ما خلف احتجاجات الشارع الإيراني وصراع تيارات الداخل

31 ديسمبر 2017
أنصار الحكومة يتظاهرون في طهران (حامد مالكبور/فرانس برس)
+ الخط -
احتلت الاحتجاجات الشعبية التي خرجت في مدن إيرانية عدة، خلال الأيام الأخيرة، العنوان الأهم في الداخل، رغم تجاهلها من قبل هيئة الإذاعة والتلفزيون الرسمية، فاختلفت وجهات النظر حولها بين بعض التيارات، إلا أن الكل اتفقوا على ضرورة عدم السماح بتحويل الاحتجاجات ذات المطالب الاقتصادية لتصبح بعناوين سياسية، بما يوسع قُطر الدائرة ويهدد البلاد، على غرار ما حدث في عام 2009. 

منذ أشهر، يطالب مواطنون إيرانيون بتحصيل حقوقهم من مؤسسات مالية قرروا استثمار أموالهم فيها، إلا أنهم خسروها بالكامل، هذه المؤسسات كانت تراهن على مكتسبات الاتفاق النووي فأطلقت إغراءاتها بما شجع المواطنون على خوض مغامرة استثمار الأموال في مشاريع صغيرة، فلم تحقق وعودها ولم يحصل المواطنون على حقوقهم. فكان هذا المطلب الأول لمن خرجوا إلى الشارع في مدينتي مشهد ونيشابور شمال شرقي إيران، بالتزامن مع الاستنكار الشعبي لعدم تحسن الظروف المعيشية. وما زاد الطين بلة هو الموازنة التي قدمها الرئيس حسن روحاني للبرلمان في وقت سابق، مقترحاً رفع أسعار المحروقات، وهو ما ترافق بشكل فوري وارتفاع أسعار السلع الغذائية الرئيسة، ما أثار امتعاض كثيرين.

ردد المحتجون شعارات اقتصادية ونددوا بحكومة روحاني وبوعوده التي لم يتحقق أي شيء منها، وتخللتها شعارات سياسية لم ينكرها سياسيو الداخل، فهناك من رفض الدور الإيراني في ملفات إقليمية، وعلى رأسها ما يجري في سورية، داعين للتركيز على قضاياهم بدلاً منها.
وفي السياق نفسه، ذكرت وكالة "فارس" المحسوبة على التيار المحافظ، أمس السبت، أن "محتجين بالعشرات خرجوا أمام جامعة طهران الواقعة في شارع الثورة في العاصمة، السبت، مرددين شعارات لا ترتبط أساساً بالوضع المعيشي"، حسب تعبيرها. وأكدت الوكالة أن "من بين هذه الشعارات ما يندد بروسيا، وبالدور الإيراني في غزة ولبنان"، مضيفة أن "قوات الأمن قامت بتفريق المشاركين هناك، إذ لم يستمعوا للتحذيرات المتعلقة بعدم السماح بتحويل المطالب الشعبية لمؤامرة سياسية تستهدف البلاد".

وفيما دقت هذه الاحتجاجات ناقوس الخطر، وجعلت كل المسؤولين يحذرون من "المؤامرة"، إلا أن هذه المؤامرة تحمل مفهومين اثنين، اتفق الجميع على الأول باعتبار أن "هناك أعداءً لإيران يتربصون بها ويريدون الإيقاع بنظامها"، لكن المفهوم الثاني قد يؤشر لمعان وتبعات هذه الاحتجاجات خلال هذه المرحلة.

في  السياق، علق نائب الرئيس الإيراني إسحاق جهانغيري، على الاحتجاجات بالقول إن "بعضهم يستغلّ ملف الأوضاع الاقتصادية والمعيشية"، مضيفاً أن "الأمور ستنقلب على بعض من في الداخل، كونهم يعتقدون أن التحريض للتحرك ضد الحكومة قد يصب لمصلحتهم". كما أبدى الناشط السياسي، الصحافي الإصلاحي عباس عبدي، تأييده نظرية التحريض والمؤامرة بمفهومها هذا، في إشارة للتيار المحافظ المعارض لسياسات الحكومة المعتدلة، والمتهم بتحريك المواطنين أو حتى عدم معارضة احتجاجهم على الحكومة.
ودعا عبدي إلى "إجراء مقارنة بسيطة للغاية بين الظروف المعيشية في زمن روحاني، وزمن سلفه المحافظ محمود أحمدي نجاد، فرغم المشاكل لكن الوضع الراهن أفضل حسب رأيه"، معتبراً أنه "كان من الأولى أن تخرج احتجاجات مماثلة في عهد الحكومة السابقة، على اعتبار أنها تحريضية ولديها كواليس سياسية".



لكن بعضاً آخر في التيار الإصلاحي قرر فصل نفسه عما يجري، بالالتزام بخطاب الإصلاحيين الأساس، فالنائب في البرلمان الإيراني محمود صادقي قال صراحة إنه "على الحكومة ألا تختبئ خلف نظرية المؤامرة في التعامل مع ما يجري، وعليها تلبية مطالب الشارع الذي من حقه أن يعبر عما يريده بطريقة سلمية".

