وحدة "إخوان" الجزائر لا تنهي التحديات

24 يوليو 2017
يتداول مقري (الصورة) ومناصرة رئاسة الحركة خلال عشرة أشهر(Getty)
+ الخط -
انتهى مؤتمر الوحدة لـ"إخوان" الجزائر الذي عُقد السبت الماضي، بانتخاب قيادة سياسية توافقية تشرف على تسيير المرحلة الانتقالية خلال عشرة أشهر حتى موعد المؤتمر السادس المقرر في مايو/ أيار 2018. وإذا كانت حركة "مجتمع السلم" قد نجحت في ترميم بيتها الداخلي بعد سلسلة انشقاقات، وإعادة توحيد الصف ولمّ الشمل، فإن رهانات سياسية كبيرة تنتظر الحركة في أفق الانتخابات المحلية المقررة نهاية السنة الحالية، والانتخابات الرئاسية المقررة ربيع 2019، وإعادة النظر بمواقفها في العلاقة مع المعارضة والسلطة، وقراءة التحديات الجدية الراهنة في الجزائر.

ونجح حزبان من تيار "الإخوان" في الجزائر، حركة "مجتمع السلم" و"جبهة التغيير"، في إعادة الاندماج والوحدة بعد تسع سنوات من الانقسام السياسي والتنظيمي، في سابقة سياسية لم تشهدها الجزائر من قبل. وإضافة إلى عودة كتلة "التغيير" إلى الحركة الأم، عادت إلى الحركة 42 شخصية قيادية، بعضها من المؤسسين التاريخيين الذين انسحبوا من الحركة منذ أكثر من عقدين، عام 1994، بسبب خلافات سياسية حينها حول التحالف مع السلطة بعد انقلاب الجيش على الإسلاميين في يناير/ كانون الثاني 1992، كالمؤسسين بوجمعة عياد والسعيد مرسي، واللذين حضرا مؤتمر الوحدة وحازا على عضوية في مجلس الشورى الجديد.

واعتبر القيادي في الحركة فاروق أبو سراج الذهب، أن "مؤتمر الوحدة شكّل بوابة مفتوحة لعودة أبناء وقيادات مدرسة الراحل محفوظ نحناح، وتجسيد معنى التوافق والائتلاف في زمن التفكك والتفرق والتشتيت، وقيمة ذلك المضافة كبيرة للحركة والمجتمع والدولة"، مشيراً إلى أن ذلك "سيعزز من قوة ودور الحركة، لا سيما أن الجزائر تمر بمرحلة صعبة على المستويين الداخلي والخارجي، وهي خطوة لها أيضاً قيمة معنوية لربط أجيال الحركة، لا سيما المؤسسين".

وخاض الحزبان، "مجتمع السلم" و"جبهة التغيير"، أربع سنوات من التفاوض في فترات سابقة، قبل الوصول إلى محطة تجسيد الوحدة، في 26 مارس/ آذار 2013 حين وقّع رئيس حركة "مجتمع السلم" حينها أبوجرة سلطاني ورئيس "جبهة التغيير" عبد المجيد مناصرة على الوثيقة التاريخية المؤسسة للوحدة. لكن تنفيذ مشروع الوحدة تعطّل خلال السنوات الأربع الأخيرة بسبب بعض الخلافات التنظيمية، وبسبب الاستحقاقات السياسية التي شهدتها الجزائر، قبل أن يتم التوصل إلى اتفاق المشاركة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت في 4 مايو/ أيار الماضي بقوائم موحّدة باسم الحركة الأم، "مجتمع السلم".

ثم عقدت "جبهة التغيير" في الأول من يوليو/ تموز الحالي مؤتمراً للإعلان عن حل نفسها إرادياً، وعن عقد مؤتمر استثنائي لحركة "مجتمع السلم" تتم خلاله إعادة دمج كتلة "جبهة التغيير" داخل أطر الحركة وهياكلها. وجرى التوافق على مبدأ المناصفة في الهيئات القيادية كالمكتب التنفيذي ومجلس الشورى الوطني، والتداول على رئاسة الحركة في المرحلة التوافقية والتي ستدوم عشرة أشهر، يتداول فيها رئيس حركة "مجتمع السلم" عبد الرزاق مقري، ورئيس "جبهة التغيير" المنحلة عبد المجيد مناصرة، رئاسة الحركة، بمعدل خمسة أشهر لكل منهما.

