الخلافات السودانية مع معسكر حفتر: إبحث عن مصر

01 اغسطس 2017
الخرطوم تتهم حفتر بدعم الحركات الدارفورية المسلحة (سكوت نيسلون/Getty)
+ الخط -

أزمة قديمة جديدة طفت على السطح بين الحكومة السودانية والحكومة في طبرق الليبية، عقب قرار الأخيرة إغلاق القنصلية السودانية في مدينة الكفرة شرقي ليبيا، لاتهامات تتصل بانتهاك الأمن القومي الليبي، وهو ما سارعت الخرطوم إلى نفيه تماماً وتأكيد عدم تدخّلها في الشأن الليبي، والتزام بعثتها بمهامها الرسمية وفقاً لاتفاقية فيينا الخاصة بالعمل الدبلوماسي، وطالبت حكومة طبرق بالتراجع عن القرار.
وتمثّل مدينة الكفرة أهمية كبرى للسودان باعتبارها البوابة إلى ليبيا، فضلاً عن كونها مركزاً لجمع المعلومات الأمنية والاستخباراتية لخدمة مصالح السودان، ولمواجهة تحركات حركات متمردة ضده تتمركز في ليبيا، فضلاً عن دفع جهود مكافحة الإرهاب والاتجار بالبشر كجزء من التزامات السودان الدولية.

واستدعت الخرطوم، فور صدور قرار حكومة طبرق، القائم بأعمال السفير الليبي في الخرطوم، علي مفتاح المحروق، وأبلغته احتجاجها الشديد على خطوة طبرق، إلا أن الأخير أكد فقدان سيطرة حكومته (طرابلس) تماماً على الأمور في طبرق، باعتبار أن حكومة طبرق غير شرعية، وأعرب عن أسفه للخطوة بالنظر إلى أهمية القنصلية السودانية في الكفرة لتحقيق مصالح الشعبين. وجاء قرار إغلاق القنصلية السودانية في مدينة الكفرة بعد أيام قليلة من تصريحات للجيش الموالي لطبرق اتهم فيها السودان بزعزعة أمن ليبيا ودعم أحد أطراف الصراع الليبي، في ما بدا إشارة إلى دعم الحكومة السودانية الإسلاميين هناك.

ورأى مراقبون أن خطوة طبرق قصدت منها قطع حلقة المعلومات الاستخباراتية للسودان بالنظر للموقع الاستراتيجي لمدينة الكفرة، فضلاً عن إحراج السودان باعتباره حلقة وصل بين قطر وليبيا، إضافة إلى إقحام الملف في الأزمة الخليجية الحالية. واعتبروا أن الأزمة من شأنها أن تخلق توتراً بين السودان، ومصر والإمارات، بالنظر لاصطفاف الأخيرتين مع معسكر الحكومة في طبرق ودعم قائد جيشها خليفة حفتر.
ووفق مصادر حكومية سودانية، فإن الخرطوم تتهم القاهرة بالتحريض ضدها، فضلاً عن إفشال كل محاولاتها لخلق أرضية سلمية مع قائد الجيش الليبي الموالي لبرلمان طبرق، خليفة حفتر، لا سيما بعد أن أجرى السودان اتصالات بحفتر لخلق تفاهم معه يحدّ من انتهاج خطوات مشابهة لتحركات معمر القذافي بدعم الحركات المسلحة الدارفورية ضد الخرطوم.

وألمح المتحدث باسم قوات حفتر، أحمد المسماري، إلى إمكانية الدخول في مواجهات مع السودان، الذي اتهمه بالتربص بأمن ليبيا. ولفت إلى تصريح قال إن الرئيس السوداني عمر البشير أدلى به في 18 يونيو/حزيران الماضي حول فتح ممر آمن لعناصر "داعش" في سورية والعراق من السودان عبر مدينة الكفرة إلى الساحل الليبي. وقال المسماري في تصريحه عقب قرار إغلاق القنصلية السودانية، إن "القوات الليبية متربصة بالعدو كما يتربص بنا".

