فقد استبق الطيران الروسي الإعلان عن بدء تطبيق الاتفاق، أمس الثلاثاء، بارتكاب مجزرة بحق أطفال ونساء مساء الاثنين في مدينة عربين إحدى مدن الغوطة، وهو ما يفتح الباب أمام تساؤلات حول جدية هذا الاتفاق الذي لم يردع مقاتلات النظام أيضاً التي لا تزال تقصف مناطق مكتظة بالمدنيين.
وأوضح الناشط الإعلامي الميداني، محمد الغوطاني، أن العمليات البرية التي كانت تقوم بها قوات النظام في الغوطة، خصوصاً التي كانت تستهدف عين ترما وحي جوبر، "توقفت" منذ الإعلان عن الاتفاق. لكنه أشار إلى أن "القصف الجوي لم يتوقف على مدن وبلدات الغوطة من قبل طيران النظام والطيران الروسي".
وأشار الغوطاني، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن الطيران الروسي قصف مساء الاثنين بصواريخ فراغية شديدة الانفجار مدينة عربين، ما أدى إلى مقتل 8 مدنيين بينهم خمسة أطفال، وإصابة 45 مدنياً. وأوضح أن الطيران الحربي التابع للنظام قصف الثلاثاء أيضاً أطراف مدينة دوما كبرى مدن الغوطة الشرقية التي يسيطر عليها جيش الإسلام الطرف الرئيسي في اتفاق القاهرة. كما أشار إلى أن القصف "طاول مواقع أخرى في الغوطة"، مضيفاً "القصف يتركز على المناطق التي تتميز بكثافة سكانية، وهو ما يعزز المخاوف من عدم التزام النظام كعادته بالاتفاقيات". وأكد الغوطاني، نقلاً عن مصادر في جيش الإسلام، ارتفاع أعلام روسية على بعض جبهات القتال في الغوطة الشرقية، موضحاً أنه حتى ظهر أمس الثلاثاء لم يتم تسجيل قوافل مساعدات من معبر الوافدين وهو المعبر الوحيد الذي يربط الغوطة بمحيطها.
وكان مراقبون قد حذروا من أن "الاستثناءات" وغموض تفاصيل ما تم التفاهم عليه خلال المفاوضات التي تمت في القاهرة تهدد استمرار الاتفاق. وأكدت مصادر لـ "العربي الجديد" أن الاتفاق لا يشمل كامل الغوطة الشرقية، بسبب تداخل مناطق سيطرة فيلق الرحمن مع مناطق سيطرة جبهة تحرير الشام، وفق المزاعم الروسية. وأشارت المصادر إلى أن النظام "يريد حصر الاتفاق بالجانب البري فقط، على أن يستمر بالقصف الجوي والمدفعي تحت ذريعة استهداف مواقع جبهة فتح الشام".
وتعد الغوطة الشرقية أبرز معاقل المعارضة المسلحة في محيط العاصمة السورية دمشق منذ أواخر عام 2012، وتتعرض منذ ذاك الوقت إلى حصار محكم وقصف مستمر، ما أدى الى مقتل آلاف المدنيين، وخلق مأساة إنسانية طاولت أكثر من نصف مليون مدني محاصر في مدن وبلدات الغوطة الشرقية. وارتكب النظام في منتصف عام 2013 مجزرة بالسلاح الكيميائي في الغوطة الشرقية.
ويتشاطر "جيش الإسلام"، و"فيلق الرحمن" السيطرة على مدن وبلدات الغوطة الشرقية، مع وجود أقل تأثيراً لحركة "أحرار الشام" الإسلامية. وقاد رئيس الهيئة السياسية في جيش الإسلام، محمد علوش، مفاوضات القاهرة، فيما أعلن فيلق الرحمن، وفق المتحدث باسمه وائل علوان، ترحيبه "بأي جهد إقليمي أو دولي يوقف الهجمات العنيفة المتواصلة لأكثر من شهر من قوات الأسد على الغوطة الشرقية، والتي استخدم فيها الغازات السامة، والغارات الجوية، وراح ضحيتها عشرات المدنيين".
