السعودية تريد ضمّ منصتَي موسكو والقاهرة للهيئة العليا للمفاوضات

06 اغسطس 2017
التدخل الروسي أفقد المعارضة الكثير من الأوراق(لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -
تقف المعارضة السورية على مفترق طرق في ظل تطورات سياسية وعسكرية، تكاد تدفعها إلى التقسيم، إذ تؤكد المعطيات الميدانية أن واشنطن أطلقت يد موسكو، حليفة النظام، لتبريد الملف السوري، ودفع المعارضة إلى خيارات في مقدمتها القبول ببقاء بشار الأسد في السلطة. وتحاول المعارضة السورية إعادة ترتيب أوراقها لمواجهة الأسوأ، في ظل تشتت واضح يضرب هذه المعارضة، ويبدد قواها، ويفتح الباب أمام تساؤلات تتعلق بتمثيل الشارع السوري المعارض، خصوصاً بوجود "منصات" تتنازع هذا التمثيل، وترغب دول مثل السعودية في إدخالها إلى تركيبة الهيئة العليا للتفاوض. وعلم "العربي الجديد" أن الرياض تعمل على توسيع سيطرتها على هيئة المفاوضات، وإعادة هيكلة صفوفها وربما خطابها السياسي، وأنها تريد ضم ممثلين عن منصتي القاهرة وموسكو إليها.

وتداولت مصادر إعلامية، أمس السبت، تقارير عن أن وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، أبلغ المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات السورية، رياض حجاب، أثناء اجتماعهما في الرياض، الخميس الماضي، "التحضير لعقد مؤتمر الرياض الثاني، لإعادة هيكلة الهيئة قبل جولة مفاوضات جنيف المقبلة". لكن رئيس الدائرة الإعلامية في الائتلاف الوطني السوري، أحمد رمضان، أكد لـ"العربي الجديد"، أن هناك قراراً مسبقاً من الهيئة العليا للمفاوضات "بعقد اجتماع موسع لها"، مشيراً إلى أن "الرياض وافقت على استضافة الاجتماع"، متوقعاً أن "يعقد بداية أكتوبر/ تشرين الأول المقبل". وأوضح أن الهدف من الاجتماع المقبل "هو تعزيز التمثيل، ومراعاة التطورات الميدانية في تمثيل القوى العسكرية". ومساء أمس السبت، أصدرت الهيئة العليا للمفاوضات بياناً جاء فيه أنها طلبت من السعودية استضافة "اجتماع موسع لها مع نخبة مختارة من القامات الوطنية السورية ونشطاء الثورة، من أجل توسيع قاعدة التمثيل...". وأوضح البيان أن الرياض وافقت على الطلب، وأنه تم تشكيل لجنة للتحضير لهذا الاجتماع "بمشاركة أوسع طيف من الشخصيات الوطنية السياسية والعسكرية والثورية ومن ممثلي المجتمع المدني وتشمل كافة أطياف الشعب السوري".

من جانبه، توقع القيادي في الهيئة العليا للمفاوضات، رياض نعسان آغا، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن "يبدأ الإعداد لمؤتمر ثانٍ للمعارضة السورية قريباً"، موضحاً أن المؤتمر سيعيد "هيكلة الهيئة العليا للمفاوضات". وكانت المعارضة السورية عقدت، في ديسمبر/ كانون الأول من عام 2015، مؤتمراً جامعاً في الرياض تمخض عنه تأسيس الهيئة العليا للمفاوضات، والتي ضمت 32 عضواً، بينهم 10 ممثلين عن الفصائل العسكرية، و9 ممثلين عن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، و6 شخصيات مستقلة، و5 من هيئة التنسيق الوطني التي تمثل معارضة الداخل السوري. كما شكلت الهيئة وفد المعارضة المفاوض، الذي خاض عدة جولات تفاوضية في مدينة جنيف مع وفد النظام برعاية أممية في العامين الماضي والحالي، من دون تحقيق تقدم مهم يمكن أن يمهد الطريق إلى حل سياسي. وقد أكد المجتمعون في "بيان الرياض" على "تمسكهم بوحدة الأراضي السورية، وإيمانهم بمدنية الدولة وسيادتها على كافة الأراضي على أساس مبدأ اللامركزية الإدارية، كما عبروا عن التزامهم بآلية الديمقراطية من خلال نظام تعددي، يمثل كافة أطراف الشعب السوري رجالاً ونساءً، من دون تمييز أو إقصاء على أساس ديني، أو طائفي، أو عرقي، ويرتكز على مبادئ احترام حقوق الإنسان، والشفافية، والمساءلة، والمحاسبة، وسيادة القانون على الجميع". كما تعهد المجتمعون في مؤتمر "الرياض 1" بـ"الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية، وضرورة إعادة هيكلة وتشكيل مؤسساتها الأمنية والعسكرية، والتشديد على رفض الإرهاب بكافة أشكاله ومصادره، بما في ذلك إرهاب النظام ومليشياته الطائفية، وعلى أن مؤسسات الدولة السورية الشرعية التي يختارها الشعب السوري هي من تحتكر حيازة السلاح"، وفق البيان.


