تعذيب اللاجئين السوريين في لبنان: منهج وليس حادثة

01 يوليو 2017
داهم الجيش اللبناني مخيمات اللاجئين السوريين بعرسال (Getty)
+ الخط -





تكرر مشهد الاعتداءات الوحشيّة التي نفذها عناصر الجيش اللبناني على اللاجئين السوريين في بلدة عرسال على الحدود الشرقية مع سورية، أمس الجمعة، مع توقيف حوالى 400 لاجئ سوري بشكل عشوائي، بعد مداهمتين نفذهما أحد أفواج النخبة في الجيش (الفوج المجوقل) لمخيمي "النور" و"القارية" عند أطراف بلدة عرسال، وأسفرتا عن مقتل طفلة سوريّة لاجئة وموت 5 انتحاريين فجروا أنفسهم، وجرح 7 عسكريين لبنانيين بجروح طفيفة.

وهذه هي العملية التي طوت صفحة "العمليات الأمنية النظيفة" للجيش في البلدة، والتي امتدت من تاريخ الاعتداء الجماعي الأول على سكان المخيمات السورية في عرسال، بعد المعركة التي خاضها الجيش ضد تنظيمي "داعش" و"فتح الشام" عام 2014، وحتى يوم الجمعة.

انتشرت سريعاً صور سحل اللاجئين وإجبارهم على التمدد على الأراضي الحجرية القاسية خلال ساعات الظهر بأول أيام فصل الصيف، كما طبعت ظهور لاجئين آخرين أعقاب البنادق والهراوات قبل تجميعهم لإجبارهم على جلوس القرفصاء في حيز ضيق.

وهذا جزء من الممارسات التي انتشرت صورها بشكل أكبر عام 2014، وشملت إحراق ممتلكات اللاجئين السوريين والدوس على الأطراف المتورمة للاجئين المكدسين على الأرض ورمي أدويتهم بعيداً بعد بعثرتها.

وبلغ عدد الموقوفين بعد المداهمتين، اللتين تمتا فجر يوم الجمعة، حوالى 400 لاجئ تم تجميعهم بشكل جماعي ونقلهم بالآليات العسكرية إلى مواقع الجيش في عرسال وخارجها لاستكمال التحقيقات. وهي العملية التي تُجمع تقارير حقوقية دولية على "انتهاج التعذيب خلالها" و"إجبار اللاجئين على الإدلاء بإفادات كاذبة والتوقيع عليها تحت العنف النفسي والجسدي".

وبعكس ما أعلن الجيش عن تنفيذ المداهمات "بناءً على معلومات استخبارية عن تواجد قادة منظمات إرهابية في المخيمين المذكورين"، سرت رواية أخرى داخل بلدة عرسال عن أن "قرار تنفيذ المداهمات اتخذ سريعاً بعد اختطاف مواطن لبناني في البلدة، وترجيح نقله إلى أحد المخيمين بسبب موقعه البعيد عن وسط عرسال". وهو الواقع الجغرافي الذي منع المؤسسات الإغاثية من التعامل مع سكان المخيمين بسبب خطورة الأوضاع الأمنية في المنطقة التي يقعان فيها، واسمها وادي الأرانب.

وفي حين تولى الجيش اللبناني تعذيب اللاجئين بشكل جماعي، تولت وسائل إعلام محلية نقل أخبار مُلفقة عن "اكتشاف مخبأ كبير للأسلحة في أحد المخيمين"، وصولاً إلى "عثور مهندسي الجيش على عبوات كيميائية بين المضبوطات". وهو ما سارعت مصادر متفرقة في قيادة الجيش لنفيه، علماً أن وحدات الجيش حظيت بعد عام 2014 بغطاء للانتشار في كامل بلدة عرسال، لتصبح قرب كل المخيمات فيها، وتتمكن من اتخاذ كل الإجراءات الميدانية اللازمة لحفظ الأمن ومنع تسرب مقاتلين أو متطرفين إلى مخيمات المدنيين.

