حزب "المؤتمر" اليمني بعد مقتل صالح: انقسام وصراع القيادة

10 ديسمبر 2017
مصير حزب صالح مهدّد بالانقسام (محمد حويس/فرانس برس)
+ الخط -




تبعات سياسية متعددة خلّفها رحيل الرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح، فعلى مستوى الحزب الذي كان برئاسته، "المؤتمر الشعبي العام"، أكبر الأحزاب اليمنية، والحاكم لعقود ماضية، برز الفراغ الذي تركه رحيله، بالصراع على قيادة الحزب، بين "الشرعية" التي باتت الأحق بوراثة صالح، وبين تيار مقرب من نجله الأكبر أحمد، ساعٍ لإبرازه، فضلاً عن القسم المتبقي تحت سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، الساعية بدورها لتنصيب قيادة موالية لها في صنعاء.

وكشفت مصادر سياسية يمنية، لـ"العربي الجديد"، عن "صراع محتدم داخل قيادة حزب المؤتمر، تحديداً تلك التي كانت قريبة من صالح أو بقيت على الحياد، وبين قيادة الشرعية، التي ترى أن حزب المؤتمر، يجب أن يمضي، بقيادة الرئيس عبدربه منصور هادي، على غرار ما كان قبل مقتل صالح، إذ كان الموالون للشرعية، قد نصبوا قيادة له خارج البلاد، في مقابل فصل الرئيس هادي والموالين له في صنعاء".

ووفقاً للمصادر، فإن "قسماً من حزب صالح يسعى لتصعيد نجله الأكبر أحمد، المتواجد في الإمارات، ليقوم بدور سياسي في المرحلة المقبلة، وسط أنباء عن دعم يتمتع به هذا الخيار، من أبوظبي والرياض اللتين خسرتا الانتفاضة التي كان صالح قد دعا إليها قبل مقتله بيومين، غير أنهما كسبتا بالمقابل، بأن أصبح جزء غير قليل من الموالين لصالح وحزبه، خصماً للحوثيين، في المعركة المستمرة". كما أعربت مصادر قريبة من الشرعية عن "خشيتها من التوجه الذي يسعى لتصعيد نجل صالح، أو يخلق من المؤتمر، أكثر من جناح تتوزعه الأطراف الرئيسية الفاعلة في البلاد".

وكان رئيس الوزراء اليمني أحمد عبيد بن دغر، كشف في تصريحات أطلقها مساء الجمعة الماضي، عن جانب من الصراع الدائر، حول قيادة الحزب الذي يبدو أن مصيره الانقسام، فأشار بن دغر، الذي كان يشغل منصب نائب رئيس الحزب قبل انشقاقه وتأييد الشرعية، إلى أن "انتفاضة صالح، وحدّت الحزب". وأشار إلى "وجود طرف يرفض الاعتراف بالشرعية"، قائلاً إن "الساعي لتقسيم وتمزيق المؤتمر، هو من لا يريد أن يعترف بشرعية عبدربه منصور الشرعية المنتخبة، شرعية يحارب العرب لإعادتها إلى صنعاء، فتحت أي راية ستقاتلون"؟

وأضاف بن دغر أن "كل خطوة نحو تقسيم المؤتمر، هي خطوة أخرى نحو المجهول، سينهار الحزب بسبب جهلنا، وعواطفنا غير الرشيدة"، مشيراً إلى أن "المعركة مع الحوثيين وليس مع هادي". وأضاف أن "من يراها معركة مع الأخير فقد جهِل. ونحن نحتاج اليوم إلى وحدة سياسية وعسكرية واستراتيجية تستعيد وطن مايو/أيار (أي اليمن الموحد عام 1990)".



