علاقات إيران وكردستان العراق... بين القطيعة وسيناريوهات المواجهة

25 سبتمبر 2017
الحرس الثوري أجرى مناورات على حدود كردستان العراق (Getty)
+ الخط -
رفضت إيران، على لسان مسؤوليها السياسيين والعسكريين، بشكل قاطع استفتاء كردستان العراق ونتائجه التي سيؤول إليها منذ الإعلان عن نية إجرائه، وذكرت صراحة أن الأمر سيحمل تبعات ثقيلة ستنعكس على العراق وعلى المنطقة برمتها، كما هدد أمين مجلس الأمن القومي الإيراني الأعلى، علي شمخاني، قبل أيام وجيزة من إجراء الاستفتاء، بقطع العلاقات، وبإغلاق المنافذ الحدودية الإيرانية مع الإقليم.

تهديد تحول إلى واقع عملي، أمس الأحد قبل الاستفتاء، إبان عقد اجتماع طارئ بين أعضاء مجلس الأمن القومي الإيراني، أسفر عنه إغلاق الأجواء الجوية بين إيران والإقليم، وتزامن هذا مع إطلاق الحرس الثوري الإيراني مناورات برية في مناطق حدودية مع كردستان العراق، الواقعة شمال غربي إيران، وحمل كل هذا رسائل شديدة اللهجة جعلت كثيرين يتوقعون المزيد من التصعيد الإيراني إزاء نتائج الاستفتاء، والمزيد من التنسيق مع أنقرة على وجه الخصوص.

وبعد أن زار رئيس هيئة الأركان في القوات المسلحة الإيرانية، محمد باقري، تركيا في أغسطس/آب الفائت، واتفق مع العسكريين هناك على رفع مستوى التنسيق لمواجهة الأخطار المحدقة بالمنطقة، فضلًا عن بحثهما العناوين المرتبطة بمسألة انفصال كردستان العراق؛ يستعد رئيس هيئة الأركان العامة للجيش التركي، خلوصي أكار، فضلًا عن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، للتوجه إلى إيران، في زيارة هامة سيكون لمسألة إقليم كردستان نصيب أمني وعسكري كبير منها.


وعلى الجانب الآخر، تعطي طهران لطريقة تعاطيها مع هذا الاستفتاء بعدًا "مشروعًا"، كونها تقول إنها تنفذ رغبات الحكومة العراقية الرسمية والشرعية، وقد أعلن مجلس الأمن القومي الإيراني الأعلى، فضلًا عن وزارة الخارجية، أن إغلاق المجال الجوي جاء بناءً على طلب وجهته حكومة بغداد لطهران.

ومن هذا المنطلق، من المتوقع أن تتعامل طهران مع هذا الملف مستقبلًا من خلال استخدام خياراتها عبر العراق أولًا، وهو ما جاء على لسان الخبير الإيراني في شؤون الشرق الأوسط، صابر غل عنبري، والذي أضاف أن لدى طهران عدة مسارات لمواجهة مرحلة ما بعد الاستفتاء، لكنها ستستخدم علاقاتها التحالفية مع الحكومة العراقية للضغط على الإقليم سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا.


وفي حديثه مع "العربي الجديد"، ذكر غل عنبري أن لدى إيران جملة من الخيارات حال انفصال الإقليم، ولكنها تسعى حاليًا، من خلال أنقرة، لثني الإقليم عن ترجمة نتائج الاستفتاء، المتوقّع أن تكون لصالح الانفصال، على أرض الواقع. وتوقع كذلك استمرار إغلاق المجال الجوي الإيراني أمام مرور الطائرات من وإلى الإقليم، فضلًا عن تشديد الرقابة على المعابر البرية، هذا في حال عدم إغلاقها بالكامل.

واعتبر أن إغلاق المعابر الحدودية يتطلب تنسيقًا مع تركيا ليصل الأمر لنتيجته المرجوة، واستبعد اللجوء لخيار عسكري إيراني مباشر ضد كردستان العراق، كونه ليس خيارًا واردًا في السياسة الإيرانية الحالية، على الأقل، بحسب رأيه، ولكن قد يتم اتخاذ خطوات من هذا القبيل ضد الحركات الكردية الانفصالية الإيرانية المعارضة، الموجودة على المناطق الحدودية، خاصة إذا ما لوحظ نشاطها هناك، وسيأتي هذا منعًا لاستغلالها الأجواء الجديدة، وفي الوقت ذاته، توقع أن تدعم طهران أي تحرك عسكري قد تقوم به حكومة بغداد أو "الحشد الشعبي" ضد الإقليم.


اقتصاديًا، يوجد بين طهران وإقليم كردستان العراق العديد من الاتفاقيات التجارية، إذ تصدر إيران العديد من البضائع والمواد الغذائية إلى العراق ككل عبر أراضي الإقليم، فضلًا عن صادرات موجهة للإقليم نفسه. صحيح أن العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الطرفين ربّما لا ترتقي إلى تلك التي تخص تركيا، لكن بطبيعة الحال كانت إيران واضحة إزاء هذا الأمر، وهددت بقطع العلاقات وإلغاء الصفقات إذا ما سارت الأمور نحو الانفصال، محاولة استخدام ذلك كورقة ضغط.

وعن هذا الأمر، قال الخبير الاقتصادي علي دوستي، إن إغلاق الحدود البرية بين الطرفين يعني حصارًا مشددًا على الإقليم، وارتفاعًا في أسعار بضائعه، وشحّها كذلك، وهو ما سيؤدي لتردي الوضع الاقتصادي والمعيشي هناك.

وتوقع دوستي أن العقوبات على الإقليم ستزيد من تهريب البضائع، وستنشط السوق السوداء على المناطق الحدودية مع إيران. لكن في كل الأحوال، فإن عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي سيتسبب بفرار المستثمرين من كردستان العراق، وهو ما يعني أدوات تصعيد متعددة ستستخدمها إيران، ومعها تركيا والعراق نفسه، ضد الإقليم في الفترة المقبلة.