الدمار والمليشيات يمنعان عراقيين من العودة إلى مناطقهم

03 سبتمبر 2017
يتخوّف المدنيون من انتهاكات تُرتكب على يد المليشيات(هيمن بابان/الأناضول)
+ الخط -
على الرغم من تحرير القوات العراقية مدناً عديدة كانت تحت سيطرة تنظيم "داعش"، إلا أن عدداً كبيراً من سكان هذه المدن يخشون العودة إلى مناطقهم، إذ يعربون عن عدم ثقتهم بتوفير نسبة من الأمان تمكّنهم من ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، خصوصاً في ظل وجود المليشيات التي يتهمونها بارتكاب انتهاكات طائفية.

عمر جاسم الذي نجا من الموت على يد المليشيات عام 2013، يقول إنه لن يعود مجدداً إلى الفلوجة، والتي أصبحت اليوم تخلو من أي وجود لعناصر "داعش"، وتبسط القوات العراقية سيطرتها عليها منذ يونيو/ حزيران 2016، بعد أن كانت تحت قبضة التنظيم لأكثر من عامين. عمر الذي ترك دراسته الجامعية في بلده، يواصل منذ عامين الدراسة في جامعة تركية حيث يقيم. يقول في حديث لـ"العربي الجديد" إنه يلاقي صعوبة في العيش والدراسة والعمل، لكنه مضطر لذلك فـ"المعيشة ليست سهلة. أعيش في شقة صغيرة مع مجموعة من الأصدقاء محاولاً تقليل المصروف. أن أعمل وأدرس هذا صعب جداً لكن ليس لدي خيار آخر".

يتواصل عمر مع أفراد عائلته الذين عادوا منذ نحو خمسة أشهر إلى الفلوجة، بعد نزوحهم لأكثر من ثلاث سنوات إلى مناطق في العاصمة بغداد، لكنه ما زال غير واثق من استتباب الأمن في بلده. ويقول إن "شباباً ورجالاً كثراً قُتلوا بدم بارد على يد المليشيات، والتي تفرض سيطرتها في العراق حتى اليوم. لقد كتب الله لي عمراً جديداً حين نجوت بأعجوبة من الموت على أيديها".
عمر، وبحسب قوله، ساعده أحد المزارعين في الاختباء داخل سيارته، حين داهمتهم هو ومجموعة من أصدقائه أثناء عودتهم من الجامعة في بغداد إلى مدينتهم الفلوجة، قوة من المليشيات، واقتادتهم إلى جهة مجهولة، موضحاً أن أصدقاءه وهم ثلاثة، عُثر على جثثهم وقد عذبوا بشدة، وكان ذلك في عام 2013.

وتلقى المليشيات في العراق دعماً حكومياً، وأصبحت قوة أساسية من بين القوات المشاركة في القتال ضد تنظيم "داعش"، لكنها، وفق تأكيدات مواطنين وتوثيق منظمات مجتمعية وحقوقية وتقارير دولية، ارتكبت انتهاكات عديدة بحق مدنيين بدواعٍ طائفية. وانضمت جميع فصائل المليشيات إلى هيئة "الحشد الشعبي" التي تأسست صيف 2014، بناءً على فتوى من المرجع الديني علي السيستاني، بحجة مقاتلة "داعش" الذي سيطر على مساحات واسعة من البلاد في يونيو/ حزيران 2014.

في محافظة الأنبار، غربي البلاد، بدأت الحياة قبل أشهر تعود للأسواق والأحياء والقرى في المحافظة التي أعلنت بغداد تحريرها نهاية ديسمبر/ كانون الثاني 2015. حركة الأسواق والمقاهي والمطاعم تشهد ارتفاعاً مع ارتفاع أعداد العائدين من أهالي المدينة، بعد نزوحهم منها إثر سيطرة التنظيم والمعارك التي شهدتها المحافظة سابقاً، لكن على الرغم من ذلك ينصح المواطن عبدالحميد العيساوي أولاده الأربعة بعدم العودة.

