تباين في الموقف الإسرائيلي من إعلان السلطة الفلسطينية وقف التعاون الأمني

28 يوليو 2017
ينسق الاحتلال مع أجهزة السلطة عمليات المداهمة (عصام ريماوي/الأناضول)
+ الخط -
تتباين مواقف المستويات السياسية والعسكرية في إسرائيل من إعلان رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، تجميد التعاون الأمني، واشتراط استعادته بوقف الإجراءات الإسرائيلية ضد المسجد الأقصى، وهو ما كرره أمس الخميس، مؤكداً استمرار قرار تجميد الاتصالات مع إسرائيل، مضيفاً "سنتحدث الآن عن عودة الصلاة في المسجد الأقصى، ثم تجتمع القيادة لتقرر باقي الأمور المعلقة لنرى ماذا يمكن أن نفعل بها. هناك أشياء كثيرة، وكل شيء يبقى على ما هو عليه إلى أن نقرر ما يمكن أن يحصل".


فقد قللت دوائر صنع القرار السياسي في تل أبيب من إعلان رئيس السلطة، مدعية أن هذا القرار لن يؤثر على قدرة المؤسسة الأمنية الإسرائيلية على تأمين مصالح تل أبيب في الضفة الغربية. وقد كان لافتاً بشكل خاص اعتبار وزير الأمن، أفيغدور ليبرمان، إعلان عباس أن "التعاون الأمني يخدم في الأساس وقبل كل شيء مصالح السلطة الفلسطينية". وفي مقابلة أجراها معه موقع "والاه" أول من أمس، ادعى ليبرمان أن إسرائيل بإمكانها القيام بالأنشطة الأمنية من دون التعاون الأمني الذي تقدمه السلطة.

وقد استنفرت وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث الإسرائيلية ذات التوجهات اليمينية لدعم موقف ليبرمان. فقد اعتبر بنحاس عنبري، الباحث في "مركز يروشليم لدراسة الجمهور والمجتمع"، الذي يرأسه وكيل الخارجية الإسرائيلي السابق، دوري غولد، أن قرار عباس يعد "إعلان انتحار للسلطة". وفي مقال نشره موقع المركز، يوم الأربعاء، زعم عنبري أن عباس بهذا القرار وضع سلطته في نفس الصف "الذي تقف فيه جماعة الإخوان المسلمين وتركيا". وقد ذكر عباس بأنه شخصياً لا يمكنه مغادرة مقره في رام الله من دون التنسيق مع إسرائيل، مشيراً إلى أن إسرائيل يمكنها أن ترد على وقف التعاون بقطع الكهرباء عن الضفة. وفي مقابل موقف المستوى السياسي، فإن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية ترى أن تعاون السلطة الأمني مهم جداً في الحفاظ على مصالح إسرائيل. وقد كان منسق أنشطة جيش الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة، الجنرال يوآف مردخاي، الأكثر وضوحاً في التعبير عن تقديره لدور التعاون الأمني. فقد نقلت الإذاعة العبرية أخيراً أنه، وفي أثناء جلسة عقدها المجلس الوزاري المصغر لشؤون الأمن، احتدم نقاش بين مردخاي ووزير الطاقة، يوفال شطاينتس، بعد أن زعم الأخير أن مردخاي يميل لتبني مواقف السلطة. وحسب ما نقلته الإذاعة فقد رد مردخاي على شطاينتس بالقول إن "عباس يستحق التحية على إصراره على مواصلة التعاون الأمني ووقوفه ضد حماس".



وحتى أن المسؤولين الأمنيين الذين يتبنون مواقف يمينية متطرفة من الصراع، يجمعون على تقدير إسهام تعاون السلطة الأمني في تحسين الأوضاع الأمنية في الضفة. ففي مقابلة أجرتها معه صحيفة "ميكور ريشون" أخيراً، أشاد الرئيس السابق لجهاز المخابرات الداخلية "الشاباك"، يورام كوهين، بحرص عباس على مواصلة التعاون الأمني مع إسرائيل. وشدد كوهين، الذي ينتمي إلى اليمين الديني، على أن هذا التعاون أسهم في مساعدة جهازه على إحباط العمليات "الإرهابية". وحسب كوهين فإن ما يجعل تعاون السلطة الفلسطينية الأمني مهماً هو حقيقة أن عناصر أجهزتها الأمنية "يتحدثون اللغة العربية ويقطنون في المناطق التي يتواجد فيها من يهددون الأمن الإسرائيلي، علاوة على أنهم أقدر على تجنيد متعاونين للوصول إلى المعلومات الاستخبارية". وقد تعرض موقع "والاه" في تقرير نشره إلى طابع التعاون الأمني بين إسرائيل والأجهزة الأمنية، مشيراً إلى أن من بين هذه المظاهر عقد اجتماعات ولقاءات بين قيادات الأجهزة الأمنية في الجانبين، وتبادل المعلومات الاستخبارية، والاتفاق على إجراءات مشتركة لتفكيك خلايا فلسطينية تخطط لتنفيذ عمليات. ونوه الموقع إلى أن التعاون يرمي أيضاً إلى البحث والعثور عن "البنى المادية للإرهاب وتفكيكها"، إلى جانب أن الجيش الإسرائيلي ينسّق مع أجهزة السلطة عمليات المداهمات التي يقوم بها في المدن والبلدات والقرى والمخيمات الفلسطينية. واستناداً إلى هذا التنسيق تنسحب أجهزة الأمن الفلسطينية من شوارع أي منطقة يخطط الجيش الإسرائيلي لشن عملية أمنية فيها. وحسب الموقع، فإن الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة تقوم بإعادة المستوطنين والجنود الإسرائيليين الذين يضلون الطريق ويصلون إلى التجمعات السكنية الفلسطينية.

من هنا، فإن معلق الشؤون العربية، تسفي بارئيل، يستهجن إنكار ليبرمان لدور التعاون الأمني في تحقيق المصالح الأمنية الإسرائيلية. وفي مقال نشرته صحيفة "هآرتس" الأربعاء، كتب بارئيل عبارة ذات دلالة بشكل خاص، إذ اعتبر أن "الحرب التي يشنها عباس على حركة حماس تدفع للاعتقاد للوهلة الأولى وكأنه قد انضم إلى حزب الليكود أو إسرائيل بيتنا". التباين في موقف المستوى السياسي والعسكري في إسرائيل من تعاون السلطة الأمني يعود إلى الدوافع التي تحرك الطرفين. فالمستوى السياسي، الذي تمثله نخب الحكم اليمينية، يتبنى خطاباً شعبوياً لاسترضاء قواعد اليمين في ظل هبة الأقصى وتزايد الاتهامات لهذه النخب بالفشل. ويجد هذا الخطاب تعبيره في التنكر لدور تعاون السلطة الأمني في الحفاظ على مصالح إسرائيل. وفي المقابل، فإن المستوى الأمني تحفزه الاعتبارات المهنية، سيما وأن قادة الجيش والاستخبارات، الذين هم على تواصل مباشر مع الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة، يعون حجم الثمن الذي ستدفعه إسرائيل في حال توقف التعاون الأمني.

المساهمون