ثامر السبهان... هل انتهى دور مغرّد المغامرات السياسية السعودية؟

27 ديسمبر 2017
استقالة الحريري المفاجئة فضحت دور السبهان (الأناضول)
+ الخط -
فجأة اختفى ثامر السبهان، وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي. لا مقابلات ولا تصريحات ولا حتى تغريدات نارية استفزازية اشتهر فيها. ويبدو أن الرجل الذي سطع نجمه عبر تصريحاته النارية التي كان يطلقها عندما كان سفيراً للسعودية في العراق، وأخيراً في إطلاقه التهديدات للبنان ودوره المباشر في أزمة رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري، قد تم تحييده عن المشهد كلياً، لإخفاقه الدبلوماسي الواضح وفشله في الملفات كافة التي أوكلت إليه أو عمل عليها. ولا مبالغة في القول إن السبهان ساهم في زيادة النفوذ الإيراني في المنطقة العربية، والذي بلغ مرحلة الوصاية العسكرية ــ السياسية في أربع دول عربية (لبنان وسورية والعراق واليمن) بدل الحدّ منه وتقليصه. 

ورافق صعود الأمير محمد بن سلمان نحو كرسي ولاية العهد والحكم فعلياً في السعودية، عدد من المستشارين السياسيين كان السبهان أبرزهم. وبدت سياسات هذا الأخير والذي ولد ونشأ في مدينة الرياض وتخرّج من كلية الملك عبد العزيز الحربية في أواسط ثمانينيات القرن الماضي، انعكاساً للسياسة الاندفاعية الاستعلائية لولي العهد السعودي تجاه دول الجوار ومحاولة فرض منطق القوة عليها، متجاهلاً القواعد السياسية والدبلوماسية رغم أنه يمثّل جزءاً من وزارة الخارجية السعودية.

وبدأ السبهان حياته المهنية كضابط في قوة الشرطة العسكرية الخاصة لمدة عشرين عاماً قبل أن يتحوّل إلى ملحق عسكري في السفارة السعودية في لبنان عام 2010، حيث تولى التنسيق الأمني في دولة حساسة بالنسبة إلى السعودية بسبب الصراع الإيراني-السعودي فيها. لكن السبهان فشل خلال السنوات الخمس التي تولّى فيها هذه المهمة في تحجيم نفوذ "حزب الله" المتزايد في بيروت، كما فشل أيضاً في الحد من تدخّل "حزب الله" لمساندة نظام الرئيس السوري بشار الأسد ضد الثورة السورية.

ومع وفاة الملك عبدالله بن عبدالعزيز وتولي شقيقه الملك سلمان مقاليد الحكم وصعود ابنه محمد إلى دائرة القيادة السياسية عبر توليه وزارة الدفاع وقيادته للحرب على اليمن، عُيّن ثامر السبهان كسفير للسعودية في العراق، منتهجاً نهجاً جديداً في التعامل السعودي الحذر دوماً مع دول الجوار، إذ خلت تصريحاته من اللباقة الدبلوماسية تجاه الحكومة العراقية والمليشيات الموالية لإيران، والتي تغوّلت في مفاصل الدولة العراقية عقب الاحتلال الأميركي عام 2003.

وبدأ السبهان عهده في العراق بالهجوم على رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، متهماً إياه بتسليم 70 في المائة من أراضي العراق إلى "حلفائه الدواعش"، ثمّ عاد ليهاجم الحشد الشعبي الذي تأسس عبر فتوى من المرجع الديني علي السيستاني، أكبر مرجعية شيعية في العراق. كما حاول السبهان أيضاً خلق قوة عسكرية سنية تعادي تنظيم "داعش" والحشد الشعبي في آن واحد، لكنه فشل بسبب تشرذم المعسكر السني في العراق. ثمّ حاول مرة أخرى تحريض شيوخ عشائر الجنوب العراقي الشيعة على الحكومة المركزية، لكنه فشل أيضاً. وختم السبهان تصريحاته المثيرة للجدل بقوله في لقاء تلفزيوني إن "القيادات الموجودة الآن على الساحة السياسية العراقية، كلهم خرِّيجون من المدرسة الإيرانية، فبالتأكيد لن يتصرفوا من دون الرجوع وأخذ الإذن من حكومة إيران". ودفع هذا التصريح وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري إلى القول إن السبهان "يتدخّل بالشأن الداخلي للعراق متجاوزاً الأعراف الدبلوماسية".

وطلبت الحكومة العراقية عبر المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية أحمد جمال من نظيرتها السعودية رسمياً استبدال السبهان، وقال جمال "هناك سلسلة من التصريحات والآراء التي صدرت عن السفير السبهان في وسائل الإعلام تجاوزت حدود البروتوكول الدبلوماسي ومهام أي سفير".

