زيارة ميركل الأولى لواشنطن بعهد ترامب: رحلة إلى المجهول

17 مارس 2017
مجسم لترامب خلال كرنفال في ألمانيا (توماس لوسن/Getty)
+ الخط -

تتجه الأنظار إلى اللقاء الأول، الذي سيعقد اليوم الجمعة، بين المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، والرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في واشنطن، لما يحمله من أهمية سياسية واقتصادية لكل من أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، انطلاقاً من أجندة واضحة تحملها ميركل، تتضمن مستقبل اليورو والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي واتفاق التجارة الحرة، مع ما يرافق هذا الأمر من توترات لا تزال تخيم على العلاقات بين الطرفين.
ويبدو واضحاً أن المسؤولين الأوروبيين يترقبون، بكثير من الحذر، النتائج التي ستؤدي إليها المباحثات بين الزعيمين، انطلاقاً من أن المستشارة وافقت على الزيارة بصفتها ممثلة للاتحاد الأوروبي، وفي ظل التساؤلات التي تطرح لناحية القدرة على إثبات مدى الصداقة بين أوروبا وأميركا، وعما إذا كانت هناك إمكانية لترميم العلاقة. وكان ترامب قد كسر القيم المشتركة في خطاباته، وانتقد ميركل علناً، واصفاً سياستها تجاه أزمة اللجوء بالكارثة. واستكمل هجومه باتهام ألمانيا بإثراء نفسها، عبر استخدام واستغلال الاتحاد الأوروبي واليورو على حساب الدول الأخرى، كما تهديده بفرض تعرفات عقابية على الواردات الألمانية، والتلويح باتفاقيات تجارة حرة ثنائية مع بريطانيا ودول شرق أوروبا.

وفي هذا الإطار، يقول خبراء في الشأن السياسي الألماني إن المستشارة أتقنت التعامل مع زعماء الدول القوية والصعبة، وهي تدرك الآن التوجهات العامة لسياسات ترامب الأمنية والاقتصادية والسياسية، مع تأكيدهم على الاختلاف في شخصية الزعيمين وطريقة مقاربتهما للملفات الشائكة. ومن هذا المنطلق تحمل الزيارة أهمية خاصة وحساسة في الوقت ذاته. ولا يمكن إغفال ما سبق أن أعلنه الرئيس الأميركي لجهة ترحيبه بتفكك الاتحاد الأوروبي وخروج بريطانيا منه، ما يعني أن الزيارة ليس بالضرورة أن تكون ناجحة. مع العلم أن منسق الحكومة الألمانية للعلاقات عبر الأطلسي، يورغن هارت، أوضح أخيراً، في مقابلة له مع وكالة الأنباء الألمانية، أن الهدف من الزيارة هو بناء الثقة، ومواصلة الحوار البناء الذي بدأته المستشارة، الشهر الماضي، مع نائب الرئيس الأميركي، مايك بنس، على هامش مؤتمر ميونخ للأمن. كما والتأكيد لترامب أنه بالإمكان الحديث عن الاختلافات على أساس الشراكة، وليس عبر المواجهة. وأمل هارت أن تؤكد ميركل لترامب التزامها بقرار حلف شمال الأطلسي زيادة نفقات الدفاع بين كافة الدول الأعضاء في الحلف إلى نسبة 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لكل دولة بحلول العام 2024.

في المقابل، يرى خبراء سياسيون أوروبيون أن نتائج الزيارة فيها الكثير من المخاطر على الرئيس الأميركي إذا ما كان هناك تعنت في المواقف بين الجانبين، لأن ترامب يعاني أساساً من صعوبة في التعامل مع ملفات حساسة أخرى، منها مع كوريا الشمالية وبناء جدار المكسيك والوعود بإصلاح نظام الرعاية الصحية، ومن مصلحته إيجاد فرص عمل لمواطنيه، وبالتالي فهو يحتاج إلى استقرار في ظل هذه الفوضى، ولعلاقات جيدة مع حلفاء أميركا القدامى، مثل ألمانيا والمملكة المتحدة وكندا واليابان. وذهب مراقبون في رأيهم إلى أبعد من ذلك، معتبرين أنه قد يكون للزيارة والاجتماع تأثير كبير على السياسة الداخلية الألمانية والحملة الانتخابية، وربما تكون ورقة رابحة لميركل، وخصوصاً أن المرشح المنافس للمستشارة، الاشتراكي مارتن شولتز، كان هاجم ترامب ووصفه بأنه خطير للغاية على الديمقراطية.

