سورية: السباق إلى الرقة رهن التوافقات الدولية

02 ابريل 2017
دورية لـ"الجيش الحر" بمدينة الباب بعد تحريرها أخيراً(جواد الرفاعي/الأناضول)
+ الخط -
بدأت قوات "درع الفرات" مرحلة جديدة من عملياتها العسكرية المدعومة تركياً، والتي انطلقت في 24 أغسطس/آب 2016، عقب سيطرتها على مدينة الباب أهم معاقل تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) يوم الخميس الماضي، بعد معارك عنيفة بدأت في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي. وقد سيطرت هذه القوات على بلدتي بزاعة وقباسين، ما يرجح احتمال أن تكون منبج، الخاضعة لسيطرة "قوات سورية الديمقراطية" التي تشكل مليشيات "وحدات حماية الشعب" الكردية عمودها الفقري، هدفها المقبل. وما يعزز احتمالاً كهذا هو أن قوات "درع الفرات" أصبحت على شبه تماس مع المليشيات الكردية التي تنتشر بالقرب من تلك البلدتين.

وكان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قد قال يوم الأحد الماضي، قبيل السيطرة على الباب إنه "بعد هذه المرحلة سنتجه نحو منبج، وفي حال توصلنا إلى اتفاق مع الولايات المتحدة وقوات التحالف الدولي والسعودية وقطر سننتقل إلى تطهير الرقة من قطيع القتلة المسمى داعش"، بحسب تعبيره. وتصر تركيا على انسحاب قوات "سورية الديمقراطية" من مناطق منبج إلى غرب نهر الفرات. وعلى الرغم من إعلان الأخيرة انسحابها إلا أن هذا الانسحاب جاء فقط إعلامياً، إذ إن المجلس العسكري في منبج هو جزء من هذه القوات، في حين تريد تركيا أن تكون منبج تحت سيطرة فصائل مدعومة من قبلها.

وقال الصحافي عدنان الحسين، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "المؤشرات تفيد بأن درع الفرات تتجه إلى منبج والتوجه عبر مناطق سيطرة قوات سورية الديمقراطية باتجاه الرقة، لتقطع مسافة تقدر بنحو 50 كيلومتراً، وهي أفضل الطرق للوصول إلى الأخيرة في حال كان هناك قبول أميركي"، وفق تعبيره. ولفت إلى أن "قيادات عسكرية في درع الفرات أفادت بأنها ستكمل طريقها إلى منبج سلمياً أو عسكرياً، في وقت تتحدث وسائل إعلام تركية عن اتفاق أميركي يقضي بتسليم منبج مقابل ضمان وجود قاعدتين أميركية وبريطانية في سد تشرين"، على حد قوله. وأضاف أن "الخط الفاصل اليوم بين الطرفين هو خط طولي عبارة عن نهر الساجور، وهو لا يعتبر عائقاً لأن أي سيارة ممكن أن تقطعه". وأشار إلى أن "القوات النظامية والمليشيات تتقدم من جهتها جنوب الباب، الأمر الذي يهدف إلى قطع الطريق على درع الفرات للتوجه إلى الرقة في حال اتصلت بمناطق قوات سورية الديمقراطية". وبيّن أن "الأمر يتعلق اليوم بالتفاهمات الأميركية التركية الروسية"، وفق تعبيره.

وسبق أن تحدث عدة مسؤولين أتراك عن المنطقة الآمنة في شمال سورية، والتي تشمل كلاً من الباب ومنبج بمساحة خمسة آلاف كيلومتر مربع، في حين تبقى الرقة وهي "منطقة نفوذ أميركية" بحسب تفاهم سبق أن تحدث عنه وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، لتكون للإدارة الأميركية الجديدة الكلمة الفصل بها. وأمام إدارة الرئيس دونالد ترامب خياران: إما إعطاء الضوء الأخضر لقوات "درع الفرات" بالتقدم باتجاه الرقة عقب إعطائها منبج عبر الضغط على "قوات سورية الديمقراطية"؛ أو الاعتماد على الأخيرة مدعومة بقوات خاصة أميركية للسيطرة على الرقة، علماً بأنها تقترب بشكل متسارع منها، إذ إن كيلومترات عدة تفصلها عن قلب المدينة من عدة محاور، ما يجعل حظوظها أكبر بهذا الشأن.