ورغم تأكيد أهالي بلدة عرسال مراراً أن "انتشار مادة النيترات التي تستخدم لإعداد المتفجرات في البلدة يعود لاستخدامها في مقالع الصخر التي تشكل أحد أبرز الموارد الاقتصادية للعراسلة إلى جانب الزراعة"، واصلت وسائل الإعلام تحويل العثور على أي كمية من المادة الكيميائية إلى مشروع "تصنيع عبوات ناسفة أو أحزمة ناسفة".

وتناقلت مصادر محلية في عرسال أن "فترة تولي قائد الجيش الحالي، العماد جوزيف عون، لقيادة القطعة العسكرية المسؤولة عن الأمن في عرسال وجرودها شكلّت استثناءً تعاطى معه عناصر وضباط الجيش بالحسنى مع أهالي عرسال واللاجئين دون التنازل عن الصلاحية الأمنية والعسكرية الممنوحة لهم". وهو الواقع الذي تغير بعد انتقال عون إلى موقع قيادة الجيش في وزارة الدفاع قرب العاصمة بيروت.

وقد دفعت أحداث يوم الجمعة بالعماد عون للعودة إلى عرسال على متن طوافة عسكرية لمتابعة التطورات الميدانية بشكل مباشر.

المعارضة السورية تستنكر

وقد دفعت المشاهد المروعة لتعذيب اللاجئين المكبلين في عرسال، الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية لإصدار بيانٍ، وصف فيه ما جرى في عرسال بـ"الجرائم التي تطاول اللاجئين". وأدان الائتلاف "حملة الاعتداءات الممنهجة التي وقعت بحق مخيمات اللاجئين والمهجرين، وأسفرت عن استشهاد عدد منهم، واعتقال المئات حيث جرى إذلالهم والتعامل معهم كرهائن لدى الجيش اللبناني ومليشيا حزب الله".

وجدد الائتلاف تحميل السلطات اللبنانية مسؤولية "حماية اللاجئين وسلامتهم ومحاسبة ومعاقبة المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات التي تقع بحقهم، ومنها محاولات تهجيرهم عنوة إلى مناطق أخرى، أو دفعهم للعودة إلى مناطق سيطرة النظام والمليشيات الإرهابية التابعة له".

علماً أن مصادر محلية في عرسال أكدت لـ"العربي الجديد" مشاركة عناصر "حزب الله" المسلحين في العمليات العسكرية، خلال معركة 2014، من خلال القتال المباشر والإسناد المدفعي للجيش، و"قد تم تمويه مشاركة عناصر الحزب من خلال إلباسهم اللباس العسكري للجيش"، بحسب هذه المصادر.

وقد عمل الحزب منذ مطلع العام الحالي بالتزامن مع حديث الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عن إنشاء مناطق آمنة للمدنيين في سورية إلى محاولة عقد اتفاقات مع الجهات الدينية والمدنية التي تمثل لاجئي بلدات القلمون السوري في عرسال، بهدف إعادتهم إلى بلداتهم التي أعاد الجيش السوري إخضاعها لسيطرته بدعم مباشر من الحزب.

وقد اتهم أهالي عرسال الحزب والجيش اللبناني بافتعال أزمة أدت لمنع تفريغ حفر الصرف الصحي للمخيمات من مياه المجارير في محاولة للضغط على اللاجئين للعودة قسرياً. وتم بالفعل مطلع الشهر الماضي إعادة حوالى 500 عائلة لاجئة انتقلت بتنسيق من "سرايا أهل الشام" السورية القريبة من الحزب والنظام السوري والجيش اللبناني إلى بلدتي الطفيل وعسال الورد.

مع تسجيل وزير الداخلية اللبناني، نهاد المشنوق، لاعتراض على شكل إجراء العملية التي تمت برعاية وتنسيق من "حزب الله". حتى أن "جهاز الإعلام الحربي" التابع للحزب كان سباقاً في نقل خبر إتمام عملية انتقال اللاجئين بإشراف عناصره من لبنان إلى سورية.

ولا تزال الأوضاع الأمنية متوترة في عرسال رغم إعلان الجيش عن انتهاء عمليته الأمنية ظهر الجمعة.