العيساوي، وهو متقاعد وفي العقد السابع من العمر، يرى أن بقاء أولاده بعيداً أكثر أمناً لهم، ويؤكد في حديث لـ"العربي الجديد" أن أبناءه يتمنّون العودة، على الرغم من كونهم يعيشون حياة مستقرة في الأردن. ويوضح العيساوي الذي يسكن في قرية بمنطقة الجزيرة في الأنبار: "لقد قُتل اثنان من أبناء أخي، وثلاثة من أبناء عمومتي، وعدد كبير من أقاربي، وراح ضحية الطائفية على يد المليشيات 11 شاباً من أبناء قريتنا الصغيرة المكوّنة من 27 بيتاً".
ويشير إلى أن أقاربه الذين قُتلوا "كانوا يحاولون النجاة بأنفسهم حين هربوا من القرية بعد سيطرة داعش على منطقتنا، فوقعوا بقبضة المليشيات التي قتلتهم، فضلاً عن مقتل امرأة واثنين من أولادها على يد داعش حين هموا بالهروب من القرية". ويضيف: "الحقيقة أن أولادي يتمنون العودة، وقد عرضوا عليّ حلولاً عديدة من بينها الإقامة في بغداد، ليكونوا قريبين مني ومن والدتهم، لكني أرفض هذا باستمرار، فحياتهم أغلى من وجودهم قربنا".

ولا يقتنع العيساوي بالأمان الملحوظ الذي تشهده الأنبار، وهو ما شجّع آلاف العائلات التي نزحت سابقاً على العودة إلى مناطقها، ويشير إلى أن "داعش ما زال يمتلك جيوباً في صحراء الرمادي، وحتى الآن يشكّل خطورة، كما أن المليشيات التي قتلت كثيرين منا تفرض وجودها في البلاد"، مضيفاً: "لن أدع أولادي يعودون حتى تنتهي بلادنا من وجود هذه المجموعات المسلحة المجرمة".


أما في الموصل شمالي البلاد، والتي أعلن رئيس الوزراء حيدر العبادي تحرير الجانب الأيمن منها في يوليو/ تموز الماضي، وكان قد أعلن تحرير الجانب الأيسر منها في يناير/ كانون الثاني الماضي، فيراقب كثير من سكانها النازحين منها، ما يدور فيها عبر وسائل الإعلام، خصوصاً بعد عودة أعداد كبيرة من سكانها النازحين إليها.
السكان العائدون إلى الموصل هم من الجانب الأيسر، إذ لم تتعرض هذه المنطقة إلى التدمير الكامل مثلما هو الحال في الجانب الأيمن، والذي لم يعد صالحاً للسكن، بعد أن تهدمت أحياؤه وبناه التحتية. العائدون في الغالب، بحسب ما يقول الناشط في المجال الإغاثي محمد الطائي، لـ"العربي الجديد"، كانوا في مخيمات تفتقد إلى الخدمات البسيطة، وفضّلوا العودة إلى السكن في بيوتهم بالجانب الأيسر على الرغم من كون بعض هذه البيوت لم يعد صالحاً للسكن، لتعرضها لهدم في بعض أو أغلب أجزائها نتيجة المعارك.

الهدم الكامل أو الجزئي الذي تعرضت له منازل المدينة، يدفع كثيراً من السكان النازحين إلى عدم العودة، وهو ما يشير إليه المواطن رافع الشمري الذي يرى أن "المدينة لم تعد موجودة". الشمري الذي يقيم في اليونان برفقة عائلته، بعد نزوحه من الموصل عام 2014، يقول إنه على تواصل مستمر مع أقارب وأصدقاء بعضهم عاد إلى الموصل.
ويشير في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أنه كان يملك منزلين في الجانب الأيسر من الموصل ومحال تجارية في الجانب الأيمن منها، ووفقاً لصور وصلته من أقاربه وأشخاص كانوا يعملون في محاله التجارية، فكلها لم تعد موجودة. ويضيف: "المنزلان تحوّلا إلى أطلال بسبب المعارك التي دارت بين داعش والقوات العراقية، وقيل لي إنهما تعرضا لقصف جوي إذ كان عناصر داعش يختبئون فيهما"، مستطرداً بالقول: "مخبزان وخمسة محال أملكها في أسواق بالجانب الأيمن سُويّت بالأرض للسبب نفسه".

ويلفت الشمري إلى أن "ما يصلني من صور ومقاطع فيديو وما يُنشر على مواقع التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام، يؤكد أنه لم تعد هناك مدينة اسمها الموصل. ليس هناك سوى بقايا مدينة". ويضيف: "الدمار بالإمكان تجاوزه، نستطيع بناء ما تدمر مهما طال الوقت، لكن العيش بأمان هذا ما لا نثق به حتى نرى تبديلاً في الحكومة، وأن يعدل القضاء فيُحاسب المجرمين من المليشيات والفاسدين الذين سرقوا البلاد وما زالوا يسرقون". ويؤكد أن "انعدام الأمن ووجود المليشيات عاملان مهمان لبقاء الفساد الذي بسببه تنعدم الخدمات في كل محافظات البلاد، حتى تلك التي تُعتبر آمنة ومستقرة كالمحافظات الجنوبية، كل هذا يدفعنا إلى البقاء خارج بلدنا، ويبقينا نترقب العودة".

المساهمون