ورأى الحسين أنه "بعيداً عن منبج قد تقوم درع الفرات بالتقدّم والسيطرة على بلدات تادف ومسكنة والطبقة، والتوجه بعدها إلى الرقة، في طريق يمتد لأكثر من 150 كيلومتراً، وهذا خيار سيكون مكلفاً جداً"، بحسب اعتقاده. أما السبب فيعود إلى أن عناصر "درع الفرات" سيشكلون في هذه الحالة "هدفاً سهلاً لمفخخات وانتحاريي داعش"، وفق قوله. لكنه استبعد أن "لا تدخل درع الفرات في معركة الرقة وتحصن نفسها في ريف حلب وتستعيد السيطرة على مدينة تل رفعت والقرى المحيطة بها شمال غربي حلب، والعمل على تأسيس جيش وطني كجزء من المسار العسكري السياسي المحدد لمستقبل سورية" على حد وصفه. واعتبر أن كل "هذا مرجح في حال حصلت تركيا على مكاسب سياسية وعسكرية على حدودها الجنوبية، وأهمها إنهاء ما تصفه بمشروع الاتحاد الديمقراطي الرامي إلى ربط مناطق الأكراد في الحسكة بعفرين بريف حلب وبالتالي إنهاء احتمال وجود كانتون كردي في شمال سورية"، بحسب ما ذكر الحسين.

في المقابل، نفت القيادات في "قوات سورية الديمقراطية" أن تكون قد توصلت إلى اتفاق مع السيناتور الجمهوري الأميركي، رئيس "لجنة الدفاع" في الكونغرس، جون ماكين، أثناء زيارته القامشلي وعين العرب (كوباني)، يقضي بخروج عناصرها من منبج، والسماح للقوات التركية و"درع الفرات" المشاركة في السيطرة على الرقة عبر الدخول من تل أبيض على الحدود السورية التركية. وقال عضو المكتب الإعلامي في "وحدات حماية المرأة" التابع لـ"سورية الديمقراطية"، نيروز كوباني، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "دخول درع الفرات إلى منبج لن يكون إلا بعد حرب شرسة"، وفق تعبيره. وعن تطورات معركة الرقة التي تخوضها "قوات سورية الديمقراطية"، أكدت القيادات فيها أن "المحور المنطلق من بير هبا في ريف الرقة التقى أخيراً، مع المحور الذي انطلق من ناحية المكمن في ريف دير الزور، وقد أصبحت قوات سورية الديمقراطية قرب سد الطبقة، ومن جهة عين عيسى نحو الشرق تبعد حوالي 6 كيلومترات فقط، وأيضاً من ناحية دير الزور المكمن نحو 20 كم"، وفق قولها. واستبعدت أن تكون هناك "شراكة" في معركة الرقة مع "درع الفرات" التي تبعد حالياً عن الرقة عشرات الكيلومترات في الباب، إضافة إلى عدم وجود توافق دولي إقليمي على مشاركتها، بحسب المعلومات المتوفرة.

وبيّنت القيادات نفسها أن "النظام السوري يتقدم لقطع الطريق أمام الأتراك، وتحديداً قرب دير الحافر وقرى جنوب الباب"، مشيرة إلى أنه إذا ما تقدم أكثر يمكن أن يلتقي مع قوات سورية الديمقراطية جنوب منبج، ما يعني أن الطريق ستغلق حينها بشكل كامل أمام (درع الفرات)"، وفق تأكيد مصادر قيادية في "سورية الديمقراطية".

وفي هذا السياق، قال كوباني إن "القوات النظامية والروس يسعون للوصول إلى دير الزور"، معرباً عن اعتقاده بأن دخول الأتراك إلى الرقة هو قطع الطريق مستقبلاً أمام قوات النظام للوصول إلى هدفها، فضلاً عن أن الرقة أيضاً هي طريق بترول وغاز"، بحسب قوله. وخلص إلى أن "الأميركيين غير موافقين، كما يبدو، على طروحات الأتراك، إذ إن هناك خطة لدعم قوات سورية الديمقراطية وقوات التحالف العربي بشكل أكبر وهذا يؤكد عدم وجود موافقة أميركية إلى الآن على مشاركة تركيا بمعركة الرقة"، بحسب قوله.