باتت شعائر الحج إلى مدينة مكة وزيارة قبر النبي في المدينة المنورة، ورقة ضغط سياسية تلوّح بها السعودية في وجه أعدائها وخصومها في السنوات الأخيرة، مستغلة العاطفة الدينية لدى شعوب هذه الدول تجاه الأراضي المقدسة للضغط عليها. وبرزت هذه الورقة بشكل واضح خلال أزمة حصار دول محور الرياض-أبو ظبي لدولة قطر في محاولة لإملاء سياساتها عليها، وهو ما سبقتها إليه إيران. وادعى وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، في تصريح لقناة "العربية" السعودية، أن "قطر طالبت بتدويل الحج وهذا يُعدّ أمراً عدوانياً وهو بمثابة إعلان حرب ضد المملكة ونحن لا نقبل بتسييس الحج لأن هذه مشاعر مقدسة". لكن وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، نفى الادعاءات السعودية، وقال في تصريح له إنه "لم يصدر أي تصريح من أي مسؤول قطري بشأن تدويل الحج، كما لم يتم اتخاذ أي إجراء من شأنه النظر في قضية الحج كقضية دولية". وأضاف أن "السعودية تقوم بتسييس الحج مع الأسف الشديد ونحن سئمنا من الرد على الفبركات الإعلامية واختراع القصص من لا شيء".
وكان لافتاً جداً انتقال التزوير والتلفيق من مستوى إعلام دول الحصار إلى ساستها ممن حوّلوا إعلان اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان القطرية نيّتها "تدويل منع مواطني ومقيمي دولة قطر من أداء مناسك الحج في كافة المحافل الدولية المختصة"، إلى مطلب قطر "تدويل المشاعر المقدسة" بحسب الجبير.
ولوّحت السعودية بورقة الحج لأول مرة في هذه الأزمة عندما أعلنت حصارها لقطر برفقة البحرين والإمارات ومصر، وفوجئت برفض دول عربية وأفريقية إسلامية اتخاذ خطوات مماثلة لها ومجاراتها في حملتها على قطر، فلجأت بحسب صحيفة "لوموند" الفرنسية إلى تهديد البلدان الأفريقية المسلمة الفقيرة بمنع شعوبها من الحج عبر تعقيد حصولهم على تأشيرات دخول، مما اضطر عدداً من الجمهوريات الفقيرة إلى الاستجابة لها، فيما رفض الجزء الأكبر الخضوع للابتزاز عبر ورقة الحج، بحسب تحقيق موسع نشرته "لوموند" في 12 يونيو/حزيران الماضي. وشرحت الصحيفة الفرنسية كيف أن زعماء الدول التي اضطرت إلى قطع العلاقات مع قطر أو تخفيض مستواها، فعلوا ذلك من دون العودة لا إلى حكوماتهم ولا إلى برلماناتهم.
وعادت السلطات السعودية لتستخدم ورقة الحج مرة أخرى في الأزمة لكن هذه المرة عبر محاولة تحميل قطر مسؤوليتها، إذ نشرت صحف محسوبة ومدعومة من قبل محور الرياض-أبو ظبي شائعة مفادها أن قطر طالبت بتدويل الحج في الأمم المتحدة وأن وزارة الأوقاف القطرية قامت بإغلاق باب التسجيل أمام الحجاج القطريين، وهو ما نفته الوزارة على الفور عبر بيان لها قالت فيه إن هذه "الأخبار الكاذبة" هي جزء من الحرب الإعلامية الكاذبة التي تقوم بها السعودية ضد قطر، وإن وزارة الحج والعمرة في السعودية "امتنعت عن التواصل معنا لتأمين سلامة الحجاج وتسهيل قيامهم بأداء الفريضة، متعللة بأن هذا الأمر في يد السلطات العليا في المملكة، وتنصلت من تقديم أي ضمانات لسلامة الحجاج القطريين".