وتعقد المعارضة مؤتمر "الرياض 2" في خضم تطورات سياسية وعسكرية عصفت بسورية، تكاد تدفعها إلى حافة التقسيم المباشر، خصوصاً أن المعارضة فقدت الكثير من أوراقها السياسية والعسكرية نتيجة التدخل الروسي المباشر لصالح النظام، وتوجيه الإدارة الأميركية جهودها لمحاربة "الإرهاب"، وانشغال دول عربية تساندها في خلافاتها، ما أفقدها الدعم الذي يبقيها حاضرة في المشهد السوري. وكشفت مصادر في المعارضة السورية، لـ"العربي الجديد"، أن هناك تنسيقاً سعودياً تركياً لـ"إعادة ترتيب البيت السوري المعارض في ظل التطورات الحاصلة"، مضيفة "شهد أداء الهيئة العليا للمفاوضات أخيراً ترهلاً واضحاً، وآن الأوان لإجراء التعديل، في الخطاب، والأداء، والقيادة". ورأت المصادر أن سياسة "اللاءات" التي انتهجتها الهيئة "أدت إلى قصور في قراءة المشهد بشكل واقعي"، مؤكدة أن التغيير سيطاول المنسق العام الحالي للهيئة، رياض حجاب. وأكدت المصادر أنه كانت لدى الهيئة نيّة لعقد مؤتمر ثانٍ، مضيفة "رحبت الرياض باستضافته مرة أخرى، وقد أكد عادل الجبير أن السعودية ستقدم كل التسهيلات الكفيلة بإنجاح المؤتمر". ويتخوف الشارع السوري المعارض من أن يلقي الخلاف السعودي ــ القطري بظلاله على المعارضة السورية، لكن نعسان آغا يرى أن "المهم في التحولات الراهنة هو الاتفاق الروسي الأميركي والموقف الدولي من القضية السورية". وحول التوقعات عن تغير الخطاب السياسي للمعارضة في المرحلة المقبلة، وقراءة المشهد بشكل واقعي، اكتفى نعسان آغا بالقول "ربما يجيب المؤتمر المقبل عن هذا السؤال". وتصر الهيئة العليا للمفاوضات على إنجاز اتفاق سياسي وفق قرارات دولية تدعو إلى إنشاء هيئة حكم كاملة الصلاحيات مشتركة مع النظام من دون الأسد، وهو ما يرفضه الأخير طارحاً "حكومة وحدة وطنية" مع إجراء تعديلات على الدستور، تجري على أساسها انتخابات يشارك فيها الأسد.

من جهته، أكد عضو الهيئة، والقيادي البارز في هيئة التنسيق الوطنية، أحمد العسراوي، أن موعد المؤتمر "لم يحدد بعد"، مضيفاً، في حديث مع "العربي الجديد": "نعمل بجدية منذ بداية العام الحالي لعقد المؤتمر". وأشار إلى أن لدى أغلب أعضاء الهيئة العليا للمفاوضات توجهاً لكي يضم المؤتمر المرتقب "أوسع أطياف المعارضة السورية، خصوصاً التي لم تشارك في مؤتمر الرياض 1، علّنا نصل إلى رؤية مشتركة للمعارضة السورية الفعلية في البلاد". وحول النية لتوجيه الدعوة إلى منصتي "القاهرة" و"موسكو" إلى الاجتماع، أشار العسراوي إلى أن الهيئة العليا للمفاوضات "وجهت دعوة للمنصتين لاجتماع مشترك لبحث إمكانية توحيد وفد المعارضة المفاوض في جنيف"، موضحاً أن الاجتماع سيعقد منتصف الشهر الحالي في مقر الهيئة في الرياض، مشيرا إلى أنه "لم تصل حتى ردود رسمية من المنصتين"، مؤكداً جدية الهيئة العليا للمفاوضات بعقد الاجتماع. وأشار إلى أن المعارضة السورية "لا تدخل في أي خلاف عربي عربي"، مضيفاً "نريد موقفاً عربياً واحداً داعماً لنا في تحقيق حل سياسي يحقق مطالب السوريين في تغيير ديمقراطي حقيقي"، مؤكداً أن الخلاف داخل الخليج العربي "لم يؤثر على المعارضة السورية". في هذا الوقت، أكد أحمد رمضان أنه "لا صحة" لأخبار نشرتها مواقع إخبارية معارضة عن استقالة رئيس الائتلاف الوطني السوري، رياض سيف، من منصبه. وكشفت مصادر في الائتلاف، لـ"العربي الجديد"، أن أعضاء في كتلة "الأركان" المستبعدة من الائتلاف "تقف وراء هذه الإشاعات"، مؤكدة أنه "ليس لدى سيف نية للاستقالة قبل إنجاز مهمته في إصلاح الائتلاف، وعودته إلى الواجهة كعنوان سياسي بارز لقوى الثورة والمعارضة السورية"، وفق المصادر.