ضغوط على السبسي لإعادة العلاقات مع النظام السوري

12 يوليو 2017
السبسي: إعادة العلاقات مرتبطة بالإجماع العربي (باتريك كوفاريك/فرانس برس)
+ الخط -
تواترت في الأشهر الأخيرة محاولات الضغط على الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي لتغيير موقف بلاده من الملف السوري، وإعادة العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري. وجاءت هذه الضغوط خصوصاً من المعارضة التونسية، إذ توجّهت وفود وشخصيات تونسية إلى سورية للاطلاع على الأوضاع هناك، أو حتى للتعبير عن تضامنها مع النظام السوري.
غير أن الجديد هو طرح لائحة برلمانية تطالب بإعادة العلاقات الدبلوماسية التونسية-السورية، تضاربت المواقف البرلمانية بشأنها بين رافض ومؤيد، وانضمت إليها مع كتل المعارضة التي تطالب بذلك منذ مدة، كتلة الحزب الحاكم، "نداء تونس".

وأعلن رئيس كتلة "النداء"، سفيان طوبال، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن حزبه يساند إعادة العلاقات الدبلوماسية مع سورية إلى سابق عهدها، مشيراً إلى أن هذا الموقف ليس بجديد على الحزب وعلى قيادته ومؤسسيه، وتم التصريح به في أكثر من مناسبة وقبل الوصول إلى السلطة. وأضاف أن الحزب يعتبر "قطع العلاقات مع سورية قراراً خاطئاً يضاف إلى حزمة من القرارات الدبلوماسية الخاطئة التي تم اتخاذها في الحقبة السابقة، والتي تعمل الدبلوماسية التونسية حالياً على إصلاحها وتصويبها"، بحسب قوله.

وأكد طوبال أن كتلة "نداء تونس" ستصوّت مع مشروع اللائحة حول المطالبة بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع سورية، و"التي تُعتبر منسجمة مع توجّهات الدبلوماسية الرسمية للبلاد التي تسعى لذلك"، معتبراً أن "تواصل ارتباك العلاقات يعود بالضرر على الجالية التونسية في هذا البلد الشقيق وتضر بمصالحها وحاجياتها، ومن واجب النواب التفكير في مصالح الجالية التونسية في الخارج وفي أي مكان".
وحول اختلاف المواقف، وعدم عرض المسألة على هيئة التنسيق العليا بين كتلتي "النهضة" و"النداء" التي تم الإعلان عنها أخيراً، قال طوبال إن "مشروع اللائحة لا يدخل في إطار العمل التشريعي ومناقشات القوانين، بل يندرج في إطار موقف سياسي للحزب، وهو لا يلزم حركة النهضة في شيء ونحن نحترم مواقفها السياسية ومواقفها المخالفة من مسائل عدة".

وللتذكير فإن حزب "نداء تونس" طرح إعادة العلاقات مع سورية في حملته الانتخابية قبيل 2014، ولكن بمجرد وصول السبسي إلى السلطة اصطدم بالظروف الإقليمية وبمعطيات العلاقات العربية-العربية التي ذهب أغلبها إلى قطع العلاقات، وهو ما دفعه في أكثر من مناسبة إلى التأكيد على أن إعادة هذه العلاقات "مرتبطة بالإجماع العربي"، وأن مصالح الجالية التونسية في سورية يرعاها المكتب القنصلي هناك.
تجدر الإشارة إلى أن مفعول هذه اللائحة حتى إن تمت المصادقة عليها بالفعل، لن تكون إلا محاولة للضغط على السبسي الذي يمكن ألا يستجيب لها، لأن الدستور التونسي الجديد يمنح للرئيس وحده مسؤولية تحديد السياسة الخارجية للبلاد.


وتجد هذه اللائحة معارضة من بعض الكتل البرلمانية، إذ أكد مساعد رئيس البرلمان التونسي، الأمين العام لحزب "التيار الديمقراطي"، النائب غازي الشواشي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، عن تأجيل جديد للجلسة العامة التي كان يُفترض أن تناقش اللائحة المتعلقة بإعادة العلاقات مع سورية، موضحاً أن الأمر يتعلق بتعطل مناقشة مشروع القانون الأساسي الخاص بهيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد وجلسات التوافقات والإشكاليات الدستورية حوله.