اقــرأ أيضاً
وتُعدّ أزمة الحجاج القطريين ثالث أزمة سياسية تفتعلها السعودية في الحج في غضون ثلاث سنوات فقط، إذ تفجّرت أزمة كبرى بين السعودية وإيران على خلفية حادثتي سقوط الرافعة داخل الحرم المكي والتدافع في منى عام 2015 واللتين أدتا إلى مقتل أكثر من 1500 حاج نصفهم من الإيرانيين، الأمر الذي أدى إلى منع الحجاج الإيرانيين من الحج في العام الذي تلاه. كما منعت السعودية أكثر من 5 آلاف حاج يمني بدعوى انتمائهم لجماعة الحوثيين في العام نفسه وهو ما أدى إلى تهديد إيران باللجوء إلى الأمم المتحدة وطلب تدويل الحرم، قبل أن توافق السعودية على الشروط الإيرانية ومنها مرافقة دبلوماسيين إيرانيين لبعثة الحج والمحافظة على أمن الحجاج.
وقال المرشد الإيراني علي خامنئي في تصريح له أثناء توديع الحجاج الإيرانيين قبل يومين، إن "أمن الحجاج وحفظ كرامتهم هو مسؤولية الدولة التي ترعى شؤون الحرمين الشريفين، وهي قضية مهمة جداً بالنسبة إلينا، فنحن لن ننسى ما حدث في منى قبل عامين، ونطالب بحفظ أمن وكرامة الحجاج كي لا تتكرر حوادث مأساوية مشابهة. ونطالب بقية الدول الإسلامية بوضع أمن الحجاج على رأس أولوياتهم". كما منعت السعودية للسنة الثالثة على التوالي الحجاج المنتمين إلى فئة البدون والذين يشكلون أكثر من 10 في المائة من الكويتيين، من الحج، وهو ما رأته وزارة الأوقاف الكويتية ظلماً وإجحافاً بحق فئة كبيرة من الشعب الكويتي.
ومنذ بداية الحروب التي مهدت لتأسيس الدولة السعودية، انتبه الملك عبدالعزيز (مؤسس المملكة العربية السعودية) وأمير منطقة نجد آنذاك، إلى أهمية السيطرة على المدينتين المقدستين (مكة والمدينة) لتوسيع النفوذ السياسي والديني لدولته الوليدة، فادعى أن حاكم مكة آنذاك الشريف حسين منع الحجاج القادمين من منطقة نجد من الحج، وأعلن الحرب ضد الحجاز للسيطرة على مكة والمدينة بعد أن حصل على فتوى شرعية من قبل علماء الدين.
وبعد السيطرة السعودية على شعائر الحج، قُتل عدد من أفراد بعثة الحج المصرية على يد جنود تابعين للملك عبدالعزيز مما أشعل أزمة بين البلدين لم تنته إلا بزيارة عدد من أفراد الأسرة الملكية إلى مصر. ولم تكن حادثة "المحمل المصري" عام 1926 هي الأولى في مسيرة السيطرة السعودية على الحرم المكي والتي تعرضت لهزات عدة بفعل سوء التنظيم، إذ احتلت جماعات إسلامية بقيادة العسكري في الحرس الوطني جهيمان العتيبي الحرم المكي لمدة 14 يوماً عام 1979. وفشلت القوات السعودية في التدخّل مما حداها على الاستنجاد بقوات الكوماندوس الفرنسية والباكستانية. كما قُتل أكثر من 1500 حاج عام 1990 في حادثة تدافع داخل مكة أثناء الحج عرفت باسم حادثة نفق المعيصم، بالإضافة إلى اشتعال سلسلة الاحتجاجات الإيرانية الضخمة عامي 1987 و1989 وأعدمت السلطات السعودية على أثرها جميع المتورطين فيها ومن بينهم 20 كويتياً.
اقــرأ أيضاً
وكان لافتاً جداً انتقال التزوير والتلفيق من مستوى إعلام دول الحصار إلى ساستها ممن حوّلوا إعلان اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان القطرية نيّتها "تدويل منع مواطني ومقيمي دولة قطر من أداء مناسك الحج في كافة المحافل الدولية المختصة"، إلى مطلب قطر "تدويل المشاعر المقدسة" بحسب الجبير.
