طريق العلاقات الأوروبية ــ التركية مسدود... فهل يفتحه الأمن والاقتصاد؟

01 يونيو 2017
أردوغان خلال مشاركته في قمة الأطلسي (ثيري شارليه(/فرانس برس)
+ الخط -
تدهورت العلاقات الأوروبية التركية بشكل ملحوظ خلال الحملة التي قادها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للحشد قبل الاستفتاء الدستوري وبعده، نتيجة الخلاف المستفحل بشأن العديد من الملفات، مما صعّب الحديث عن العودة إلى مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. ووصل الأمر ببعض المسؤولين الأوروبيين إلى القول صراحة إن انتقال تركيا إلى نظام حكم رئاسي كان بمثابة تجاوز الخط الأحمر بالنسبة إلى الكثير من الدول الأوروبية، مما جعل مسألة عضوية تركيا في الاتحاد غير قابلة للبحث.

لكن يسأل البعض لماذا على الأوروبي أن يتقبل الاستفتاء في بريطانيا وفوز دونالد ترامب في الولايات المتحدة بأكثرية بسيطة ويرفض نجاح الاستفتاء في تركيا؟ هناك من يرى أن الاتحاد الأوروبي يراوغ في عملية انضمام تركيا على الرغم من أهميتها الاستراتيجية، على اعتبار أن انضمامها سيكون مقامرة بالنسبة لأوروبا التي تظهر دائماً الكثير من التحفظ والوعود والاعتراضات والاتهامات. ويُعتبر الانضمام سيفاً ذو حدين بالنسبة للتكتل الأوروبي الذي لا يبدو أنه مستعد للتعامل مع بلد مسلم بحسب ما يرى عدد من السياسيين الأوروبيين، وبالتالي يقود هذا الأمر إلى استبعاد عملية الانضمام مقابل إقامة شراكة مميزة مع أنقرة.


ويرى خبراء في الشؤون السياسية الأوروبية أن مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد لم يعد لها مستقبل في ظل هذه الظروف بعد ازدياد الخلافات بين الطرفين، ومنها تلميح أنقرة إلى إعادة العمل بعقوبة الإعدام بعد نجاح الاستفتاء على التعديلات الدستورية. ويتعارض هذا الأمر مع المبادئ الأوروبية حول حقوق الإنسان. كذلك يتشدد التكتل في إلغاء تأشيرات دخول المواطنين الأتراك إلى أوروبا بعدما طلب من أنقرة الاستجابة أولاً لشروط من متطلبات الانضمام، ومن بينها تلك التي تشمل التغيير في قوانين الإرهاب. وهو الأمر الذي تسبب في استياء تركيا ودفعها للتهديد بإنهاء اتفاق الهجرة الموقع في مارس/آذار 2016.

ويضاف إلى ذلك، انزعاج تركي كبير من تراخي الدول الأوروبية مع حزب العمال الكردستاني. وتتهم أنقرة الأوروبيين والألمان تحديداً بالسماح بانتظام أنشطة الحزب الكردي داخل أوروبا. وما زاد الأمر تأزماً بين البلدين، منح ألمانيا حق اللجوء لعدد كبير من الأشخاص المتهمين من قبل أنقرة بالمحاولة الانقلابية الفاشلة العام الماضي بينهم ضباط ودبلوماسيون. وتشير الأرقام إلى أن عدد طالبي اللجوء من تلك الشخصيات وصل إلى 437 شخصاً. وهو الأمر الذي قابلته أنقرة برفضها السماح لنواب من البرلمان الألماني بزيارة جنود بلادهم الـ260 المشاركين ضمن قوات التحالف لمكافحة الإرهاب ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في سورية والعراق والمرابضين في قاعدة أنجرليك التركية. وقد أغضب هذا التطور برلين وحملها إلى التهديد بنقلهم إلى قاعدة موفق السلطي الجوية في الأردن. كما تساهم قضية الصحافي الألماني، دينيز يوجيل، الموقوف منذ فترة على ذمة التحقيق في تركيا على خلفية اتهامه بالتورط بالإرهاب في التوتر بين الطرفين.

أمام هذه المعطيات يرى بعض خبراء شؤون الخارجية الأوروبية أنه يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يتمتع بالشجاعة السياسية ليقول ذلك علناً، وهذا لا يعني كسر الجسور مع تركيا بل التركيز على الاهتمامات المشتركة بين الطرفين، أهمها في مجال الأمن والاقتصاد وعدم التلهي في مفاوضات عبثية.