واعترف القيادي في الحركة نصر الدين حمدادوش، أن تنفيذ الوحدة لم يكن سهلاً على الرغم من وحدة المرجع السياسي للحزبين، قائلاً إنها "تجربة فريدة واستثنائية في العالم العربي والإسلامي أن تنقسم حركة على نفسها، ثم يعاد لمّ شملها من جديد، بعد نحو تسع سنوات من ذلك، بعد مخرجاتٍ مؤسفة للمؤتمر الرابع في مايو/ أيار 2008، وهي عملية شاقة ومؤلمة، لِمَا رافق هذا المسار من خلاف، تطلّب ثمناً باهظاً من الصبر والتحمّل والتفاوض والتنازل".


وإذا كان "إخوان" الجزائر قد نجحوا في تحقيق وحدة بين كتلتين تحت جناح الحزب الأم "مجتمع السلم"، فإن كتلتين أخريين من المنشقين ما زالتا خارج مشروع الوحدة السياسية، كتلة "حركة البناء" التي يقودها مصطفى بلمهدي، وانشقت عام 2008، وهي رفضت الانخراط في مسعى الوحدة، وتبنّت بخلاف ذلك مشروع الوحدة مع حزبين إسلاميين آخرين لا تتوافق معهما في النظرة التفصيلية للقضايا السياسية، حركة "النهضة" و"جبهة العدالة والتنمية". أما الثانية فهي كتلة حزب "تجمّع أمل الجزائر" بقيادة وزير الأشغال العامة السابق عمار غول، والتي انشقت عن الحركة الأم في يونيو/ حزيران 2012، بعد إعلان الحركة دخول المعارضة ومراجعة مواقفها من الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، وإنهاء المشاركة في الحكومة، بعد 17 سنة من مشاركتها في الحكومات المتعاقبة.
وأخفقت الاتصالات مع هاتين الكتلتين بشأن الوحدة، بسبب تباعد المواقف والرؤى وطموحات ذاتية بالنسبة لقيادات كتلتي "البناء" و"تجمّع أمل الجزائر"، خصوصاً أن الأخير يعتبر أن دعم بوتفليقة وحكوماته خيار غير قابل للمناقشة. غير أن عدداً من كوادر هاتين الكتلتين أعلنوا دعمهم لمسعى الوحدة، وقرروا العودة إلى الحزب التاريخي.

وإذا كان إنجاز الوحدة سيسهم في إعطاء "إخوان" الجزائر زخماً سياسياً أكبر على صعيد الحضور في المشهد الجزائري وتعزيز دور الحركة المحلي وترميم الكتلة الناخبة في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، فإن ذلك لا يوقف التحديات أمامهم، على صعيد تأمين وحدة الموقف السياسي داخل الحركة، وتجنّب أي تباين في تحليل الأحداث والقضايا الراهنة، بين قيادتها المنبثقة عن مؤتمر 2012، والتي تبنّت خيار المعارضة، وكتلة "جبهة التغيير" التي كانت تتبنى مواقف مخالفة لذلك، وكان واضحاً تباين المواقف بين الطرفين بشأن العرض الرئاسي للحركة للمشاركة في الحكومة.

وبالإضافة إلى تأمين وحدة الموقف الداخلي وفق مخرجات الخط السياسي الذي أقره مؤتمر 2012، والذي نقل الحركة من التحالف مع السلطة إلى المعارضة، يبرز تحدٍ آخر يتعلق بموقف الحركة من السلطة والحكومة، إذ تتبنّى الحركة في الفترة الأخيرة مواقف حادة تجاه السلطة والحكومة وبوتفليقة، ويُرجح أن تسهم رئاسة وزير الصناعة السابق عبد المجيد مناصرة للحركة في تخفيف مواقفها. ويُطرح في السياق أيضاً تحدي إعادة بناء العلاقة بين الحركة وعدد من أحزاب المعارضة السياسية في الجزائر، خصوصاً أن خلافات حادة حدثت بين الحركة وقوى معارضة اتهمتها بنسف توافقات مؤتمر مزفران للمعارضة الذي عُقد في يونيو/ حزيران 2014، بعدما قررت الحركة المشاركة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والتي قاطعتها بعض أحزاب المعارضة.