بانتهاء الجولة الدبلوماسية الماراثونية لوزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، إلى منطقة الخليج، حيث سجّل 5 زيارات بين ثلاث دول في ثلاثة أيام، بين الكويت والسعودية وقطر، ربما تكون قد افتتحت مرحلة جديدة وطويلة من مفاوضات غير مباشرة، عبر الوسيط الكويتي، للتمهيد لخارطة طريق للتوصل إلى تسوية بين الدول التي تحاصر قطر من جهة، والدوحة من ناحية ثانية. وفي حين يتوقع أن تطول مدة محادثات التمهيد لخارطة طريق، من قبل الكويت، بدعم أميركي، تستمر المنطقة في استقبال المسؤولين الأجانب، الساعين إلى تجميد حملة السعودية والإمارات ومصر على الأقل، طالما أن هذا المعسكر يبدو متعنتاً وممانعاً، حتى الآن، في التجاوب مع المساعي الدولية تحت شعار أن "لا تنازل عن البنود الـ13"، أو الإملاءات التي تقدمت بها دول الحصار، ورفضتها الدوحة بشكل كامل. وفي هذا السياق، يصل، غداً السبت، وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، الذي يقضي 48 ساعة بين السعودية وقطر والإمارات، ودولة الوساطة، الكويت.
وعلمت "العربي الجديد" أن الكويت، "بمساندة أميركية، ستتابع التحضير لخارطة طريق" تم الاتفاق على إعدادها خلال جولات تيلرسون واجتماعاته، التي اختتمها، أمس الخميس، في لقاء ثانٍ مع أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، كذلك مع نظيره محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة، التي غادرها بعد الظهر إلى واشنطن، من دون ظهور أي ترتيبات لعودة قريبة للمسؤول الأميركي إلى المنطقة، على قاعدة أن أمام المسؤولين الكويتيين عمل طويل يقومون به قبل أن تطرأ الحاجة لعودة أميركية قوية إلى الملف. وبحسب مصادر "العربي الجديد"، فإن "الوساطة مستمرة، ويوجد تقدم طفيف في بند واحد وهو بدء البحث في خارطة طريق للخروج من الأزمة". وربما تكون خارطة الطريق مبنية على ما أعلنته المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، هيثر نيورت، مساء الخميس، أي "محاولة إقناع أطراف الأزمة الخليجية بالحوار المباشر مع بعضها"، وهو ما وصفته بـ"الخطوة التالية لحل الأزمة"، مضيفة أن زيارة تيلرسون "حققت تقدّماً محدوداً" في جهود الحلّ. وقالت نيورت للصحافيين إنه "استنادًا إلى اجتماعاته، يعتقد الوزير أن حمل الأطراف على الحوار المباشر سيكون خطوة مقبلة مهمة". وتابعت: "نأمل أن توافق الأطراف على ذلك وسنواصل دعم أمير الكويت في جهود الوساطة".
وكان وزير الخارجية الأميركي قد وصل يوم الاثنين إلى الكويت، وانتقل منها إلى قطر، ثم عاد إليها، ليزور جدة السعودية يوم الثلاثاء، فيبيت مجدداً في الكويت، ويسافر إلى الدوحة أمس. وسجل رئيس الدبلوماسية الأميركية خلال جولته عدداً كبيراً من اللقاءات المعلنة، مع كل من أمير الكويت صباح الأحمد الصباح (أكثر من مرة) ووزراء كويتيين، ولقاءين اثنين مع أمير قطر، وكذلك مع وزير الخارجية، ولقاءات مع كل من الملك سلمان وولي العهد محمد بن سلمان، ووزراء ممثلين عن دول الحصار، السعودية ومصر والإمارات (التي مثلها وزير الدولة للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، وليس وزير الخارجية عبد الله بن زايد)، والبحرين.
