الحوثي يختار النزال ميدانياً مع صالح: مرحلة يمنية جديدة

19 اغسطس 2017
يسعى الحوثيون لحشد مسلحيهم على مداخل صنعاء(محمد حويس/فرانس برس)
+ الخط -

يبدو أن الحرب في اليمن وصلت إلى محطة مفصلية، مع انقسام تحالف جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) وحزب "المؤتمر"، والذي يترأسه علي عبدالله صالح، إذ انتقلت الخلافات من المكاتب ووسائل الإعلام وأروقة الكواليس إلى الميادين، للمرة الأولى، في تطور يأتي كنتيجة لمجموعة من العوامل، بما فيها تسريبات التفاهمات بين التحالف العربي وحزب صالح، غير أن زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي اختار على ما يبدو النزال المباشر، مع حليفه الذي لا يثق بتطميناته المتكررة.

وأعلنت مصادر تابعة للحوثيين، أمس الجمعة، بدء أول تحرك تصعيدي موجه ضمناً ضد حزب صالح من مدينة صعدة، من خلال مسيرة قال الحوثيون إنها تأتي في إطار فعاليات تصعيدية، تحت شعار "مواجهة التصعيد بالتصعيد". وتسعى الجماعة من خلال المسيرة إلى حشد مسلحيها لإقامة اعتصامات على مداخل صنعاء، على غرار ما حدث قبل اجتياحهم العاصمة قبل نحو ثلاث سنوات. وكان الحوثيون، وفي خطوة اعتبرها بعض المعلقين أنها "إعلان حرب" على حزب صالح، قد وجّهوا، في وقت متأخر من الخميس الماضي، دعوة إلى إقامة اعتصامات على المداخل الرئيسية لصنعاء، الخميس المقبل، بالتزامن مع المهرجان الحاشد المقرر أن يقيمه حزب صالح في ميدان السبعين في صنعاء، في 24 أغسطس/ آب الحالي، وهو مهرجان بدأ الإعداد له منذ الشهر الماضي، وذلك لمناسبة الذكرى الـ35 لتأسيس الحزب الذي حكم اليمن، أغلب الفترات منذ تأسيسه.
وتقول مصادر سياسية يمنية في صنعاء، لـ"العربي الجديد"، إن دعوة الحوثي إلى اعتصامات جاءت في سياق الرد على الرسائل التي وجهها صالح لطمأنة الحوثيين، وآخرها خطاب مسجل، الخميس الماضي، خلال اجتماع بقادة فروع حزبه، إذ كان أبرز ما جاء في الخطاب موجّهاً إليهم. وقال صالح "رسالتا مهرجان السبعين دعم جبهة مواجهة العدوان (في إشارة للتحالف بقيادة السعودية) وإحياء ذكرى تأسيس المؤتمر"، وكذلك أن "لا خلاف بين المؤتمر وأنصار الله سوى لدى المفسبكين والمتمصلحين (أصحاب المصالح الخاصة)"، على حد تعبيره.

من جانبهم، قرأ الحوثيون الرسالة على الفور بـ"عين الريبة". وجاء الرد بعد ساعات من بث كلمة صالح، ببيان صادر عن رئيس "اللجنة الثورية العليا" التابعة للجماعة، محمد علي الحوثي، يدعو فيه من سماهم "الثوار والأحرار" إلى الاحتشاد في ساحات ما يُسمى بـ"ثورة 21 سبتمبر/ أيلول"، ذكرى اقتحام الحوثيين صنعاء قبل نحو ثلاث سنوات، في مداخل العاصمة. وألمح الحوثي إلى الطبيعة المسلحة للاعتصامات بالقول إنها ستكون لـ"الحشد للجبهات" (جبهات القتال)، على نحو لا يبتعد كثيراً عن صيغة صالح، والذي قال إن المهرجان المقرر أن يقيمه حزبه رسالة لدعم "جبهة مواجهة العدوان". لكن الواضح من خلال السياق، أن محور الأزمة بات بين الشريكين، مهما نفاها صالح وعبّر عنها أتباع الحوثي ضمناً أو بشكل صريح.

وفي السياق، أعلن الحوثيون، أمس الجمعة، أن اجتماعاً موسّعاً عقده "المكتب التنفيذي لأنصار الله"، بحضور قيادات من أعضاء "المجلس السياسي" ورئيس "اللجنة الثورية العليا"، ناقش المستجدات، ودعا إلى "سرعة تفعيل حالة الطوارئ"، وذلك لـ"تحصين الجبهة الداخلية وتنظيف الصف الوطني من كل المندسّين من أي مكوّن كانوا". وحذر المجتمعون مما وصفوه بـ"خطورة المواقف الرمادية غير المسؤولة والمتسترة بالجبهة الداخلية، رغم وضوح دورها السلبي على الجبهة الداخلية"، فيما بدا تلميحاً إلى حزب صالح. وعلى الرغم من كون الخلافات ورسائل الحشود والحشود المضادة ليست جديدة، إلا أن جميع المؤشرات تفيد بأن الأمر بات مختلفاً إلى حد كبير. فحشود الحوثيين على مداخل العاصمة، وللمرة الأولى منذ عام 2014، ليس لها أي مناسبة، إلا الرد على المهرجان الذي يستعد حزب صالح لإقامته، ويحشد له على نحو غير مسبوق أنصاره من العاصمة صنعاء، والعديد من المحافظات الأخرى، فيما برزت أصوات محسوبة على الحوثيين تلوّح بتفجير الوضع عسكرياً مع صالح، كرد على النشاط الذي يتبنّاه حزبه، وتخشى الجماعة من أنه يمهد لتصعيد الاحتجاجات ضدها في صنعاء.


