دولة جنوب السودان... هل تعيش عاماً سابعاً؟

10 يوليو 2017
سكان الجنوب صاروا إما نازحين أو لاجئين(أشرف الشاذلي/فرانس برس)
+ الخط -
تحلّ السنة السادسة لانفصال دولة جنوب السودان عن الشمال، في التاسع من يوليو/ تموز 2011، بعنوان كارثة حقيقية تعيشها إحدى أفقر الدول في العالم التي تعيش حرباً أهلية ومجاعة وتفشي أمراض ظن العالم أنها انقرضت في القرن الـ21. ووصلت الأوضاع إلى درجة مأساوية بات معها وجود الدولة الفتيّة مهدداً، في ظل ارتفاع أصوات تنادي، إما بتدخل أجنبي علني نتيجة عجز أهل البلد عن تسيير أموره، أو بضمّ الدولة إلى أحد بلدان الجوار، ليصبح زوال دولة جنوب السودان فرضية ممكنة نظرياً على الأقل. وقد استقل جنوب السودان بموجب استفتاء شعبي صوّت فيه ما يزيد عن 89 في المائة من الجنوبيين لصالح الانفصال، لتتوّج به نهايات اتفاقية السلام الشامل التي وقعتها الحكومة السودانية مع الحركة الشعبية لتحرير السودان في 2005 وإنهاء أطول حرب أهلية في أفريقيا، دامت 21 عاماً.

وللعام الثاني على التوالي، تختفي أصوات موسيقى الاحتفالات بالاستقلال، وتنكس الأعلام، بدل إحياء الحدث الذي طالما رأى فيه الجنوبيون أملاً في تحقيق حياة أفضل بالرفاهية واحترام الإنسان والعدل والديمقراطية. فقد أعلنت الحكومة الجنوبية في جوبا أخيراً إلغاء كافة الاحتفالات بأعياد الاستقلال، بسبب الظروف الاقتصادية المأساوية التي تمر بها البلاد، وتوجيه الميزانية الخاصة بها لتصرف في أولويات أهم. واقع تعيشه دولة الجنوب بعد دخولها حرباً أهلية ــ قبلية طاحنة في 2013، على خلفية اتهامات وجهها الرئيس سلفاكير ميارديت إلى نائبه الأول رياك مشار وعدد من قيادات الحركة الشعبية (الحزب الحاكم) بتدبير انقلاب ضده. وأسهمت الحرب الجنوبية في تشريد نحو 3.7 ملايين جنوبي، فضلاً عن مقتل عشرات الآلاف، وخلفت أوضاعاً إنسانية مأساوية ضربت معها المجاعة أجزاء واسعة من البلاد. ووفق مصادر حكومية، فإن المجاعة أدّت إلى مقتل ما يزيد عن 400 شخص منذ إعلانها في فبراير/ شباط الماضي حتى اليوم. ومع دخول الدولة الوليدة عامها السابع، تطل القضايا الاقتصادية برأسها، لتمثل تهديداً جديداً للاستقرار وحتى لبقاء الدولة بذاتها، لا سيما في ظل تهديدات من قبل محتجين في الجيش الشعبي، بسبب تأخر المرتبات، علماً أن جوبا فشلت لثلاثة أشهر متتالية في تأمين رواتب العاملين في جميع المؤسسات الحكومية، بما فيها الولايات، فضلاً عن سفاراتها في الخارج. وأكدت مصادر أن جوبا لا تملك أية أموال وأن الاحتياطي النقدي يكاد يكون منعدماً تماماً، مع إحجام المجتمع الدولي عن تمويل الحكومة.


وأقر وزير المالية الجنوبي ستيفن ديو داو يوم الخميس بمواجهة بلاده احتمال الانهيار المالي الكامل، في ظل غياب الآفاق الاقتصادية، واعترف بأن الحكومة لم تستطع صرف الرواتب، ولكنة تعهد بتوفير راتب شهر واحد في غضون أيام. وترسم أزمة الرواتب ملامح للمأزق الاقتصادي الذي يواجه البلاد، بسبب استمرار الحرب التي ما زالت وتيرتها متصاعدة في أجزاء واسعة من البلاد، إلى جانب تدهور العملات الصعبة ووصول التضخم إلى أرقام قياسية، إذ سجل في أغسطس/ آب الفائت 730 في المائة، وفق تقديرات البنك المركزي. وبدأ مراقبون في التحذير من تدخلات إقليمية في الحرب الجنوبية تقودها أيّ من دول الجوار لحماية مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية في دولة الجنوب، في ظل غياب الحلول، الأمر الذي من شأنة أن يعمق الأزمة. وتنشط مجموعات جنوبية مدنية في محاولة وضع حد للحرب، عبر حث المجتمع الدولي على التحرك وفرض وصاية دولية على الدولة الوليدة، باعتباره الحل الوحيد لوقف نزيف الدم والإفلاس والمجاعة والأمراض. ووفق مصادر متطابقة، فإن هناك تحركاً إقليمياً ودولياً لإحياء اتفاقية السلام الشامل، وإقناع كل من الرئيس الجنوبي سلفاكير ميارديت وزعيم المعارضة المسلحة رياك مشار بالتنحي عن قيادة الجنوب خلال الفترة المقبلة، مع توفير الضمانات الكافية للرجلين ومنحهما وضعاً سياسياً إشرافياً على حكومة تكنوقراط، يقترح أن تدير البلاد خلال فترة انتقالية لا تتعدى الأعوام الثلاثة، على أن يمنع أعضاء تلك الحكومة من الترشح للرئاسة.