وفي الملف الاقتصادي، يقول خبراء اقتصاد ألمان إن هذا الملف سيكون له الحيز الأكبر خلال المباحثات، كون ترامب يعتبر أن ألمانيا منافس اقتصادي رئيسي لأميركا، في ضوء الأرقام الذي يحققها الفائض التجاري الألماني. وهنا يرون أن هناك فرصة للتوضيح لترامب، كونه سيرافق ميركل رؤساء تنفيذيون لأهم الشركات الألمانية، بينهم "سيمنز" والمجموعة الهندسية "شايفلر" و"بي أم دبليو"، أن شركات صناعة السيارات ليست مجرد منافسة للشركات والعمال في أميركا، لكنها أوجدت عشرات الآلاف من فرص العمل الرفيعة المستوى في الولايات المتحدة، وأن مصنع "بي أم دبليو" في النهاية موجود في ولاية كارولينا الجنوبية، ومن مصلحة البلدين المضي قدماً في توطيد العلاقات على كافة المستويات. كذلك ستكون على طاولة البحث أمور عدة، منها الحديث عن مدى أهمية الاتحاد الأوروبي، وكيف تسير الأمور بين دوله، وإفهام الجانب الأميركي أيضاً ضرورة وضع حد للانتقادات التي تطاول برلين واحترام قوتها الاقتصادية، وإقناع ترامب بأن الحمائية والحرب التجارية ستضر الجميع في النهاية. ويتم الحديث عن أن المستشارة ستقارب مع الرئيس الأميركي جعل نظام التعليم مزدوجاً، كما في ألمانيا، والاعتماد على التدريب المهني في الشركات والمدارس المهنية، والتأكيد له أنه من الأهمية بمكان الحد من الحواجز التنظيمية الضريبية وتعزيز التجارة بين البلدين. مع العلم أن الاستثمار المباشر بين البلدين بلغ 224 مليار يورو، ويعمل أكثر من 640 ألف شخص في الشركات الألمانية في الولايات المتحدة، وبالتالي فإن الأسواق الأجنبية هامة أيضاً للسوق الأميركي. كما بلغت التجارة الثنائية 170 مليار يورو في العام 2016، ناهيك عن أن الولايات المتحدة وجهة مهمة للألمان، إذ يزورها سنوياً نحو 2.2 مليون ألماني.


وفي هذا الصدد، يرى المراقبون أنه بات من الضروري تحذير الجانب الأميركي من استخدام التهديد والقوة لتخويف خصمه، وفقاً لمبدأ ريادة الأعمال، القائمة على عقد الصفقات للحصول على تنازلات، كما والحصول على إيضاحات عن النظرة إلى البنية الأمنية الأوروبية والتعامل مع روسيا في ضوء الإشارات المتضاربة لحكومة ترامب حالياً، وموقفها من الصراع في أوكرانيا وجهودها الدبلوماسية من أجل وقف الحرب في سورية.
في المحصلة، يؤكد العديد من الخبراء في الشؤون الأوروبية أنه مع الرئيس الأميركي العتيد ترامب، قوضت سلطة أميركا، وتعثرت الثوابت السابقة، ولم يعد واضحاً الدور الذي من الممكن أن تؤديه الولايات المتحدة في العالم، سواء مع المجتمع الغربي أو قيمه المشتركة، وما إذا كانت سلطة وأخلاقيات ترامب ستحظر الدخول في حروب تجارية، في وقت يغازل فيه الحكام المستبدين. ولا عجب بعدها من تراجع سمعة هذا البلد على الإطلاق. وأشاروا إلى أنه يجب ألا ننسى أن هناك الملايين ممن لم يصوتوا لترامب، واحتج الكثيرون منهم في الأسابيع والأشهر الماضية ضد سياساته القائمة على الكثير من التناقضات، إلا أنهم لفتوا إلى أن هذا الواقع لن يغير شيئاً، وترامب سيحكم لأربع سنوات، وربما ثماني سنوات، وإجراءات الاتهام من أجل الإقالة مستبعدة جداً، والعملية معقدة من الناحيتين القانونية والعملية.