بدأت مرحلة ما بعد المئة يوم الأولى في رئاسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وإذا كان للممارسة المتواصلة من مؤشر، فإنه من المستبعد أن يتمايز اللاحق عن السابق في مسيرة إدارته. الاستمرار في التقلب يبدو السمة المرجحة للآتي منها، وربما بنتائج أخطر إلا إذا بقيت صمامات الأمان المتواجدة في مواقع مفصلية من إدارته (مثل نائبه مايك بانس ووزير الدفاع جيمس ماتيس)، قادرة على كبح واحتواء التخبّط الذي ما زال يميز رئاسته.
كما أن فريق ترامب التنفيذي في البيت الأبيض بدأ يلمّح إلى شعوره بالإرهاق جراء الضغوط التي يفرضها "وجوب التناغم السريع" مع تغريدات الرئيس المفاجئة والمتقلبة، الأمر الذي يؤدي إلى "صياغة القرارات في آخر لحظة، بحيث تأتي نصفية وغير مدروسة" على حد ما جاء في أحد التقارير، وفق مصادر داخلية.
ومن الأمثلة على ذلك، مسارعة البيت الأبيض أواخر الأسبوع الماضي، إلى طرح مشروع من صفحة واحدة لإصلاح قوانين الضرائب المكدّسة في حوالي 72 ألف صفحة، فقط لأن الرئيس أراد تسجيل مثل هذه الخطوة لتصويرها كإنجاز حصل ولو اسمياً في فترة المئة يوم، قبل نهايتها بـ48 ساعة.
وقد توالت مؤشرات الاستمرارية بصورة لافتة في اليومين الأخيرين، وبصورة أثارت الكثير من الاستغراب، ففي حديثه عن التوتر مع كوريا الشمالية، حذر ترامب من احتمال انفجار نزاع كبير جداً معها، ليعود بعد أقل من 48 ساعة إلى القول بأنه "يشرفه" أن يلتقي بالرئيس الكوري في الظرف المناسب. صيغة الشق الثاني من كلامه والمقطوعة عن السياق، أثارت الحيرة والقلق.
كذلك، كان وقع دعوته للرئيس الفيلبيني رودريغو دوتيرتي، لزيارة واشنطن من دون التشاور مع وزارة الخارجية حسب ما قيل، وبالرغم من الاعتراضات السياسية خاصة في الكونغرس، على ممارسات الرئيس المذكور.
وكانت الدهشة أكبر، عندما أشار في إطار حديثه عن الحرب الأهلية الأميركية، إلى أن الرئيس أندرو جاكسون (1829 –1837) أزعجته تلك الحرب، وأنه كان بإمكانه الحيلولة دون وقوعها، لكن جاكسون المعجب به ترامب، كان قد رحل قبل 16 سنة من وقوع تلك الحرب عام 1861.
إذن، ترامب ينبذ الصحافة لأنه يمقت النقد والتصويب، ولطالما وصفها بأنها "مزيفة" و "عدوة للشعب الأميركي". والاشتباك مع الإعلام جزء من معاركه التي فتحها مبكراً مع مؤسسات النظام، لم يسلم منها حتى القضاء وأجهزة الاستخبارات والنخب السياسية، إذ أعلن التمرد عليها منذ حملته الانتخابية، وبنى خطابه الهجومي ضدها على ركيزتين: أنه لا ينتمي إليها وأنه يعتزم إعادة صياغتها لتمكينها من ترجمة شعاريه ، "أميركا أولاً " و "استعادة مجد أميركا".
لكن بعد أشهر قليلة من رئاسته، اكتشف أن هذه المؤسسات أقوى منه، وأنه لا غنى له عنها لكن في ذات الوقت لا يتراجع عن خطابه ضدها، يوم السبت كرر وصفه للإعلام بأنه "مزور" وبعد يوم أعطى هذا الإعلام عدة مقابلات، وكتب مقالة في "واشنطن بوست".
وفي حين سبق أن طالب ترامب الكونغرس بتخصيص مليار ونصف مليار دولار، كدفعة أولى لبناء الجدار مع المكسيك، إلا أنّ الكونغرس تجاوزه، يوم الأحد، إذ توافق الجمهوريون والديمقراطيون على الشق من الموازنة، الذي يغطي تمويل النفقات الحكومية ولغاية آخر سبتمبر/أيلول المقبل، من دون أي تمويل للجدار.
كل هذه القفزات والمطبات الأخيرة كانت حديث الساعة في واشنطن وموضع تساؤلات منذ نهاية الأسبوع الماضي، والاعتقاد أنها ليست صدفة، بل هي نتاج نهج رئيس "آني"، كما وصفه أحدهم، و"ابن لحظته".
أحد كبار مستشاري بوش الابن، كارل روف، نصحه بالتغيير من خلال "خفض سقف" توقعاته وخطابه، كما بوجوب "انتظام ممارسته والتوقف عن التغريد بالتويتر"، لكن على الأقل حتى الآن، ما زال الرئيس على خطاه ودون تغيير.