ويرسم مراقبون صورة قاتمة للخيار الذي ينتظر دولة جنوب السودان في عامها السابع، بين استعار الحرب الإثنية، وانهيار الدولة بشكل كاملن في ظل غياب الرؤية السياسية المستقبلية لدى الحكومة في جوبا والمعارضة معاً. ويرى الباحث في "مركز أوسلو لدراسات السلام"، لوكا بيونق، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن ما يجري في الجنوب هو مأساة "رغم ما كان يتوقع من الاستقلال على غرار ما حدث في رواندا بعد حربها الأهلية". وأضاف أن "الخلافات بدأت داخل الحركة الشعبية الحاكمة وكانت صحية باعتبار أنها تتصل بالأسس الديمقراطية داخل الحزب، لكن ما وصل إليه الحال الآن أن الحركة الحاكمة استبدلت بمجلس كبار قبيلة الدينكا". وأوضح بيونق أن "تحول القضية الى إثنية يعني الحفاظ على حقوق المجموعة وليس حقوق الدولة والحزب".


ووضع بيونق سيناريوهات عدة قال إنها تنتظر الدولة الوليدة، لا سيما في غياب التدخل الدولي والإقليمي لحل الأزمة، بينها مصير التفكك والتشرذم والاندثار ربما، مع بروز أصوات تنادي بالانضمام لأي من دول الجوار، سواء السودان أو إثيوبيا أو أوغندا. ورأى أن الأزمة من شأنها أن تستدعي تدخلاً خارجياً، لا سيما من قبل دول الجوار، للحفاظ على أهدافها الاستراتيجية والاقتصادية، في ظل فشل "الإيغاد" (الهيئة الأفريقية الحكومية للتنمية) والمجتمع الدولي في الاتفاق على حلول لتغيير الأوضاع في الجنوب. وأعرب بيونق عن خشيته من أن تعمق خطوة التدخل الخارجي من الأزمة باعتبارها تدخلاً أجنبياً. واعتبر أن الحل يكمن في تفعيل اللجنة التي شكلها الاتحاد الأفريقي برئاسة الفا عمر كوناري وبتمثيل خمس من دول أفريقيا لإيجاد بيئة جديدة لاتفاقية السلام، وتقديم الحلول للأطراف المتنازعة تسهّل حل الأزمة.


وفي العام الماضي، أطلق الرئيس الجنوبي سلفاكير ميارديت دعوة للحوار الوطني، في محاولة لإيجاد حلول من داخل البيت الجنوبي، لا سيما بعدما ظلت الحكومة في جوبا ترفض أية محاولات لإعادة التفاوض والجلوس مع زعيم المعارضة رياك مشار، والذي شهدت حركتة انشقاقاً قاده كبير مفاوضيه في عملية السلام، تعبان دينق، وتقلده منصب النائب الأول للرئيس الجنوبي بديلاً لمشار، عقب هروب الأخير من جوبا، بعد اتهامه الرئيس سلفاكير بمحاولة اغتيالة في القصر الرئاسي عند البدء في تنفيذ اتفاقية السلام ووصوله إلى العاصمة في حينها.

وبالفعل انطلقت المشاورات الخاصة بالحوار بعد تنازل الرئيس الجنوبي عن رئاسة الحوار. لكن العملية اصطدمت برفض المعارضة المسلحة بقيادة مشار للخطوة، حتى إن الرجل رفض الأسبوع الماضي الاجتماع مع أعضاء لجنة الحوار التي شكلها سلفاكير لإدارة الحوار بقيادة انجلو بيدا في دولة جنوب أفريقيا، حيث انتقلت اللجنة إلى هناك في محاولة لإقناع مشار بالمشاركة، لكن من دون جدوى. ووضع مشار مجموعة شروط قبل الدخول في أي حوار، بينها وقف الحرب والتوصل لاتفاق سلام، فضلاً عن إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وإطلاق الحوار عبر الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي. ويقول المحلل السياسي الجنوبي دينق دينق لـ"العربي الجديد" إن سكان الجنوب صاروا إما نازحين أو لاجئين، الأمر الذي لا يمكن معه خلق جو مناسب للحوار. واعتبر دينق أن السلطة في جوبا تحاول أن تطبق النموذج السوداني الذي سبقها في الحوار بهدف مد عمرها في الحكم "ولا أعتقد ان الحوار سيثمر عن نتائج لأن لجنة الحوار يغلب عليها عرق الدينكا ويهمش تمثيل الإثنيات الأخرى".

المساهمون