والجدير بالذكر أن الحديث يدور أخيراً عن وجود خلاف بين الإصلاحيين وتيار الاعتدال وعلى رأسه روحاني، كون هذا الأخير بات يميل لليمين المحافظ في بعض سياساته بحسب بعض الإصلاحيين التقليديين، وكونه لم يفسح المجال كثيراً في منح المناصب للإصلاحيين الذين تحالفوا معه في الانتخابات وأوصلوه لمقعده الرئاسي بفضل جمهورهم في الشارع.

يتقاطع بعض المحافظين في وجهة النظر هذه مع الإصلاحيين، فيبدو أن هؤلاء يدركون جيداً أن لهذه الاحتجاجات فوائد ستنعكس عليهم في المدى البعيد، وهو ما سيجعل حكومة الاعتدال بطبيعة الحال في موقف ضعيف. وكان تعليق راعي العتبة الرضوية في مشهد، المرشح الرئاسي المحافظ الأسبق إبراهيم رئيسي، الذي كان منافس روحاني الأشرس، الأبرز على هذا الصعيد، فالاحتجاجات انطلقت من مدينته ورأى أنه "من الضروري تلبية المطالب الشعبية، وإذا ما بدأت الحكومة بذلك بشكل عملي فسيكون الشارع إلى جانبها".

بدوره، ذكر المتحدث باسم لجنة الأمن القومي البرلمانية حسين نقوي، إنه "على الحكومة أن تجري إصلاحات اقتصادية للتعويض عن حالة عدم الرضا، ورجل الدين المحافظ أحمد خاتمي أكد من جهته أن 80 في المائة من المحتجين هم ممن خسروا أموالهم في المؤسسات المالية، وعلى الحكومة أن تتابع الموضوع وأن تحاسب هذه الجهات".

لكن المحافظين المتهمين اليوم بالتشجيع على محاصرة حكومة روحاني من قبل الشارع، يبدون تخوفاً أكبر من البقية من جانب ثان، ألا وهو اتساع رقعة الاحتجاجات أو تحولها لسيناريوهات أخرى، فأوضح إمام صلاة الجمعة في مشهد أحمد علم الهدى، أن "للمواطنين الحق في إظهار مطالبهم عبر تجمعات قانونية، إلا أن هناك من استغل الظروف وردد شعارات"، وصفها بـ"غير التقليدية" مؤكداً أن "هناك من دعا لعدم الاهتمام بسورية وغزة ولبنان". وحذر ممن وصفهم بـ"أعداء البلاد".



ورافق هذه التطورات خروج تظاهرات كبيرة في عدد من المدن الإيرانية أمس السبت، تزامنت مصادفة مع ما حدث خلال الأيام الأخيرة، فهذه التظاهرات تتكرر كل سنة منذ عام 2009، ففي ذاك العام خرج مؤيدو التيار المحافظ للوقوف بوجه أنصار الحركة الخضراء، ممن حولوا مراسم عاشوراء الدينية إلى تظاهرة ذات شعارات سياسية قبل ثلاثة أيام فقط من تاريخ 30 ديسمبر الذي تحول لمناسبة وطنية. وكانت الحركة حينها تتابع احتجاجاتها على نتائج الانتخابات الرئاسية، وهو ما اعتُبر انتهاكاً صارخاً، فخرج المحافظون ومن احتج على هذه الخطوة إلى الشارع للمطالبة بمعاقبة رموز الحركة بل وإعدامهم، واستطاعت هذه التظاهرة أن تطفئ احتجاجات الحركة الخضراء بالكامل. وفي هذه السنة جدد مؤيدو هذا التجمع وأنصار التيار المحافظ تأكيدهم على رفض ما وصفوه بـ"الفتن". وكان الحرس الثوري واضحاً في بيان رسمي أصدره بهذه المناسبة، حين قال إن لدى البلاد أعداء ومخططات تستهدفها وهو ما يتطلب وعياً ودراية، لكن بعضاً آخر في البلاد يحاول الفصل بين وجود مطالب شعبية حقيقية وبين هذا الجو القلق من تبعات مستقبلية.

من خرجوا إلى الشوارع حاملين مطالب اقتصادية بالدرجة الأولى خلال الأيام الماضية ليسوا إصلاحيين هذه المرة ولا يمكن تشبيه ما حدث باحتجاجات عام 2009، هم مواطنون إيرانيون بالدرجة الأولى ومن بينهم من يؤيد التيار المحافظ. وهذا يذكّر باحتجاجات مماثلة خرجت في أطراف طهران في عهد الرئيس الراحل أكبر هاشمي رفسنجاني، حين طبق تعديلات لم تناسب بنية الاقتصاد الإيراني وتسببت بتضخم قارب الخمسين في المائة، كذلك هو الحال اليوم بحسب بعضهم، فروحاني وهو الابن الروحي لرفسنجاني قرر الالتصاق بالاتفاق النووي من دون أن يحلّ شيئا على أرض الواقع، ولم تساعده الظروف بطبيعة الحال، فالاتفاق يتعرض لعراقيل صعبة، ودور إيران الإقليمي يحد من علاقاتها مع الآخرين، وهو ما لا يساهم بتحسين الوضع المعيشي لمن ذهبوا لصناديق الاقتراع في انتخابات رئاسية حمل مرشحوها برمتهم شعارات اقتصادية.