أستانة بلا نتائج: الخلافات تهدد مفاوضات جنيف

17 فبراير 2017
رفضت المعارضة أي دور لإيران في سورية(ستانيسلاف فيليبوف/فرانس برس)
+ الخط -



لم تنجح اجتماعات "أستانة 2" التي شهدتها العاصمة الكازاخية، أمس الخميس، في التوصل إلى اتفاقات بين المعارضة السورية والنظام، وخرجت من دون التوقيع على أي وثيقة لمراقبة وقف إطلاق النار، في ظل خلافات حول الدور الإيراني بمراقبة وقف إطلاق النار، وعدد المعتقلين المنوي الإفراج عنهم، وهو فشل قد يمهد لنتيجة مماثلة في مفاوضات جنيف 4 المرتقبة بعد أيام، مع استمرار خروقات النظام وروسيا لوقف إطلاق النار.
وبدا منذ انطلاق الاجتماعات التي تأخرت يوماً، بعدما كانت مقررة الأربعاء، أن صعوبات عديدة تقف في وجهها، وهو ما عبّر عنه النظام وإيران بشكل واضح، على الرغم من أنباء كانت تنتشر عن توقيع بروتوكول لمراقبة اتفاق وقف النار وتسجيل الخروقات، بدا أن روسيا لم تهتم لتوقيع المعارضة والنظام عليه.
واختتمت الاجتماعات من دون الإعلان عن توقيع المعارضة والنظام على أي بروتوكول. وأعلن مبعوث الرئيس الروسي الخاص للتسوية في سورية، ألكسندر لافرينتيف، أن الحوار السوري-السوري المباشر لا يزال بعيداً والثقة معدومة بين الطرفين. وقال لافرينتيف في مؤتمر صحافي عقب اختتام لقاء أستانة: "قررنا الاكتفاء بإجراء مناقشات فقط في هذا اللقاء من دون بيان ختامي"، مضيفاً أن "منصة أستانة لا تقتصر على المسائل العسكرية وسيتم التطرق للمسائل السياسية إذا لزم الأمر". وأعرب عن أمله بنجاح لقاء جنيف، متابعاً: "أرى أن كل مشاورات أستانة يجب أن تكون أساساً وقاعدة لصيغة جنيف". وتطرق لافرينتيف إلى مسألة مشروع الدستور السوري، موضحاً أنه إلى جانب الإصلاحات السياسية تمت مناقشة المسألة بشكل عام.
من جهته، أعلن رئيس وفد المعارضة المسلحة محمد علوش، في مؤتمر صحافي بعد الاجتماعات، "أننا تلقينا تعهداً روسياً فورياً بتوقف القصف في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة"، كاشفاً أن "الروس اقترحوا تقديم أسماء مائة معتقل لدى النظام للإفراج عنهم"، معتبراً هذا الإجراء "غير منطقي أمام الآلاف من المعتقلين، لكن سندرسه ونرد عليه بشكل رسمي". وأعلن علوش، في مؤتمره الصحافي وفق ما نقلت وكالة "روسيا اليوم"، أن "المعارضة قررت استكمال التفاوض في أنقرة لوضع آلية محددة للإفراج عن المعتقلين، وأكدنا على تشكيل لجنة للمراقبة تضم روسيا وتركيا ودولاً عربية، ورفضنا أي دور لإيران في سورية"، مضيفاً: "نرفض الدور الإيراني في سورية جملة وتفصيلاً". وأشار علوش إلى أن وفد المعارضة خاض مفاوضات شاقة مع الجانب الروسي على مدى 4 ساعات.
من جهته، اتهم رئيس وفد النظام بشار الجعفري، الوفد التركي والمعارضة، بمحاولة عرقلة المفاوضات من خلال رفض الموافقة على بيان ختامي. وقال الجعفري إن مقاتلي المعارضة وداعميهم الأتراك لديهم ما وصفها بـ"النية الواضحة لعرقلة اجتماعات أستانة"، وإنه يجب على أنقرة سحب قواتها من سورية وإغلاق حدودها في وجه المقاتلين المتشددين إذا ما أرادت أن تكون ضامناً حقيقياً لوقف إطلاق النار، مضيفاً أن تركيا لا يمكنها أن تؤدي "دور مشعل الحرائق ورجل الإطفاء في وقت واحد". واعتبر أن وصول وفد تركي منخفض المستوى مع المعارضة "في آخر يوم من المحادثات في أستانة يشير أيضاً إلى غياب الجدية لديهم للمشاركة في المحادثات"، فيما كان رئيس الوفد الإيراني، حسين جابري أنصاري، يتحدث عن صعوبات في الاجتماعات، ملقياً اللوم على المعارضة.


