدة الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان في مصر قبل أن يغادر الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، مقر الأمم المتحدة الأسبوع الماضي، حيث كان يشارك في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وجاء في التقرير أن مسار حقوق الإنسان شهد، خلال الفترة التي تناولها، "العديد من التراجعات "غير الحميدة" التي اتخذت مسارين رئيسيين، الأول: تزايد فداحة الجرائم الإرهابية التي اتخذت أبعاداً نوعية خطيرة، والثاني: الإحباطات التي ولدها الأداء العام في المجال".

وقال مصدر من داخل المجلس رفض الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد": "الغريب أن تقرير المجلس المعني في الأساس برصد حالة حقوق الإنسان سلط الضوء على جهود الدولة في مكافحة الإرهاب، وكأنه تقرير صادر عن جهاز أمني".

وذكر التقرير أن "الإرهاب واصل ضرباته رغم تراجع قدراته بسبب جهود الدولة، وتبنى سياسة منهجية تستهدف النيل من النسيج الوطني، وتهديد السلم الاجتماعي للبلاد، من خلال الاستهداف المتتابع للمواطنين المسيحيين ودور عبادتهم، خاصة في المناسبات الدينية"، متحدثا، أيضًا، عن مسألة قانون الجمعيات الأهلية الجديد الذي أصدره الرئيس السيسي ولقي استهجانًا من المجتمع الدولي، وقال "إنه بالنسبة للمسار التشريعي، فالبعد الرئيسي في الإحباطات المتعلقة بالتقدم في تلبية حقوق الإنسان، والتي بلغت ذروتها بقانون الجمعيات الأهلية"، مشيرًا إلى أن "مسار إصدار قانون الجمعيات الأهلية الجديد شكل باعثاً على القلق بشأن مدى امتثال السلطات لاحترام حرية المجتمع المدني".

وانتقد التقرير "بعض التعديلات التشريعية الجزئية، بما في ذلك قانون التظاهر، وقانون الإجراءات الجنائية، وقانون السلطة القضائية"، وقال: "عكست بعضها توجهات غير إيجابية في هذا الشأن".

وانتقد أيضًا ما أسماه "عدم استجابة مجلس النواب لشتى النداءات والاحتجاجات التي لفتت إليها الجمعيات الأهلية والخبراء، لا سيما في الجوانب الكلية المتعلقة بتأويل النصوص الدستورية، وتبني فلسفة تقوم على المنع بدلاً عن الإتاحة".

وقال التقرير إنه وخلال الفترة التي يغطيها التقرير، "ضاعفت الدولة من جهودها الهائلة التي تبذلها على صعيد التقدم في إعمال وتلبية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، إلا أن هذه الجهود تضررت على نحو كبير نتيجة التداعيات الاجتماعية لتحرير سعر الصرف في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، وتخفيض دعم الوقود منتصف 2017".

وبرر حالات التعذيب والإخفاء القسري المتعددة، والتي رصدتها أكثر من جهة محلية ودولية في مصر، بأنها نتيجة للتحديات التي تواجهها السلطات بسبب "الجرائم الإرهابية"، وزاد: "لاحظنا أن ضغوط الجرائم الإرهابية شكلت تحديات ذات طابع مزدوج على السلطات خلال الفترة التي يغطيها التقرير، فمن ناحية واصلت السلطات تشديد إجراءاتها الأمنية التي لا يزال بعضها يشكل انتهاكًا للحقوق الأساسية التي لا يجوز المساس بها في سياق الأزمات والطوارئ، من ناحية ثانية فاقمت التهديدات الإرهابية من الميل العام إلى القبول بالإجراءات المشددة، بما في ذلك في بعض الأطر غير الضرورية على نحو ما سبقت الإشارة إليه في التطور التشريعي، أو مثل الارتفاع المتكرر للدعوات لتنفيذ عقوبة الإعدام بحق المحكوم عليهم، وإحالة المتهمين بالإرهاب إلى القضاء العسكري".

وأضاف أنه "فضلا عن مئات القتلى والمصابين جراء الجرائم الإرهابية، فقد تواصلت أزمة الحبس الاحتياطي، وتزايدت الاتهامات للأجهزة الأمنية بمارسة الاختفاء القسري بمعزل عن الضمانات القانونية، كما تواصلت محاكمة المئات المتهمين في جرائم الإرهاب إلى المحاكمات العسكرية جنبًا إلى جنب مع محاكمة المئات بتهم الإرهاب أمام المحاكمات المدنية".

وفي سيناء تجاهل التقرير عمليات التهجير القسري لسكان مناطق رفح والعريش بأوامر السلطات، وهي بحسب الدستور المصري جريمة لا تسقط بالتقادم، كما تجاهل أيضًا عمليات القتل خارج إطار القانون والموثقة بالصوت والصورة، وقال فقط إن "الجماعات الإرهابية في شمالي سيناء واصلت استهداف رموز القبائل والسكان على صلة بتأييدهم للسلطات في جهودها لمكافحة الإرهاب، وتشير التقديرات إلى استشهاد ما يقارب من 270 مواطنًا خلال السنوات الثلاث الأخيرة، بينهم 255 شخصًا على يد جماعات الإرهاب، والبعض الآخر قد سقط خلال المواجهات بين القوات النظامية والإرهابيين".

وعلى صعيد ضحايا ظاهرة التعذيب، تجاهل التقرير كل ضحايا التعذيب المعتقلين من جماعة "الإخوان المسلمين" في السجون من مات منهم ومن بقي على قيد الحياة.

وقال التقرير إنه "رغم التراجع الذي شهدته الظاهرة على صلة بإجراءات المحاسبة والمحاكمات التي شهدتها جرائم القتل جراء التعذيب خلال العامين 2014 و2015، إلا أن واقعة مقتل مجدي مكين في قسم شرطة الأميرية بالقاهرة في منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 سجلت مؤشرًا على استمرار ظاهرة التعذيب في الاحتجاز أثناء التحقيقات، والحاجة الماسة لاتخاذ إجراءات وقائية أكثر، خصوصًا في ضوء التعديلات التشريعية المتوقعة بموجب الدستور".