وأشار علوان إلى أن الاتفاق "يجب أن يكون الخطوة الأولى في طريق حل القضية السورية"، موضحاً في حديث مع "العربي الجديد" أن "الحل يبدأ بوقف إطلاق النار، ثم تطبيق القرارات الدولية، ومنها بيان جنيف1 والقرار الدولي 2254، وينتهي بالانتقال السياسي الكامل". وأكد علوان التزام فيلق الرحمن باتفاق وقف إطلاق النار الموقع في العاصمة التركية أنقرة أواخر العام الفائت، في إشارة واضحة إلى التزام الفيلق باتفاق "القاهرة" الذي لا يزال مبهماً لجهة شموله المناطق التي يسيطر عليها الفيلق في الغوطة الشرقية، وأبرزها: عربين، وبيت سوى، وزملكا، وعين ترما، والأشعري. كما لا يزال الاتفاق غير واضح لجهة شموله حي جوبر الدمشقي المتاخم للغوطة الشرقية من الجهة الغربية، والذي تسيطر عليه المعارضة السورية المسلحة.
في موازاة ذلك، أعلنت وزارة الدفاع الروسية، أمس الثلاثاء، انطلاق عمل نقطة تفتيش جديدة، أقامتها الشرطة العسكرية الروسية بالتعاون مع قوات النظام في غوطة دمشق الشرقية. وأصرت المعارضة السورية على أن تتولى قوات روسية عمليات مراقبة تطبيق الاتفاق من دون أي وجود لقوات إيرانية، ما قد يدفع طهران الى وضع عراقيل أمام تطبيقه، لا سيما أنها حاولت، من خلال مليشيات تتبع لها، إخضاع الغوطة الشرقية كي تعزز وجودها أكثر في ريف دمشق، الا أنها فشلت في ذلك على مدى سنوات.
وينص الاتفاق على "توقف كامل للقتال، وإطلاق النار من جميع الأطراف"، و "عدم دخول أية قوات عسكرية تابعة للنظام السوري، أو قوات حليفة له الى الغوطة الشرقية"، مع "فتح معبر مخيم الوافدين من اجل عبور المساعدات الإنسانية، والبضائع التجارية، وتنقل المواطنين بشكل عادي". كما نص الاتفاق على أن "تقوم الشرطة العسكرية الروسية بالتمركز في نقاط مراقبة على مداخل الغوطة الشرقية الرئيسية من أجل مراقبة الالتزام بوقف إطلاق النار". وبينت وزارة الدفاع أن النقطة الحالية "ستكون واحدة من أصل نقطتين للتفتيش، و4 نقاط للمراقبة تشغلها الشرطة العسكرية الروسية"، من دون أن تخوض بتفاصيل أخرى تتعلق بآليات مراقبة تطبيق الاتفاق. كما لم تتطرق إلى موعد محدد لدخول المساعدات الإنسانية الى الغوطة الشرقية المحاصرة من قبل قوات النظام منذ 4 سنوات و4 أشهر. لكن القاعدة الروسية في مطار حميميم في الساحل السوري أعلنت، أمس الثلاثاء، أن الغارات الجوية "ستستمر في مناطق الغوطة الشرقية التي تم تحديدها كمواقع تنشط فيها عناصر متطرفة تتبع لتنظيم جبهة النصرة الإرهابية"، وفق تعبيرها. وأشارت إلى أنه يتعين "على أفراد التنظيم المتشدد إعلان حل أنفسهم بشكل كامل، أو اختيار الرحيل عن المنطقة لضمان سلامتها".
وتفيد تقديرات وزارة الدفاع الروسية بوجود نحو 9 آلاف عنصر في الغوطة الشرقية يتبعون لجبهة تحرير الشام (النصرة سابقاً)، لكن مصادر محلية مطلعة أكدت لـ "العربي الجديد" أن الرقم مبالغ فيه من أجل تبرير استمرار القصف على الغوطة الشرقية. ووفقاً للمصادر نفسها، فإنه "لم يعد لجبهة فتح الشام أي تأثير في الغوطة إثر الحملة التي قام بها جيش الإسلام أخيراً، وشتت شمل الجبهة في الغوطة". وأضافت أنه "لم يبق من الجبهة إلا بضع مئات من العناصر الذين لا تأثير لهم، ومن ثم فلا حجة للنظام، وحلفائه في استهداف الغوطة أو عدم شمول الاتفاق كامل مدنها وبلداتها".
من جهته اعتبر الدبلوماسي السوري المعارض، بسام العمادي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن اتفاق الغوطة الشرقية "حلقة من حلقات الحل المتفق عليه بين روسيا وأميركا في سورية". ولفت في حديث مع "العربي الجديد" إلى أنه "ربما يكون بداية لتطبيق ما يخطط لسورية من تقاسم نفوذ وتثبيت للنظام، ولو بوجه جديد يخدم أغراض من له القدرة على فرض مستقبل سورية".