وفي هذا الصدد، عبّر القيادي البارز في الجماعة، عبدالملك العجري، في مقالة نشرها على صفحته على موقع "فيسبوك" الخميس، عن تحفظ جماعته على مهرجان حزب "المؤتمر". وقال إن "القضية ليست قضية تخوّف، لكن طريقة وأسلوب الإخوة في المؤتمر تجعلهم كمن يلف حزاماً ناسفاً حول خصره ويتهيّأ لتفجير نفسه في المكان الغلط". وأضاف "من حق المؤتمر أن يقيم فعالياته الخاصة، وأن يقدم مشروعه للشعب وأن يطمح للصعود، لكن ليس على ظهور الآخرين وليس على حساب سمعتهم، وليس على حساب أولوية مواجهة العدوان". وأشار العجري إلى تحضيرات مهرجان حزب "المؤتمر"، وقال إنه "في أطول فترة تحشيد في العالم، والمؤتمر ينشط في كل المحافظات منذ شهرين (الحملة الانتخابية النهائية للرئاسة الأميركية لا تستغرق سوى أسابيع)" على حد قوله. وأضاف "يتم استنفار وتحشيد القاعدة الشعبية للمؤتمر بطريقة موجهة نحو الداخل"، متهماً حزب صالح باستغلال المعاناة لخلق حالة تذمر ضد الجماعة. وتابع أن "التحشيد غير منضبط، والجو المكهرب بفعل التهييج اللامسؤول ولّد مخاوف موضوعية بأن أبسط احتكاك أو استفزاز بسيط قد ينزلق - لا سمح الله - نحو فوضى من الصعب السيطرة عليها". ومع ذلك، يؤكد القيادي في الجماعة أنهم ما يزالون يراهنون على "العقلاء من قيادات المؤتمر" وعلى صالح نفسه.

ويبدي الحوثيون بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة، مخاوف من أن تكون الفعالية المقرر أن يقيمها حزب "المؤتمر" غطاءً لتصعيد الاحتجاجات ضدهم. وما يرفع من نسبة الريبة لديهم التسريبات التي تتحدّث عن تفاهمات أبرمها حزب صالح مع الإمارات والسعودية، والتي لم يستطع الحزب تهدئة مخاوف الجماعة نحوها، على الرغم من النفي المتكرر لصحة تلك التسريبات. وكانت الخلافات قد تصاعدت بين الطرفين منذ دخولهما رسمياً في شراكة في سلطة الأمر الواقع في صنعاء، عبر ما يُسمى بـ"المجلس السياسي الأعلى"، والذي تألّف قبل عام، ولاحقاً جرى تشكيل حكومة شراكة بين الطرفين، إلا أن حالة من الاحتقان طغت على مسار الشراكة بين حليفي الضرورة اللذين جمعهما الانقلاب ضد الرئيس عبدربه منصور هادي قبل ثلاثة أعوام، ثم حرب التحالف، والتي وضعتهما في زاوية واحدة. لكن تحالفهما يبدو وكأنه، على المستوى الرسمي، يعيش أيامه الأخيرة، في حين يرى بعضهم أن تحالفهما بدأ النهاية الفعلية والتحول إلى خصومة، مع إعلان حشود مضادة في مداخل العاصمة، في اليوم نفسه المقرر أن يحشد فيه حزب صالح. وفي خضم هذه التطورات تبرز التساؤلات الكبيرة المتعلقة بالأزمة، وعما إذا كانت الحرب في اليمن بصيغتها السائدة منذ عامين ونصف العام بين تحالف، بقيادة السعودية والإمارات والحكومة الشرعية اليمنية وحلفائها من جهة، وتحالف الحوثيين وصالح من جهة أخرى، قد وصلت مرحلتها الأخيرة، وكذلك عما إذا كانت القواسم المشتركة التي لا يزال يلتقي عندها الحليفان في صنعاء قادرة على منع التصعيد، وما هي أوراق كل طرف، في حالة تواصل سير التطورات نحو التصعيد، وهل يمكن أن يكون ذلك مدخلاً لمرحلة أزمة بتعريفات جديدة؟، كل ذلك، وفقاً لسياسيين ومحللين تقصّى "العربي الجديد" آراءهم، من الصعب التنبؤ به بدقة، في ظل بقاء الوضع مفتوحاً على جميع الاحتمالات، والكثير من الغموض الذي يلف التفاصيل المتعلقة بوجود دور للتحالف في هذه التطورات من عدمه.

المساهمون