تقرير "مدار" الاستراتيجي: "اليمين الجديد" يهيمن على المشهد الإسرائيلي

28 مارس 2017
التقرير يرصد المشهد الإسرائيلي من كافّة أبعاده (العربي الجديد)
+ الخط -
خلص التقرير الاستراتيجي السنوي لـ"المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية" (مدار)، والذي انعقد مؤتمره في رام الله، اليوم الثلاثاء، إلى استمرار هيمنة اليمين الجديد على المشهد الإسرائيلي، ومثابرة خطواته الهادفة لإحكام سيطرته على مفاصل الدولة، ووجهتها المستقبلية.

واستنتج التقرير، والذي أشرف على إعداده باحثون فلسطينيّون مختصّون في الشأن الإسرائيلي، أن التغيرات الدولية والإقليمية، وعلى رأسها صعود قوة اليمين الجديد في أميركا، وانتخاب دونالد ترامب رئيسًا لها، إضافة إلى تصاعد قوة اليمين في أوروبا، واستمرار حالة الفوضى الدموية في العالم العربي؛ مقابل استتباب الوضع الاقتصادي الإسرائيلي الداخلي، أسهمت بشكل كبير في تثبيت حكم اليمين الجديد، وتزايد قدرته على التحكم بمفاصل الدولة والمناورة السياسية الخارجية.

وأشار التقرير إلى أن اليمين الجديد المقصود هو تآلف الأحزاب الحريدية (المتشددة دينيًّا)، والأحزاب المتدينة القومية، والمستوطنين، وأعضاء الكنيست المتطرفين في حزب "الليكود"، والجماعات القومية المتطرفة المنضوية ضمن حزب "إسرائيل بيتنا"، وحركات مثل "إم ترتسو" (إن تشاؤوا) وغيرها، ويتميز عن اليمين التنقيحي التقليدي بنزعته الشعبوية والفاشية، وتمجيد الهوية القومية للدولة اليهودية، واعتبار القوة هي الوسيلة الملائمة الوحيدة لحل الصراعات.


وأشار التقرير إلى أن نزعات اليمين الإسرائيلي الجديد هذه تتقاطع مع النزعة العنصرية والمعادية للمسلمين والغرباء لليمين الأميركي الجديد، والذي دعم صعود ترامب لسدة الحكم، والذي يتميز أيضًا بتمجيد القوة والابتعاد عن الكياسة الدبلوماسية، وكذلك مع حركات اليمين المتطرف في أوروبا التي حلت فيها معاداة الإسلام مكان معاداة السامية التقليدية.

وتستغل الحكومة الإسرائيلية، كما يوضح التقرير، حالة الفوضى التي يسبح فيها العالم العربي، والحرب الدائرة في سورية والعراق، من أجل الترويج للتهرب من إنهاء الاحتلال، وذلك من خلال الادعاء أن المواجهة مع الفلسطينيين هي مواجهة ثقافية وحضارية بين "العالم المتحضر" و"العالم الظلامي"، وهو ما يفسر الإسراع إلى اتهام "داعش" بالعمليات التي قامت بها جهات فلسطينية عام 2016، بزعم أن إسرائيل وأوروبا وأميركا "في خندق واحد أمام قوة إرهابية واحدة".


وأشار التقرير إلى أن حكم اليمين الجديد في إسرائيل، بقيادة بنيامين نتنياهو، ينعكس في ثلاثة محاور أساسية يسعى إلى ضبطها وفق مفاهيمها السياسية؛ هي أولًا الموقف من الاحتلال/الاستيطان: وفي هذه الجزئية، تميز عام 2016 باستمرار محاولات ترسيخ مكانة المستوطنين والمستوطنات ضمن الإجماع الرسمي، وتعدت هذه المحاولات الأدوات التقليدية، من حيث سيطرة الدولة ومنظومتها على أدوات قضم الأرض عبر المصادرة ووضع اليد؛ إلى تبييض سرقة الأراضي على يد الأفراد بشكل رجعي، من خلال تمرير قانون "تسوية" الاستيطان.