وسبق ذلك تداول مسودة بروتوكول حول آلية لتسجيل انتهاكات نظام وقف إطلاق النار، تؤكد الالتزام بالاتفاقيات السابقة وإعداد خرائط تلحق بالبروتوكول خلال 15 يوماً من توقيع الضامنين عليه، تحدد خطوط التماس بين الأطراف ومناطق نفوذ كل طرف، مع الإشارة إلى "الاستمرار في العمليات القتالية ضد "داعش" وجبهة النصرة، والمجموعات الإرهابية الأخرى في مناطق سيطرتهم". وتحدثت المسودة عن الإجراءات التي تُعتبر خرقاً لاتفاق وقف النار، كما أعلنت "العمل على تحقيق إجراءات بناء الثقة والإفراج عن المعتقلين تعسفياً وبالدرجة الأولى النساء والأطفال وتبادل الأسرى والجثث".
وكان مستشار "الجيش السوري الحر" والمتحدث باسم وفد المعارضة المسلحة، أسامة أبو زيد، قد قال في تصريح صحافي يوم أمس الخميس، إن "الأمور يبدو أنها غير منظمة بين الضامنين، والموضوع لا يزال في نقاش"، مضيفاً "واضح أن هناك خلافاً حول الأجندة، وبين الدول الضامنة حول جدول الأعمال، وهذا الخلاف يرخي بظلاله على بدء الاجتماعات". واتهم أبو زيد روسيا بعدم جديتها، قائلاً إنه "حتى الآن لا توجد جدية من قبل الروس لتحقيق شيء من أستانة". وأكد الفصل بين أستانة وجنيف 4، قائلاً إن "اجتماعات أستانة ناجمة عن اتفاق أنقرة الذي هو أساساً كان هدفه وقف إطلاق النار، وتأمين هدنة إنسانية للسوريين".
وقال مصدر مطلع، لـ"العربي الجديد"، من أستانة، إن "المباحثات اقتصرت على مسألة وقف إطلاق النار ولم يكن هناك لقاء مباشر مع وفد النظام"، موضحاً أن "وفد المعارضة تأخر في الدخول إلى القاعة نحو 45 دقيقة عقب دخول وفود الدول الراعية، إذ لم تدخل المعارضة إلا بعد أن تلقت ضمانات بعدم نقاش أي مسألة سياسية وتحديداً الدستور".
جاء ذلك فيما كان رئيس النظام السوري بشار الأسد يؤكد أن سلطاته هي التي تتخذ القرارات في البلاد، وليس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وقال في مقابلة تلفزيونية بُثت أمس، إن الروس لم يفعلوا شيئاً أبداً من دون أن يتشاوروا مع السوريين. لكنه أقر بأنه لولا الدور الروسي لكان الوضع في سورية اليوم أسوأ. وتابع الأسد أنه لا يعرف ما إذا كان النظام السوري سيصمد أم سيسقط من دون إطلاق العملية العسكرية الروسية في سورية، مؤكداً أن الدعم الروسي أدى دوراً حاسماً في إضعاف تنظيمي "داعش" و"جبهة النصرة". وشدد على أنه "لا يمكن للغرب أن يقرر من سيكون أفضل بالنسبة لسورية، بشار الأسد أم تنظيم داعش الإرهابي".
وترافق اجتماع أستانة مع مواصلة الطيران الروسي وقوات النظام والمليشيات الموالية لها أعمالها العسكرية وحصارها آلاف السوريين، في درعا والغوطة الشرقية ومضايا والزبداني، وحي الوعر الحمصي وريف حمص الشمالي وإدلب. وأفاد ناشطون معارضون بأن "قصفاً مدفعياً وصاروخياً استهدف بلدة تل شهاب وبصرى الشام والغارية الغربية ومعربة وابطع، في ريف درعا من قِبل قوات النظام والمليشيات الموالية له، في حين استهدفت أحياء درعا البلد بـ3 صواريخ أرض-أرض". ودمّر القصف ستة مستشفيات في المحافظة، منذ بدء المواجهات قبل خمسة أيام، من أبرزها مستشفيات صيدا والنعيمة والجيزة، ومستشفى درعا البلد الذي جُرح ستة من العاملين في المجال الصحي فيه بالقصف. وكان مجلس مدينة درعا المحلي قد أعلن أن المناطق التي تسيطر عليها المعارضة هناك مناطق منكوبة بالكامل، فيما طالب المدارس بإيقاف الدوام نظراً لكثافة القصف وحفاظاً على سلامة الطلاب.
كذلك قالت مصادر محلية في حي الوعر الحمصي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "قوات النظام استهدفت أمس الخميس منازل المدنيين داخل حي الوعر، بقذائف الدبابات، ما أدّى إلى مقتل مدنيين اثنين وإصابة آخرين بجروح، إضافة إلى حدوث أضرار مادية في ممتلكات المدنيين". وكان حي الوعر قد تعرض لقصف بالطائرات الأسبوع الماضي، ما أسفر عن مقتل أكثر من عشرين مدنياً وإصابة العشرات، على الرغم من سريان اتفاق أنقرة لوقف إطلاق النار، وتوقيع أهالي الحي هدنة مع النظام. كما قُتل مدنيان وأصيب آخرون، جراء قصف بالبراميل المتفجرة نفّذته مروحية تابعة للنظام على بلدة الهبيط في ريف إدلب الجنوبي.