تونس: شهادات واعترافات حول تزوير نظام بن علي الانتخابات

23 يوليو 2017
تطرقت الجلسة إلى عهدي بورقيبة وبن علي (إنترنت)
+ الخط -


اختتمت، في ساعة متأخرة من مساء الجمعة، الجلسات العلنية لهيئة الحقيقة والكرامة حول موضوع تزوير الانتخابات في تونس، ولئن اقتصر الجزء الأول من الجلسة على التجاوزات والتزييف الذي حصل بعيد الاستقلال في عام 1956 إلى الثمانينيات، أي خلال عهد الزعيم الحبيب بورقيبة، فإن الجزء الثاني خصص لفترة الرئيس المخلوع، زين العابدين بن علي، إلى حدود الثورة التونسية.

وأكدّ الأمين العام للتجمع الدستوري الديمقراطي من 2004 إلى 2011، محمد الغرياني، أنّ عملية التزوير تنطلق من التسجيل إذ يطغى لون واحد، وأنه حتى في ظل وجود قلة من المعارضين فإنه يتم توجيه المسجلين من قبل البلديات، ومنذ البداية كانت الخارطة محددة والنتائج معلومة.

وبين الغرياني أن بعض المعارضين كانوا يتعمدون ترشيح الورقة الحمراء، أي ورقة الرئيس بن علي لكي يتخلصوا من التتبعات ومن المراقبة، خاصة وأن العملية الانتخابية محددة مسبقا، معتبرا أن من بين عمليات التزييف الحاصلة أن بعض مساندي قائمات التجمع، أي حزب الرئيس، كانوا يتعرضون لمحاكمات واهية فقط لتلميع النظام ولوضع سيناريوهات تطبخ سابقا، في محاولة من النظام السابق لإعطاء حيوية على المشهد السياسي، مشيرا إلى أن المحاضر التي يتم اعتمادها يتم التلاعب بها وتزويرها ووضع النسب، التي عادة ما تبلغ  99 بالمائة للنظام الحاكم، مشيرا إلى أنه يتم أحيانا التخفيض من نسبة حظوظ الرئيس وتعديل النسب من 99 إلى 94 بالمائة، إذ يتم الإيهام بفوز بقية القائمات المشاركة والمحدودة بنسب يختارها النظام، وأن التنسيق يتم بين رئاسة الجمهورية ووزارة الداخلية، وتوضع خارطة كاملة بحسب فلسفة النظام، ولكي يبقى التجمع قائما وكأن هناك نظاما ومعارضة.

وأضاف الأمين العام للتجمع الدستوري المنحل أنه حصل في فترة ما جدل وخلاف داخل السلطة القائمة حول القوانين المفصلة، والتي يجب أن تكون بحسب المقاس، معتبرا أن التغطية الإعلامية كان يتم توجيهها أيضا، وأن الإعلام ساهم في التركيز على اجتماعات النظام الكبرى، وكان يتم تقزيم المعارضة وإبراز القاعات الفارغة.

وأوضح الغرياني أنه في عام 2009 بدأ الوضع يتغير نسبيا، وأصبح الحديث عن إمكانية مغادرة الرئيس للسطلة، فضعف مركز نفوذه، وجاءت فكرة إحداث قائمات للمناشدة ولبقاء بن علي لتبقى سلطة رئيسية في تونس، وللمحافظة على توازن المشهد السياسي ككل.  

وعايش مؤسس حزب التآلف الوطني والمشارك في انتخابات 2014 كرئيس قائمة، عمار السوفي، انتخابات 2014، مبينا أنه حضر وساهم في عمليات تزوير للانتخابات في محاولة منه للاستجابة لتعليمات السلطة، وأنه بعد سلسلة من الإيقافات التي طاولته وشملت حتى أفراد عائلته، فإنه أذعن للسلطة، وأنه لم يكن شجاعا كفاية ليتحمل السجن والتعذيب.

وأضاف أنه اتهم سابقا بالتعاطف مع حركة النهضة (الاتجاه الإسلامي سابقا) وأوقف في 8 مناسبات بين 1981 و1995، وأنه أشرف في العديد من المحطات الانتخابية لسنوات 1994 و1999 و2004 على عمليات الاقتراع، ففي الانتخابات الأولى شارك بصفته مساعدا بمكتب اقتراع بالمدرسة الإعدادية بحي السويسي، ثم شارك ثانية كرئيس مكتب اقتراع.

وقال السوفي الذي قدم اعتذاره للشعب التونسي أن الخلوة المخصصة لاختيار المرشحين كانت مصيدة وضعها النظام السابق لاصطياد المعارضين، معتبرا أنه يتم تسجيل اسم كل شخص يدخل الخلوة لأن الموالين للنظام لا يصوتون داخل الخلوة، وإنما تتم العملية علنا وتوضع الورقة الحمراء الخاصة بالنظام مباشرة في الصندوق، مؤكدا أن من يدخل الخلوة يحرم من القروض والوظيفة ويتعرض إلى تضييقات.  

وبين أن المعارضة كانت غائبة وأن الحزب الحاكم كان يمضي منفردا في الانتخابات، مشيرا إلى أنه يتم تعويض القوائم بأخرى تابعة للنظام، وأن عملية الاقتراع كانت تتم عبر الاحتفاظ ببطاقات الانخراط وعدم توزيعها على الناخبين المشكوك في ولائهم للحزب الحاكم، ثم يتم استبدالهم بأناس آخرين، خاصة وأن الاستظهار ببطاقات الهوية ليس إجباريا في تلك الفترة.

وأوضح أنه وردت تعليمات من قبل المعتمدين، والعمد وهياكل التجمع الدستوري الديمقراطي، والتي كانت تقضي بإجبار المشرفين على الانتخابات بتسليم محاضر بيضاء ممضاة من قبل أعضاء مركز الاقتراع، ويدون المسؤولون ما يحلو لهم من ملاحظات في خصوص عملية الاقتراع، مشيرا إلى أنه كان يتم الإمضاء على محاضر فارغة .  

وفي ختام الجلسات العلنية، قال عضو الهيئة العليا للانتخابات، نبيل بفون، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ التزييف كان موجودا، وإن الشهادات والتجارب المقدمة هي لاستخلاص العبر وفهم كيفية اشتغال المنظومة السابقة، معتبرا أنّ فهم ما حصل في العهدين السابقين سيساهم في إرساء أسس الانتقال الديمقراطي.

وبين بفون أنّ تزامن جلسة هيئة الحقيقة والكرامة مع التسجيل للانتخابات البلدية في تونس مهم وضروري، لكي يفهم التونسي أن ما يعيشه اليوم هو انتخابات حقيقية، مختلفة عن السابق، وأنها تتم في إطار نزيه وديمقراطي، معتبرا أن التونسي الذي لا ينعم بالحرية ولا يريد ممارسة حقه في التسجيل والانتخاب سيضيع فرصة هامة للتمتع بحقه في الحرية، التي تحصل عليها في 2011، مشيرا إلى أن التصويت واجب وطني وأن على التونسيين أداء هذا الواجب.