وفي أواخر عام 2016، بعد شهرين من تصريحه حول التحكم الإيراني في العراق، سحبت السلطات السعودية سفيرها السبهان من العراق وخفّضت مستوى التمثيل الدبلوماسي وعينته وزيراً لشؤون الخليج العربي، وانتقل مرة أخرى إلى مدينة الرقة السورية برفقة مبعوث الرئيس الأميركي لتنسيق أعمال التحالف الدولي ضد الإرهاب الجنرال بريت ماكغورك، وذلك من أجل "تنسيق الجهود" لمواجهة الميلشيات الموالية للنظام السوري، حيث أجرى السبهان لقاءات عدة مع وجهاء وشيوخ العشائر العربية في المدينة وأريافها المحيطة بها.

وعاد السبهان من جديد إلى واجهة مسرح الأحداث المفتعلة في الشرق الأوسط عبر بوابة لبنان هذه المرة والتي رفع فيها زعيم تيار المستقبل سعد الحريري "الفيتو" الذي كان قد وضعه ضد تولّي ميشال عون رئاسة البلاد، فبدأ الإعلاميون السعوديون يروّجون أن يد إيران ستبتر في بيروت قبل أن يصرح السبهان في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي بأن "هناك تحالفاً دولياً ستقوده السعودية لاجتثاث حزب الله"، ليرد عليه الأمين العام لحزب حسن نصر الله قائلاً "إن حزب الله أكبر من أن يواجهه السبهان بتحالف محلي، وهو يعرف أن حكام السعودية لا يستطيعون القيام بأي شيء مع حزب الله، ولذلك هو بحاجة إلى تحالف دولي".

وعقب سلسلة اجتماعات عقدها مع الحريري ومعسكر 14 آذار في أواخر أكتوبر الماضي، صرح السبهان قائلاً: "للجم حزب المليشيا الإرهابي، يجب معاقبة من يعمل ويتعاون معه سياسياً واقتصادياً وإعلامياً، والعمل الجاد على تقليمه داخلياً وخارجياً ومواجهته بالقوة". ثمّ عاد بعدها ليقول إنه اجتمع مع الحريري "اجتماعاً مطولاً واتفق معه على كثير من الأمور التي تهم الشعب اللبناني والقادم أفضل"، ليفاجئ الحريري العالم بعدها بأيام قليلة بنبأ استقالته الذي أذاعه من الرياض وعبر قناة "العربية" السعودية، قائلاً إن هناك مؤامرة تستهدف لبنان من قبل إيران كما تستهدفه شخصياً وتخطط لاغتياله عبر "حزب الله".

هذه الاستقالة المفاجئة والتصعيد من رئيس الوزراء اللبناني الذي ظلّ طوال الأشهر الأخيرة يحاول موازنة الأمور وعدم مواجهة "حزب الله"، نظراً لقوته وتمكنه من مفاصل الدولة بدعم إيراني، فضحت دور السبهان في استدراج الحريري إلى الرياض والضغط عليه لتقديم استقالته من هناك، قبل أن يتدخل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ويعيد الأمور إلى نصابها، ليتراجع الحريري عن استقالته ويترك السبهان حلفاءه في لبنان خلفه كما تركهم من قبل في العراق والرقة.

وبدت عودة الحريري عن استقالته بمثابة صفعة كبيرة لحكّام الرياض، تحديداً لمحمد بن سلمان والسبهان، حتى أن قناة "المستقبل" الإخبارية، التي يملكها الحريري، فتحت النار أخيراً على من يسمى بـ"فريق السبهان في بيروت". وهاجمت القناة كلاً من الكاتب رضوان السيد والنائب السابق فارس سعيد ووزير العدل السابق أشرف ريفي، والذين تصفهم دوائر "المستقبل" بـ"رجال السبهان في بيروت". كما طاولت الاتهامات بـ"السبهنة" شخصيات مركزية في تيار المستقبل، كرئيس الكتلة النيابية فؤاد السنيورة والصحافي نديم قطيش وآخرين، لكن من دون أن يصيبهم ما أصاب الشخصيات الثلاث أعلاه، بتهمة كتابة التقارير للسبهان حول الأداء السياسي للحريري وفريقه.

وتلقّى السبهان بحسب وكالة "أسوشييتد برس" الأميركية، توبيخاً من الإدارة الأميركية نظراً لسياساته المغامراتية في منطقة الشرق الأوسط. وذكرت الوكالة أنه "بعد أيام من استقالة الحريري، التقى السبهان مسؤولين في وزارة الخارجية والبنتاغون ومجلس الأمن القومي الأميركي، وبدلاً من تأييد الاستقالة، وجّه المسؤولون الأميركيون توبيخاً شديد اللهجة للسبهان، وضغطوا عليه لوقف تغريداته الاستفزازية".

وقد يؤكّد غياب السبهان عن موقع "تويتر"، منبره الأبرز لإطلاق التهديدات، ما ذكرته "أسوشييتد برس"، إذ تعود آخر تغريدة له إلى 12 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إضافة إلى عدم ظهوره في أي وسيلة إعلامية أو مقابلات صحافية.

المساهمون