وبخصوص موقفه من اللائحة، اعتبر الشواشي أن "لا فائدة تُرجى منها ولا ضرورة لعرضها نظراً لاستمرار قمع النظام السوري لشعبه"، مشيراً إلى أن "عدداً من الدول العربية والغربية تساند الشعب السوري في تحركاته ومحاولته إرساء نظام ديمقراطي، وبلغت مساندتها لإرادة الشعب حد قطع العلاقات الدبلوماسية مع نظام الأسد"، محذراً من وقوع تونس في فخ إعادة العلاقات مع النظام السوري في الوضع الراهن، الذي يُعتبر بمثابة الموقف السياسي الداعم له.
وأكد مساعد رئيس البرلمان التونسي أنه ليس من صلاحيات مجلس النواب التدخّل في الشأن الدبلوماسي لأن القرار الأخير بشأن إعادة العلاقات مع سورية من عدمه، يبقى بيد رئيس الدولة، وهو قرار يرتبط بالتزامات تونس الإقليمية والعربية ويتأنى الرئيس في اتخاذه، على الرغم من تعهده بذلك في برنامجه الانتخابي. وأكد الشواشي ان الكتلة التي ينتمي إليها لن تكون ضد تمرير اللائحة من حيث المبدأ لكنها لن تصوت لصالحها لأنها لن تضيف شيئاً إلى تونس، بحسب تعبيره.

من جهته، قال المتحدث باسم "النهضة"، رئيس لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية في البرلمان التونسي، عماد الخميري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "حركة النهضة تعترض على مشروع اللائحة المطالبة بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع سورية لجهة الشكل قبل الخوض في الأصل، بالنظر إلى أن الموضوع يُعتبر تدخّلاً في اختصاصات وصلاحيات رئيس الدولة بحسب ما تنص عليه بنود الدستور"، مضيفاً أن السلطة التشريعية يجب أن تكون الأحرص على احترام أحكام دستور الجمهورية الثانية.
وأعلن أن "النهضة لا ترى جدوى من وراء هذه اللائحة لجهة محتواها بقدر ما تعتبر أن آلية إصدار اللوائح ذات قيمة برلمانية هي في صلب مسار البناء الديمقراطي"، مشيراً إلى أنه لا يمكن لمجلس النواب من جهة الشكل التدخّل من خلال اللوائح في علاقة بهذا الموضوع بالتحديد الذي يُعد اختصاصاً حصرياً لمؤسسة رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية. وأضاف الخميري: "نحن نلتزم بموقف الدولة التونسية ونحترم مؤسساتها، فرئيس الجمهورية هو المخوّل بتقدير ضرورة إعادة العلاقات حالياً مع سورية، وبحسب القانون فهو ممثّل تونس على المستوى الخارجي ويتولى رسم السياسة الخارجية بمساعدة وزير الخارجية".

وكان رئيس كتلة "النهضة" البرلمانية نورالدين البحيري، قال في تصريح صحافي إن الكتلة تحترم بنود الدستور وأحكامه ولا تريد الخلط بين أدوار المؤسسات تفادياً للفوضى، معتبراً أن المسألة من اختصاص رئاسة الجمهورية ووزارة الشؤون الخارجية وحدهما، باعتبارهما المعنيين بحسب الدستور بالمسائل المتعلقة بالعلاقات الخارجية، وأن أي تدخّل آخر يُعد خطيراً.
ورأى أن "قطع العلاقات مع النظام السوري هو قرار وطني وعربي بُني على معطيات استندت على مدى شرعية النظام واحترامه لحقوق الإنسان، بالنظر إلى ما ارتكبه من جرائم في حق الشعب السوري"، مشدداً على ضرورة احترام التزامات تونس على المستوى العربي والدولي في هذا الإطار. وشدد على أن حركة "النهضة" ترى أنّ رئيس الجمهورية وحده القادر على تقدير إذا ما كان الوقت مناسباً أم لا لإعادة العلاقات مع النظام السوري، أو الاستمرار في قطعها، لا سيما أن تونس هي عضو في جامعة الدول العربية التي اتخذت هذا القرار.

المساهمون