حتى وكالة "أسوشييتد برس" اعتبرت في تغطيتها، أمس الخميس، أن هناك "علامات طفيفة للتقدم" كحصيلة لزيارة تيلرسون، مع أنها نقلت عن مسؤولين أميركيين توقعهم أن تطول الأزمة شهوراً. وانطلقت الوكالة في تقديرها من المذكرة الموقعة بين واشنطن والدوحة. وكان لافتاً في لقاءات تيلرسون خلال اليومين الأخيرين لزيارته، أي في جدة وفي الزيارة الثانية إلى الدوحة، تفضيله عدم إجراء مؤتمرات صحافية ولا تصريحات علنية، ليكون المؤتمر الصحافي الذي عقده في الدوحة يوم الثلاثاء، يتيماً، حين أعلن، مع نظيره القطري، عن توقيع الدوحة وواشنطن المذكرة التنفيذية لمكافحة تمويل الإرهاب، والتي اعتبر تيلرسون أنها تعكس تجاوباً قطرياً في هذا المجال. وعقد لقاء على مأدبة غداء مع أمير قطر، أمس الخميس، بحضور الوسيط الكويتي، وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء وزير الإعلام بالوكالة محمد العبد الله المبارك الصباح، قبل توجهه إلى واشنطن. وقال الشيخ محمد بن حمد آل ثاني، شقيق أمير قطر، لدى وداع تيلرسون في مطار الدوحة، إنه يأمل في رؤيته مرة أخرى في ظروف أفضل. وترجمت المواقف التي عبر عنها تيلرسون في الدوحة، الثلاثاء، نوعاً من الدعم الدبلوماسي الأميركي لقطر، وفق وكالة "أسوشييتد برس". كما أن وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون ونظيره الألماني زيغمار غابرييل اللذين زارا المنطقة في الأيام الماضية، أعلنا معارضة بريطانيا وألمانيا للحصار المفروض على قطر. وقد توجه بن عبد الرحمن آل ثاني إلى أنقرة، مساء الخميس، بينما كان نظيره التركي، مولود جاووش أوغلو، يعلن عن قرب الإعلان عن موعد الجولة الخليجية للرئيس رجب طيب أردوغان.
أما بخصوص زيارة لودريان، التي تبدأ غداً السبت، فقالت مصادر دبلوماسية في باريس لوكالة "فرانس برس"، إن الوزير الفرنسي "سيعمل على إعادة بناء الثقة وإيجاد مصالح مشتركة تدفع جميع الأطراف إلى منع تدهور الأزمة"، مضيفة: "علينا أن نجد حلاً". وكان بن عبد الرحمن آل ثاني، قد أجرى اتصالاً هاتفياً مع نظيره الألماني زيغمار غابرييل. وقالت وكالة الأنباء القطرية إنه جرى خلال الاتصال "بحث العلاقات الثنائية وسبل دعمها وتطويرها ومستجدات الأزمة الخليجية وعدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك"، وذلك بعد نحو أسبوع من جولة خليجية قام بها الوزير الألماني في الفترة من 3 إلى 5 يوليو/ تموز الجاري، وزار خلالها السعودية، ثم الإمارات، وقطر، والكويت، ضمن مساعي ألمانيا لحل الأزمة الخليجية. وفي أعقاب الجولة، كشف وزير الخارجية الألماني أن قطر وافقت على فتح كل ملفاتها لاستخبارات بلاده، وأنها "ستجيب على أي سؤال لدينا عن جهات أو أشخاص"، في إشارة على ما يبدو إلى جهات وأشخاص تتهمهم الدول الأربع التي تقاطع قطر بدعم الإرهاب. وفيما بدا أنه رسالة موجهة للدول الأربع التي تتهمها الدوحة بتوجيه مطالب لها تنتهك استقلالها وسيادتها لإنهاء الأزمة، قال الوزير الألماني إنه "لا داعي لمطالب تمس بسلامة دولة قطر واستقلالها".
وفي المعسكر الآخر، قال وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، أمس الخميس، إن قطر "أمام خيارين فقط للخروج من الأزمة". واعتبر، في مؤتمر صحافي مع وزير خارجية سلوفاكيا ميروسلاف لايتشاك، أن "قطر وقعت اتفاقيتين مع دول مجلس التعاون الخليجي إلا أنها لم تلتزم بهما". وقال الوزير الإماراتي إن "منطقتنا عانت بما يكفي وعندما تقرر ذلك دول بحجم السعودية ومصر فنحن متفائلون، وإذا قطر تريد أن تكون عضواً في هذا التحالف، أهلاً وسهلاً، أما إذا قطر تريد أن تكون في الجانب الآخر فكما نقول بالعربية - مع السلامة".
وكانت المنظمة قد دانت، أمس أيضاً، الإجراءات التي اتخذتها الدول الثلاث بحجب وسائل إعلام لها صلات بدولة قطر أو تعتبر متعاطفة معها، ووصفتها بأنها "انتهاك وصفعة لحرية التعبير". وقالت في تقرير نشرته على موقعها الإلكتروني، إن كلاً من السعودية والإمارات والبحرين فرضت عقوبات جنائية بموجب قوانين قائمة ضد من ينتقدون إجراءات تتخذها ضد قطر أو مواطنيها وضد من يعبرون عن التعاطف معها.