اللوبي الإماراتي في مراكز التحليل السياسي الأميركية (2/3)

06 يوليو 2017
يسيطر العتيبة على المجلس الأطلسي ورئيسه فريدريك كيمب(بيرك أوزكان/الأناضول)
+ الخط -
بدأ السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة تنفيذ استراتيجية أبو ظبي في الترويج لأجندتها السياسية الخاصة بقضايا المنطقة العربية في العاصمة الأميركية، من خلال البحث عن المراكز البحثية الأكثر تأثيراً من جهة، والأكثر احتياجاً من الناحية المالية من جهة أخرى، وذلك من أجل ابتزازها وتوظيفها في خدمة أجندته.

معهد الشرق الأوسط MEI:
كان المعهد يعاني أوضاعاً مالية صعبة بسبب تراجع مموليه الأساسيين، خصوصاً من دولة عُمان التي ظلت تموّل برنامج اللغة العربية في المعهد لأكثر من ثلاثة عقود، ولكنها توقفت لأسباب غير معلومة. وكان على رئيس مجلس أمنائه، ريتشارد كلارك (مسؤول الأمن ومكافحة الإرهاب في إدارات رونالد ريغان وجورج بوش الأب وبيل كلينتون)، أن يبحث عن ممولين جدد من أجل إنقاذ المعهد وضمان استمراريته.

دخل العتيبة على الخط، وقدّم عرضاً مالياً وصل في البداية إلى حوالي خمسة ملايين دولار وذلك مقابل الهيمنة على قرار المعهد وأجندته البحثية. التقت مصلحة الطرفين، العتيبة وكلارك، الأول بالتمويل السخي، والثاني بتنفيذ الاستراتيجية الإماراتية الجديدة في واشنطن. وكان على ويندي تشامبرلين، السفيرة الأميركية السابقة لدى باكستان والزميلة السابقة لكلارك، والتي اختارها لرئاسة المعهد، أن تضمن إرضاء أبو ظبي من خلال ممثلها، العتيبة، بأي ثمن حتى ولو كان ذلك على حساب استقلالية المعهد. في المقابل، قام العتيبة بتدشين برنامج جديد عن "الربيع العربي" أوائل عام 2013. وقد اختير الباحث الأميركي-اللبناني بول سالم لرئاسة البرنامج الجديد، مستفيداً في ذلك من خبرته في تأسيس فرع "معهد كارنيغي الشرق الأوسط" في بيروت. وكان من المفترض أن يتم تعيين بعض الباحثين في البرنامج الجديد. ولكن جاء انقلاب الثالث من يوليو/تموز في مصر 2013 كي يغير من جدول الأعمال. وبدلاً من التركيز على قضايا "الربيع العربي"، بدأ المعهد وباحثوه يهتمون بالدفاع عن النظام الجديد في مصر ومهاجمة جماعة "الإخوان المسلمين". فتم التوقف عن تناول قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، لصالح التركيز على القضايا الأمنية والاقتصادية خصوصاً في سورية واليمن وإيران.

رئيس مجلس أمناء معهد الشرق الأوسط ريتشارد كلارك(غريغ باريت/Getty) 








كما قام العتيبة بمساعدة تشامبرلين وسالم بالسفر إلى القاهرة مرات عدة، وتم ترتيب لقاءات لهما مع الجنرال عبد الفتاح السيسي وغيره من المسؤولين المصريين، وذلك لإبراز الدعم والتأييد الأميركي له.

كما يحظى الناشط الإماراتي سلطان القاسمي بمعاملة مميزة من إدارة المعهد، ليس فقط عبر إعطائه منصب "باحثٍ"، وإنما أيضاً من خلال الاحتفاء به وتقديمه باعتباره "وجهاً ليبرالياً إماراتياً" ونموذجاً لشباب المنطقة. كذلك يضم المركز الباحثة التركية غونول تول المعروفة بعدائها الشديد للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والتي تستضيف من خلال برنامجها عن الدراسات التركية الذي تديره، كل المعارضين لأردوغان في مؤتمراتها وندواتها. كذلك يضم المعهد الباحث المتخصص في الشؤون الإيرانية، أليكس فاتانكا، الذي يهاجم دوماً إيران عبر مقالاته وكتاباته.

مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية CSIS:
كان هذا المركز حتى وصول العتيبة إلى واشنطن، بمثابة مستوطنة بحثية سعودية، وذلك بفضل جهود وعلاقات باحثيه مع السفير السعودي الأسبق لدى واشنطن بندر بن سلطان، وخصوصاً الباحث المعروف في الشؤون الاستراتيجية أنتوني كوردسمان. ولكن مع أحداث سبتمبر/أيلول 2001، تراجع الدعم السعودي للمركز لأسباب كثيرة. وعام 2008 حين وصل العتيبة إلى واشنطن، قام بالتواصل مع المركز عبر "برنامج الشرق الأوسط" الذي يديره ويشرف عليه جون ألترمان، المسؤول السابق بقسم التخطيط في وزارة الخارجية الأميركية. وكان ألترمان يبحث عن ممولين من أجل ضمان بقائه في المركز ورئاسة البرنامج. ولعل من المصادفة أن ألترمان تولى إدارة البرنامج قبل عام واحد فقط من وصول العتيبة إلى واشنطن. وبدأت الأموال الإماراتية تظهر على المركز بعد انتقاله إلى مبنى جديد في قلب العاصمة، قرب البيت الأبيض، يقدّر البعض تكلفته بحوالي 24 مليون دولار، دفع العتيبة جزءاً منها بحسب تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز". لذا فإن العتيبة كان ضيفاً دائماً على ندوات ومؤتمرات ومحاضرات المركز التي يستخدمها لتقديم بلاده باعتبارها "النموذج الأمثل للمنطقة"، وأنه "يجب على الولايات المتحدة دعمها وليس جيرانها". وهناك العشرات من اللقاءات التي عقدها العتيبة مع باحثي المركز، وكذلك قام بتمويل زيارات العديد منهم للمنطقة خصوصاً إلى أبو ظبي.


مركز التقدم الأميركي Center for American Progress:

لم يكن معروفاً عن هذا المركز اهتمامه بمنطقة الشرق الأوسط حتى وقت قريب. فهو مركز منخرط بالأساس في قضايا أميركية داخلية، وظهر بقوة مع وصول الرئيس السابق باراك أوباما إلى السلطة. لكن العتيبة نجح في جذب اهتمامات المركز إلى المنطقة، وذلك من خلال تمويل عدة مشاريع وبرامج وصل حجم تمويلها بحسب الأرقام المعلنة على الموقع الإلكتروني للمركز إلى حوالي مليون دولار عام 2014 فقط. وبحسب بعض المصادر، فقط كان براين كالتوس، المتخصص في شؤون الأمن القومي، والذي عمل في وزارتي الخارجية والدفاع إبان إدارة كلينتون، مسؤولاً عن أحد البرامج التي تلقت تمويلاً من العتيبة داخل مركز التقدم الأميركي. وقد ركز البرنامج على دراسة "شباب الحركات الإسلامية"، وشارك فيه الباحث المساعد مختار عوض، الذي سيصبح في ما بعد أحد الأذرع الرئيسية للعتيبة في مهاجمة الإسلاميين خصوصاً جماعة "الإخوان المسلمين".
كما ألقى العتيبة محاضرة في المركز بمناسبة نشر تقرير حول الدور الأميركي في المنطقة، هاجم فيه إدارة أوباما بسبب الاتفاق النووي مع إيران. واتضح لاحقاً أن التقرير المكوّن من 60 صفحة قد تمت كتابته بتوصية من العتيبة نفسه. وقام العتيبة بتعيين بعض الباحثين في المركز أهمهم معاذ الوري الذي عمل معه بالسفارة في الفترة بين 2009-2011.

معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى WINEP:

لم يبذل العتيبة مجهوداً كبيراً في التواصل مع معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، الذراع البحثية لمنظمة "إيباك" الصهيونية. فالرجل، ومن خلفه أبو ظبي، روّاد في "نظرية" ضرورة التحالف مع إسرائيل وطي صفحة القضية الفلسطينية وإنهاء أي من ملامحها المتبقية. ولا مبالغة في القول إن المعهد يمثّل إحدى القنوات الخلفية للتطبيع بين الإمارات وإسرائيل وأخيراً السعودية التي لم يعد مسؤولوها يجدون حرجاً في التعاون مع المعهد والمشاركة في مؤتمراته، كما هي الحال مع الأمير تركي الفيصل الذي كان ضيف شرف في كثير من مؤتمرات المعهد.
ويبدو التحالف بين العتيبة والمعهد أكثر وضوحاً في الحالة المصرية. لم يكن المعهد في حاجة لأموال العتيبة، لأنه يحظى بدعم سخي من منظمة "إيباك" (لجنة الشؤون العامة الأميركية-الإسرائيلية)، ولكن هذا لم يمنع من قيام العتيبة بتمويل زيارات بعض باحثي المركز وأهمهم إريك تراغر إلى المنطقة وتمويل بعض الندوات والمؤتمرات التي قام فيها تراغر بمهاجمة جماعة "الإخوان المسلمين". واحتفى المركز بالعلاقات بين أبو ظبي وتل أبيب في الكثير من تقاريره، وأثنى على حرص الأولى على تقوية علاقاتها الخاصة بالثانية. 

معهد هدسون Hudson Institute:
لا تختلف علاقة العتيبة مع معهد هدسون المعروف بميوله الصهيونية، عن غيره من المراكز البحثية. فقد نجح الرجل في بناء شبكة علاقات قوية داخل المعهد من خلال استغلال كبار باحثيه، وأبرزهم السفير الباكستاني السابق لدى واشنطن خلال الفترة من 2008 حتى 2011، حسين حقاني، والباحث المصري الناشئ صمويل تاضروس، وكلاهما شارك في المؤتمر الذي نظّمته "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية" لمهاجمة قطر أواخر مايو/أيار الماضي. وكتب حقاني الكثير من المقالات التي تشيد بالإمارات وشراكتها مع الولايات المتحدة، وذلك في مقابل توجيه الانتقادات لقطر. كذلك يشن الباحث المصري تاضروس هجوماً منتظماً على تيارات الإسلام السياسي في مصر والمنطقة، خصوصاً جماعة "الإخوان المسلمين"، مستخدماً لغة طائفية واضحة. كما يُعدّ تاضروس أحد الأذرع الرئيسية لرجل الأعمال المصري نجيب ساويرس في واشنطن، والذي أدى دوراً مهماً بالتعاون مع العتيبة في انقلاب يوليو 2013.

حسين حقاني أحد باحثي معهد هدسون (أمير قرشي/فرانس برس) 








مجلس الأطلسي The Atlantic Council:

يمثّل المجلس الأطلسي أحد المراكز المهمة التي وضع العتيبة يده عليها، وأدى دوراً مهماً ليس فقط في وضع أجندتها البحثية، بل أيضاً بتعيين وإقصاء من يشاء من باحثيه. ويسيطر العتيبة على المركز من رئيسه فريدريك كيمب وحتى أصغر باحثيه وأهمهم الباحث اللبناني الصاعد بلال صعب، الذي افتضح أمره في تسريبات العتيبة التي نُشرت أخيراً. وحسب بيانات المجلس المنشورة على موقعه الإلكتروني، فقد موّلت الإمارات، سواء من خلال شيكات العتيبة أو عبر "الشركة الوطنية للنفط في أبو ظبي"، أنشطة المجلس بملايين الدولارات. وحسب بعض المصادر، فقد كان للعتيبة كلمة في إقصاء بعض باحثي المركز الذين لا يتوافقون مع آرائه ورفضوا تنفيذ أجندته البحثية، مثلما حدث مع الباحثة الأميركية المعروفة ميشيل دن، التي تعمل حالياً في معهد كارنيغي والتي تم طردها من المركز قبل أربعة أعوام بشكل مهين لرفضها الانصياع للعتيبة في ما يخص تقييم الأوضاع في مصر. أما أكثر الأدوات التي يستخدمها العتيبة داخل المجلس، فتتم من خلال برنامج "دراسات الأمن" الذي يديره بلال صعب.

مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية FDD:
تُعد مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية من أكثر المؤسسات اليمينية المتشددة التي يرتبط العتيبة معها بعلاقات وثيقة وصلت إلى درجة هيمنته الكاملة على أجندتها البحثية. وهي المؤسسة التي تدين بالولاء لإسرائيل وتدافع عن أجندتها في واشنطن. وكما يتضح من "تسريبات العتيبة"، فإن الرجل على تواصل دائم مع رئيس المؤسسة مارك دوبيتوز، وكذلك مع كبير الباحثين فيها جون هانا، الذي افتضح أمره في الرسائل المسربة. تقوم المؤسسة بالترويج للإمارات في الأوساط الأميركية وفي الإطراء على العلاقات المتميزة بين تل أبيب وأبو ظبي. فضلاً عن مهاجمة باحثيه للربيع العربي وللإسلاميين. وعمل في المؤسسة اثنان من أكثر المؤثرين في إدارة دونالد ترامب. أولهما هو اللبناني وليد فارس، والذي يرتبط بعلاقات وثيقة مع العتيبة إلى الدرجة التي كان فيها عرّاباً بينه وبين إدارة ترامب، قبل أن يقوم الأخير بإقصاء فارس تماماً عن طاقم الإدارة الجديدة. والثاني هو اليميني المتطرف سيباستيان غوركا، الذي يحتل منصب مستشار ترامب للشؤون الأمنية حالياً.

كبير الباحثين بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطية جون هانا(درو أنجرير/getty) 





معهد الدول الخليجية العربية في واشنطن Arab Gulf States Institute in Washington

تم إنشاء المعهد بمبادرة من العتيبة شخصياً عام 2015. وبالنظر إلى قائمة مجلس أمناء المعهد، يمكن اكتشاف توجّه المعهد بسهولة. وتضم القائمة الكاتب المصري المعروف عبد المنعم سعيد، المعروف بولائه الشديد لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد والذي عمل معه طيلة العقدين الماضيين وهو المدافع القوي عن حكم العسكر في مصر. وترأس المعهد مارسيل وهبة، السفيرة الأميركية السابقة لدى أبو ظبي والتي لديها علاقات شخصية وثيقة مع حكام أبو ظبي تعود إلى أكثر من ثلاثة عقود. وقام المركز بتعيين عدد من الباحثين أبرزهم الباحثة كريستين ديوان، التي كانت تعمل أستاذة في الجامعة الأميركية في واشنطن قبل أن يتم الاستغناء عنها، وهي متخصصة في الشأن الخليجي. كذلك يضم المركز الباحث من أصول فلسطينية حسين أبيش الذي يعمل لصالح الإماراتيين منذ سنوات ويتميز بعدائه الشديد للإسلاميين وللربيع العربي. ولا يخلو مقال له من الإطراء على أبو ظبي وحكامها وتوجيه النقد لقطر. وهو يرتبط بعلاقات وثيقة مع الدوائر الصهيونية واليمين المتطرف في الولايات المتحدة. ويتمثّل الدور الرئيسي للمركز في تقديم رجال أبو ظبي للأوساط البحثية والسياسية الأميركية من خلال استضافتهم في مؤتمراته وندواته. ويتمتع المركز بميزانية كبيرة من أبو ظبي يدل عليها مقره في قلب العاصمة واشنطن، فضلاً عن الرواتب المرتفعة التي يتقاضاها باحثوه.