في المقابل، يرى بعض المحللين أنه يتعين حالياً على الاتحاد الأوروبي الدقة في التعامل مع أنقرة وإثبات براعة التفاوض بدل إبداء العجز والتهديد بقطع مفاوضات انضمامها إلى الاتحاد، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه. أي أن المطلوب التفاوض مع تركيا وليس المواجهة معها، لأن ذلك سيدفعها للتشدد أكثر لتجنح نحو سياسة انعزالية أو لتضع نفسها بين ذراعي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وهذا خطر على الأوروبيين، لا سيما أنه يوجد العديد من الملفات العالقة، منها وضع حد للحرب في سورية ومحاربة الإرهاب وبؤس اللاجئين. كذلك لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن تركيا تملك ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي، وهي جسر تواصل مع آسيا، من دون إغفال الإشارة إلى أن تركيا وقعت عام 2015 على اتفاقيات عسكرية مع روسيا والصين، وهذا بحد ذاته مصدر قلق لأوروبا.

من هنا يعتبر مطلعون على العلاقات الأوروبية التركية أن الاتحاد يمكنه استخدام تأثيره وتوجيه رسائل واضحة إلى أنقرة طالما هي دولة مرشحة للانضمام للتكتل. لكنهم يشددون على أن الخوف يكمن مستقبلاً من تثبيت السلطة في يد شخص الرئيس التركي وضعف الرقابة البرلمانية وغياب معارضة جدية. كما يؤكدون على أهمية عدم إضعاف المبادئ الديمقراطية والدستورية لفصول الانضمام، إنما مراقبة التوجهات التي ستتبعها أنقرة بعد الاستفتاء على الدستور وكيفية تطبيق التعديلات.

من جهة أخرى، فإنهم يعتبرون أن أنقرة قد تتجاوب مع هذا الأمر، انطلاقاً من أن الرئيس التركي، وعلى الرغم من الحيثية التي بات يتمتع بها في منطقة من الشرق الأوسط وتعاظم دوره في بعض الملفات الإقليمية الآنية وانفتاحه على أفريقيا، فإن مصلحته ستبقى في أوروبا أولاً. ويعود السبب في ذلك إلى المصالح المشتركة واتفاقات التعاون التجارية والنظام الجمركي الذي يجمعهما. ويضاف إلى ذلك، أن تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي والمجلس الأوروبي ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبي. كما أنّ من مصلحة أوروبا إقامة حوار قائم على الاحترام المتبادل، مع عدم التشكيك في استمرارية التعاون الاستراتيجي والاقتصادي لأن الروابط مع الاتحاد عميقة.

وعليه، يمكن القول إن الملف الاقتصادي هو الرافعة الأساسية للتعاون بالنسبة للأوروبيين والحلفاء الغربيين مع أنقرة، وهذا بالتأكيد مطلب لدى أردوغان لكونه وعد في تصريحاته الشعب التركي بتحقيق المزيد من الرفاهية، بعد أن بلغت نسبة التضخم أخيراً أكثر من 10% في البلاد. لذا فهو بحاجة لشركاء أوروبيين، بالتالي عليه أن يكون أقل حدية في التعاطي مع أوروبا. وظهر هذا التوجه، أخيراً، في لقاءات أردوغان مع مسؤولي المؤسسات الأوروبية في بروكسل، على هامش قمة حلف الأطلسي. وقد أتبع مشاركته في القمة بتصريحات صحافية أكد فيها أنه اتفق مع الجانب الأوروبي على تطبيع العلاقات بين الطرفين بعدما عانت من أزمة حادة في الفترة الأخيرة. وتحدث أردوغان عن خطة عمل تمتد 12 شهراً بينها تحرير نظام التأشيرات بين الطرفين، واستحصال أنقرة على مساعدات مالية من الاتحاد وفقاً للتعهد الأوروبي في موضوع استقبال تركيا للاجئين على أراضيها. يذكر أن استطلاعات للرأي نشرتهاً أخيراً صحيفة "بيلد" الألمانية بيّنت أن 77 في المائة من مواطني تسع دول أوروبية، بينها ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا والسويد، يعارضون انضمام تركيا إلى التكتل. واعتبروا أنه من المهم أن يقدم الاتحاد على وضع إيضاحات يفيد فيها بذلك.