وجاءت تصريحات بن دغر، بعد أن برز الصراع بين القيادات التي ترى أن "المؤتمر" يجب أن يسير خلف قيادة الرئيس الشرعي هادي، وبين أخرى ترى إيجاد قيادة جديدة للمؤتمر، لخوض "المعركة" مع الحوثيين، ولكن من دون دعم واضح للرئيس هادي. وعلى ضوء ذلك، ظهرت ثلاث قنوات فضائية باسم "اليمن اليوم" التابعة لحزب صالح، الأولى هي القناة التي استولى عليها الحوثيون في صنعاء، قبل أسبوع، وباتت تبث دعاية للجماعة، والثانية أسسها تيار في حزب صالح موجود في العاصمة المصرية القاهرة، وبثت بيان نجل صالح بنعي والده، أما الثالثة فقد ظهرت بالاسم والشعار نفسه، لتبث مواد تلفزيونية مؤيدة للرئيس هادي.

وجاء كل ذلك في وقتٍ بات فيه مصير أغلب قيادات حزب صالح في العاصمة صنعاء مجهولاً، أو تحت الإقامة الجبرية، في ظل أنباء عن سعي الحوثيين إلى إقناع قيادات في صنعاء، بتصعيد قيادة جديدة للحزب، من الموالين لها، أو على الأقل، لا تقف ضدها. وكان الحوثيون، ومن خلال أكثر من تصريح لقيادات في الجماعة، أكدوا أن "معركتهم ليست مع المؤتمر بقدر ما كانت مع صالح"، الذي يصفونه في وسائلهم الإعلامية بـ"زعيم مليشيا الخيانة".

وأياً تكن التفاصيل المتعلقة بانقسامات حزب المؤتمر، فالمؤكد أن رحيل مؤسسه ورئيسه منذ تأسيسه في عام 1982، ترك فراغاً كبيراً جعل من انقسام الحزب أو تحوله إلى حزب هامشي، أمراً هو الأقرب إلى التوقعات، ذلك لأنه الحزب الذي ارتبط بالسلطة وبرجالها، وبقيت قوته وتأثيره بعد خروجه كحزب حاكم وحيد إلى شريك مع أحزاب أخرى، كونه الحزب الأكبر مع بقاء رئيسه بما كان يمثله من نفوذ على أكثر من صعيد. وكان حزب صالح تأسس كحزب وحيد في الشطر الشمالي لليمن، عام 1982، وتألف من لفيف من رجال السلطة ومن المنتمين لتيارات يسارية وإسلامية، إلى عام 1990. وكان الحزب هو الطرف الشمالي الذي وقع اتفاق الوحدة مع الحزب الاشتراكي اليمني (الحاكم جنوباً إلى ذلك التاريخ)، ثم دخل الاثنان (المؤتمر والاشتركي)، بشراكة مرحلة انتقالية، عقب الوحدة، حتى أقصى الأول الأخير خلال حرب صيف عام 1994، ومنذ ذلك تربع المؤتمر حزباً حاكماً وحيداً حتى عام 2011، باستثناء سنوات معدودة من الشراكة مع حزب الإصلاح بين (1994 و1997).

منذ عام 2011، انقسم حزب صالح، بانشقاق عدد غير قليل من القيادات والمسؤولين الحكوميين وتأييدهم للثورة، ثم انقسم خلال المرحلة الانتقالية بعد نقل السلطة، بين صالح الذي حافظ على منصب رئيس الحزب، وبين عبدربه منصور هادي الذي تسلم رئاسة الجمهورية، وظل يشغل منصب نائب رئيس وأمين عام الحزب، حتى تمكن صالح من إقصاء هادي في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2014، إلا أن الحزب عاش موجة أخرى من التصدع، بعد بدء التدخل العسكري بقيادة السعودية، مع انشقاق قيادات جديدة وانقسامها بين مؤيدين للرياض والشرعية وبين من بقي مع صالح، الذي حافظ على الجزء الأكبر من الحزب.

وبمقتل صالح، اتحد جزء من حزبه مع جزء آخر كان قد انشق عنه وأيد الشرعية، باعتبار أن الخصم بات واحداً ممثلاً بـ"الحوثيين"، وهو ما عبر عنه بن دغر، عندما قال إن "انتفاضة صالح، وحدّت الحزب". وفي المقابل، فإن اتحاد الرأي لا يلغي من حتمية أن الحزب خسر قيادته المركزية القوية، وبات معرضاً ليتحول إلى حزب هامشي، كنتيجة لمجموعة المتغيرات التي تشهدها البلاد.