قال خبراء عسكريون عراقيون، اليوم الأربعاء، إنّ القوات العراقية والتحالف الدولي بقيادة واشنطن، انتهجا سياسة "الأرض المحروقة" في معارك الجانب الأيمن لمدينة الموصل، ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، من خلال استخدام الأسلحة الثقيلة والطيران الحربي بشكل مبالغ فيه، ما أدى إلى مقتل وإصابة آلاف المدنيين في شهر واحد.
ويأتي هذا التأكيد، بعد بيانات عدة أصدرتها منظمات إنسانية وحقوقية وجهات محلية عراقية وأعضاء في البرلمان، حذّروا من كوارث إنسانية في الموصل، جرّاء القتال الدائر هناك، كان آخرها من قبل النائب عن الموصل، أحمد الجربا، الذي وصف ما تشهده المدينة، بأنّه "مأساة العصر الحديث".
وقال الخبير العسكري العراقي، وعضو جمعية "المحاربين القدامى"، العميد عبد الصمد الجميلي، لـ"العربي الجديد"، اليوم الأربعاء، إنّ "القوات العراقية والتحالف الدولي استخدما ترسانة عسكرية ثقيلة، اعتمدت على الكثافة النارية والقصف الجوي، قبل التقدّم إلى أيّ منطقة".
وأوضح الجميلي أنّ "هذه السياسة هي السبب وراء سقوط آلاف الضحايا، والدمار في الساحل الأيمن للموصل، بشكل أكبر بكثير من ساحلها الأيسر". وأضاف "بدلاً من أن تنتهج القوات المهاجمة خطة أفضل لتجنّب الخسائر، اعتمدت سياسة حرق الأرض، ومسح المناطق بالقصف قبل التقدّم إليها".
وأضاف "وسط هذه الفوضى العارمة، فإنّ القوات العراقية محتمية غطاء جوي من طيران التحالف الدولي، تستخدم أسلحة غير نقطوية كالمدفعية الثقيلة ومدافع الهاون وراجمات الصواريخ وحتى صواريخ أرض- أرض، ما يعني في العرف العسكري استخدام سياسة الأرض المحروقة".
وتستخدم صواريخ أرض- أرض قصيرة المدى، وصواريخ "غراد" و"كاتيوشا"، ومدفعية ثقيلة ومدافع هاون، بشكل يومي، لقصف الأحياء السكنية في الجانب الأيمن، فضلاً عن القصف الجوي بطائرات "F16"، و"B52"، والمروحيات العراقية روسية الصنع.
وفي وقت سابق هذا الأسبوع، وصفت هيئة "علماء المسلمين في العراق"، في بيان، العمليات العسكرية الجارية في الموصل، بأنّها "إبادة جماعية ومجازر، نتيجة صراع طرفي القتال"، مؤكدة أنّ "سياسة الأرض المحروقة دمّرت الموصل إنساناً وحضارة وتاريخاً ومجتمعاً، وتجري بتعتيم إعلامي مطبق، تنفّذ لأسباب طائفية وعقابية لسكان المدينة".
وأدّت المعارك، حتى الآن في الموصل، إلى مقتل وإصابة ما لا يقل عن 3 آلاف مدني، غالبيتهم نساء وأطفال، وفقاً لتقارير محلية مختلفة، بينما تتجنّب حكومة بغداد الإفصاح عن القتلى المدنيين جرّاء المعارك.
وأكدت تقارير سابقة في بغداد، سعي الحكومة وواشنطن إلى استعادة الموصل بشكل كامل، قبيل الذكرى الرابعة عشرة لغزو العراق، والتي تصادف التاسع من أبريل/نيسان المقبل.
ونقلت تقارير أولية، عن مسؤولين في قائمقامية الموصل، أنّ حجم الدمار في الموصل بلغ 60%، وشمل تدمير عشرات المراكز الصحية والمدارس والبنايات العامة، بينها 200 مدرسة، وخمسة معاهد، و32 مركزاً صحياً، وخمسة جسور، ونحو 55% من الطرق، وثلاث محطات للكهرباء، وسبع محطات للمياه. لكنّ هذه التقارير لاتزال أولية، في ظل استمرار المعارك والقصف الجوي والبري على الموصل، ما يعني أنّ نسبة الدمار مرشحة للارتفاع يومياً، بسبب ضراوة المعارك.
ويقول عسكريون إنّ "الطريقة التي تتّبعها القوات العراقية في الجانب الأيمن، تتضمّن تدمير كل ما يعترض القوات العراقية من بنايات ومنازل، ويلي القصف توغل للمشاة، على خلاف ما جرى في الجانب الأيسر بطريقة العزل والتطويق، لأنّ الحرب في الجانب الأيمن تحوّلت إلى حرب شوارع يسبقها قصف شديد ومكثف جداً".
ونشر ناشطون مقاطع تسجيلية لقوة من الشرطة الاتحادية، على مشارف الجانب الأيمن للموصل، تقوم بقصف الأحياء السكنية براجمات الصواريخ، وصواريخ أرض- أرض قصيرة المدى، شديدة التدمير، ما اعتبره مراقبون استهانة بأرواح المدنيين المحاصرين في المدينة.
وفي ما يخص الخسائر البشرية بين المدنيين المحاصرين في الجانب الأيمن، يقول ناشطون من الموصل، إنّ ما بين 50 و60 مدنياً، يلقون مصرعهم يومياً، أغلبهم نساء وأطفال، بسبب القصف الجوي والبري المكثف.
وأكد العقيد الركن سامي فيصل الجنابي، لـ"العربي الجديد"، أنّ "وجود مئات الجثث تحت الأنقاض في الموصل، دليل لا يحتاج إلى شرح على أنّ المعركة نُفذت بخطة تقوم على حرق الأرض، مقابل السيطرة على الأحياء السكنية، وبدعم دولي".
وأوضح الجنابي، أنّه "لم يسلم من القصف حتى المدنيون الفارون، الذين لاحقتهم الصواريخ وقذائف المدفعية، واضطر الكثير منهم إلى نقل جثث قتلاهم من النساء والأطفال في عربات خشبية، حتى لا تأكلها القطط والكلاب، إذا تُركت في شوارع وأزقّة المدينة، لعدم قدرتهم على دفنها هناك بسبب كثافة القصف".
وفي الوقت نفسه، لا يسمح تنظيم "داعش" للمدنيين بمغادرة المناطق التي ما زال يسيطر عليها، ما يجعلهم عرضة للقصف الجوي والبري، فضلاً عن استخدامه السيارات المفخخة داخل الأحياء السكنية التي توغلت فيها القوات العراقية.