في المقابل، يتهم السودان رسمياً حفتر باستغلال الحركات المسلحة السودانية الدارفورية كمرتزقة في حربه الليبية، ودعمها لزعزعة السودان، ويرى في سيطرة حفتر على شرق ليبيا خطراً على السودان، لا سيما أن الخرطوم تنظر إلى حفتر كجزء من النظام الليبي السابق بزعامة القذافي الذي شارك السودان بقوة في إزاحته وفتح أراضيه لدعم مناوئيه عبر مدينة الكفرة ذاتها، وفق ما أعلن البشير في أحد خطاباته الجماهيرية، إذ قال إن الخطوة أتت في إطار رد التحية للقذافي بأحسن منها، إذ كانت الخرطوم تتهمه بدعم حركة "العدل والمساواة" الدارفورية لاجتياح الخرطوم، خصوصاً أن الحركة وصلت فعلياً إلى العاصمة وأدارت معارك في مدينة أم درمان.


ورفعت الخرطوم مجموعة شكاوى لمسؤولين أمميين وغربيين، فضلاً عن المبعوث الأممي السابق إلى ليبيا مارتن كوبلر خلال زيارته الأخيرة للخرطوم، اتهمت فيها حفتر بدعم الحركات الدارفورية واستغلالها كمرتزقة في الحرب الليبية، واتهامه مع مصر بدعم الهجوم الذي نفذته الحركات في مناطق متفرقة في دارفور، في مايو/أيار الماضي. وأبلغت الخرطوم كوبلر بحقها في الرد على استفزازات حفتر وحماية أمنها، من دون توضيح كيفية ذلك، وهو ما كرره وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور أمام البرلمان في وقت سابق.

واستبعد محللون أي خطوات انفعالية للسودان تجاه مواقف حكومة طبرق، باستثناء استمرار التوتر وبرود العلاقات بين السودان، ومصر والإمارات، باعتبار أن الأزمة في مجملها أصبحت إقليمية. ورأوا أن من المستحيل دخول الطرفين (الحكومة السودانية وحكومة طبرق) في مواجهات عسكرية، نظراً للتوازنات الدولية والإقليمية وتشابك المصالح وتعقيداتها.

وقال المحلل السياسي ماهر أبو الجوخ، إن العلاقة بين السودان وليبيا مرتبطة بصراع الأجندات في المنطقة، مؤكداً أن السودان كما المجتمع الدولي يعترف بحكومة طرابلس، فضلاً عن أنه ينظر لحكومة طبرق أو حفتر بالأخص كامتداد لنظام القذافي. ورأى أن الأزمة الحالية تأتي كجزء من التضييق على قطر، بالنظر لتعارض موقف قطر والسودان في ليبيا مع موقف مصر والإمارات كجزء من الصراع الإقليمي، معتبراً أن إبعاد السودان من مدينة الكفرة سيضعف دوره في مكافحة الإرهاب، باعتبار أن الكفرة نقطة اتصال مهمة بين السودان وليبيا، والتواجد فيها يوفر معلومات استخباراتية أمنية، فيما الغياب عنها يضعف حجم المعلومات الاستخباراتية المتدفقة، ويزيد نسبة التهريب والعبور نحو أوروبا عبر البحر. وأشار إلى أن الأزمة برمتها سيترتب عليها توتر غير مباشر بين السودان ودولتي مصر والإمارات الداعمتين لحفتر.

من جهته، رأى الخبير في الملف الليبي-السوداني، خالد عبدالعزيز، أن تفاقم الأزمة هو نتيجة لتقاطع الأجندات الإقليمية، مشيراً إلى الاتهامات المتبادلة بين الحكومة السودانية والحكومة في طبرق بدعم الجماعات الإسلامية في ليبيا والحركات الدارفورية في السودان، مع وجود خلاف إقليمي بين السودان من جهة، ومصر والإمارات من جهة أخرى، إذ إن الأخيرتين تدعمان حفتر بشكل علني. واعتبر أن "أصل الصراع هو بين المجموعات الداعمة للإخوان المسلمين والأخرى التي تقف ضدها وتصنّفهم كمجموعات إرهابية"، لافتاً إلى أن "مصر والإمارات تريان في الإخوان الخطر الأكبر، فيما السودان يتعاطف معهم". واستبعد عبدالعزيز تطور التوتر لعمليات عسكرية بالنظر للتوازنات الإقليمية، معتبراً أن خطورة الأزمة الحالية في إحراج الحكومة في حال تصعيدها كجزء من الصراع الخليجي، بالنظر لموقف السودان الحيادي المعلن تجاه الأزمة الخليجية.