وعادت السلطات السعودية لتستخدم ورقة الحج مرة أخرى في الأزمة لكن هذه المرة عبر محاولة تحميل قطر مسؤوليتها، إذ نشرت صحف محسوبة ومدعومة من قبل محور الرياض-أبو ظبي شائعة مفادها أن قطر طالبت بتدويل الحج في الأمم المتحدة وأن وزارة الأوقاف القطرية قامت بإغلاق باب التسجيل أمام الحجاج القطريين، وهو ما نفته الوزارة على الفور عبر بيان لها قالت فيه إن هذه "الأخبار الكاذبة" هي جزء من الحرب الإعلامية الكاذبة التي تقوم بها السعودية ضد قطر، وإن وزارة الحج والعمرة في السعودية "امتنعت عن التواصل معنا لتأمين سلامة الحجاج وتسهيل قيامهم بأداء الفريضة، متعللة بأن هذا الأمر في يد السلطات العليا في المملكة، وتنصلت من تقديم أي ضمانات لسلامة الحجاج القطريين".
وتُعدّ أزمة الحجاج القطريين ثالث أزمة سياسية تفتعلها السعودية في الحج في غضون ثلاث سنوات فقط، إذ تفجّرت أزمة كبرى بين السعودية وإيران على خلفية حادثتي سقوط الرافعة داخل الحرم المكي والتدافع في منى عام 2015 واللتين أدتا إلى مقتل أكثر من 1500 حاج نصفهم من الإيرانيين، الأمر الذي أدى إلى منع الحجاج الإيرانيين من الحج في العام الذي تلاه. كما منعت السعودية أكثر من 5 آلاف حاج يمني بدعوى انتمائهم لجماعة الحوثيين في العام نفسه وهو ما أدى إلى تهديد إيران باللجوء إلى الأمم المتحدة وطلب تدويل الحرم، قبل أن توافق السعودية على الشروط الإيرانية ومنها مرافقة دبلوماسيين إيرانيين لبعثة الحج والمحافظة على أمن الحجاج.
وقال المرشد الإيراني علي خامنئي في تصريح له أثناء توديع الحجاج الإيرانيين قبل يومين، إن "أمن الحجاج وحفظ كرامتهم هو مسؤولية الدولة التي ترعى شؤون الحرمين الشريفين، وهي قضية مهمة جداً بالنسبة إلينا، فنحن لن ننسى ما حدث في منى قبل عامين، ونطالب بحفظ أمن وكرامة الحجاج كي لا تتكرر حوادث مأساوية مشابهة. ونطالب بقية الدول الإسلامية بوضع أمن الحجاج على رأس أولوياتهم". كما منعت السعودية للسنة الثالثة على التوالي الحجاج المنتمين إلى فئة البدون والذين يشكلون أكثر من 10 في المائة من الكويتيين، من الحج، وهو ما رأته وزارة الأوقاف الكويتية ظلماً وإجحافاً بحق فئة كبيرة من الشعب الكويتي.
وبعد السيطرة السعودية على شعائر الحج، قُتل عدد من أفراد بعثة الحج المصرية على يد جنود تابعين للملك عبدالعزيز مما أشعل أزمة بين البلدين لم تنته إلا بزيارة عدد من أفراد الأسرة الملكية إلى مصر. ولم تكن حادثة "المحمل المصري" عام 1926 هي الأولى في مسيرة السيطرة السعودية على الحرم المكي والتي تعرضت لهزات عدة بفعل سوء التنظيم، إذ احتلت جماعات إسلامية بقيادة العسكري في الحرس الوطني جهيمان العتيبي الحرم المكي لمدة 14 يوماً عام 1979. وفشلت القوات السعودية في التدخّل مما حداها على الاستنجاد بقوات الكوماندوس الفرنسية والباكستانية. كما قُتل أكثر من 1500 حاج عام 1990 في حادثة تدافع داخل مكة أثناء الحج عرفت باسم حادثة نفق المعيصم، بالإضافة إلى اشتعال سلسلة الاحتجاجات الإيرانية الضخمة عامي 1987 و1989 وأعدمت السلطات السعودية على أثرها جميع المتورطين فيها ومن بينهم 20 كويتياً.