أما المحور الثاني، فينعكس من خلال ضبط العلاقة مع الفلسطينيين في إسرائيل على أساس اعتبارهم خارج المواطنة المرغوبة، ومن هنا استمرت حكومة بنيامين نتنياهو، عام 2016، بالتعامل مع الفلسطينيين في الداخل على أساس كونهم مصدرًا للخطر، سواء الأمني أو الديموغرافي، وانعكس الأمر في استمرار حظر "الحركة الإسلامية الشمالية"، والتحريض ضد أعضاء الكنيست من القائمة المشتركة، بالإضافة إلى تمديد العمل بقوانين تستهدفهم، كقانون لم الشمل، واستمرار سن قوانين ذات طابع عنصري. لكن التطوّر الأخطر الذي شهده العام الماضي، كما يعرض التقرير، يتعلّق بتصعيد هدم البيوت، خاصة في النقب، التي شهدت محاولات هدم قرية أم الحيران بهدف إقامة قرية "حيران"، المخططة يهوديةً خالصة، على أنقاضها.


وثالث تلك المحاور يكمن في استمرار محاولات ضبط بنية الدولة باعتبارها يهودية أكثر، وديمقراطية أقل. وقد برز الأمر، بشكل خاص، في استمرار مخططات قوننة البنى والقيم القومية اليهودية للدولة، ومساعي السيطرة على النخب، والتي تشهد تحولًا مستمرًّا باتّحاه بنى استيطانية متدينة ويمينية و"شرقية" صارت تتصدر اليوم المشروع الصهيوني، وتحاول حسم الصراع مع الفلسطينيين عبر مساعي ضم مناطق (ج)، وحسم مستقبل هضبة الجولان، وإبقاء الواقع السياسي للسلطة باعتباره الحل النهائي.

وخلص التقرير إلى أنه على الرغم من التحولات الدولية، واستقرار الأمن القومي الإسرائيلي في المنظور القريب، بسبب انشغال العالم العربي بالصراعات التي تحيق به؛ إلا أن الواقع أيضًا يحمل فرصًا لنقضه، وبذورًا لمقاومته، إذ إن الربط بين إسرائيل و"الترامبية" يعني وضعها في خندق واحد مع حركات فاشية وشعبوية ومعادية لـ"الآخر"، وهو ما يسهّل على حركات المقاطعة وصم إسرائيل بصفتها دولة احتلال عنصرية، ويقض هذا الربط مضاجع إسرائيل، والتي ترى بالعزل والمقاطعة أحد مخاطر نزع الشرعية عنها، علمًا أن إسرائيل تعتبر محاربة العزل والإقصاء أحد المركبات الأساسية في منظورها للأمن القومي، منذ دافيد بن غوريون وحتى يومنا هذا.

وأظهر المبحث الاقتصادي من التقرير استقرار الوضع الاقتصادي في إسرائيل، ومتانة أسواقها، وضخامة الإنفاق على المجالات الحيويّة المختلفة، لا سيما مع بلوغ الميزانية المعدة لعام 2016، حسب قرارات الكنيست في العام المنصرم، 347.7 مليار شيكل، وانخفاض نسبة البطالة إلى حدود 4.8%.

غير أن ذلك، بحسب ما يبيّنه التقرير، لا يتناقض مع ما يلوح في الأفق من إمكانات لتغيير المشهد السياسي في ظل قضايا الفساد التي تلاحق نتنياهو، وإمكانية تقديم لائحة اتهام تنتهي بانتهاء حكومته، إضافة إلى جهود تشكيل أحزاب جديدة لمنافسته، على رأسها ما أعلنه مؤخرًا وزير الدفاع السابق، موشيه يعالون، من نيته التنافس على رئاسة الحكومة، غير أنّ ذلك التغيير يظلّ شكليًّا ومحدودًا بحكم هيمنة المعسكر اليميني على المشهد السياسي برمّته.

(العربي الجديد)