حروب محمد بن سلمان... كيف تنتهي؟

07 نوفمبر 2017
خلال مهرجان الجنادرية فلي 2014 (فايز نور الدين/فرانس برس)
+ الخط -
تصعب معرفة من أيّ مدرسة سياسية تعلّم ولي عهد السعودية، محمد بن سلمان، حتى عندما كان لا يزال ولياً لولي العهد قبل يونيو/حزيران 2017، أنّ بداية الحكم القوي لا تتحقق إلا بفتح حروب متزامنة في الداخل وفي الخارج. حروب حرفية بالنار والدم مثلما حصل ويحصل في اليمن منذ 2015، فور تسلمه منصب ولي ولي العهد، أو "حروب بلا دماء" مثلما سماها وزير الدفاع القطري خالد العطية، في وصفه لحصار دولة قطر منذ منتصف 2017، أو حروب مجازية ضد أبناء العائلة الحاكمة منذ تأسيس المملكة السعودية في 1932، على شاكلة اعتقالات جماعية لأركان النظام السياسي ــ المالي ــ الإعلامي ــ الاقتصادي بشكل لا يبقى هناك أي مركز نفوذ في السعودية يحتمل أن يكون خارج السيطرة المباشرة لولي العهد، قبل تسلمه العرش حتى، وهو لا يزال في الثانية والثلاثين من العمر.

ولمّا كان النظام السعودي يتيح سلطة هائلة لمناصب لا تقتصر على الملك، أمكن القول، مع التحفظ، إن التأريخ الرسمي لحكم محمد بن سلمان بدأ فعلياً منذ تولى منصب رئيس الديوان الملكي السعودي مع وصول والده إلى منصب الملك في يناير/ كانون الثاني 2015. ولم تمر أشهر إلا وأصبح ولياً لولي العهد في إبريل/ نيسان من ذلك العام، فاستبق وصوله إلى المنصب بأيام، وشنّ حرب اليمن في مارس/آذار من ذلك العام. ثم صار ولياً للعهد فشنّ فوراً "حربه" ضد قطر في يونيو الماضي. واليوم، يبدو الرجل أقرب من أي وقت مضى على أعتاب أن يصبح ملكاً يخلف والده، بدليل حرب الاعتقالات الجماعية التي أطلقها بحق أبناء عمومته وأركان الاقتصاد ورجال الأعمال وأمراء العائلة في ما يحلو للبعض أن يسمونه بالـ"الانقلاب الأبيض الثالث"، بعد ذلك الذي أوصله إلى منصب ولي ولي العهد، ثم مع إطاحته بولي العهد السابق، محمد بن نايف، بموازاة تصعيد لحرب بالوكالة ضد إيران، ربما يكون لبنان مسرحها الجديد، بعد دفع الرياض، أو تشجيعها أو طلبها أو قبولها استقالة سعد الحريري من رئاسة الحكومة اللبنانية.


وندُر أن لاقى حدث في العالم إجماعاً في التفسير، مثلما أجمع العالم كله، بصحفه وتحليلاته وقراءاته، على أن أحداث السبت السعودي، أي الاعتقالات الجماعية التي طاولت رجالات الصف الأول من الساسة في السعودية ورجال أعمالها واقتصادييها، كانت حلقة في رغبة ولي العهد تسلم العرش "على بياض". هذا في العنوان العريض الذي لا يحجب أسباباً أخرى تسير بالتوازي مع السبب السياسي ذاك، وهو جانب اقتصادي بحت في تفسير حملة الاعتقالات التي طاولت رجال الأعمال السعوديين وغير السعوديين ممن حصلوا ثرواتهم في المملكة. وتفيد الفرضية المتداولة، بأن السلطات السعودية تحتاج إلى السيولة فوراً، وهو ما يمكن توفيره من مصادرة أموال أو جزء من أموال عدد من المليارديرات الموقوفين، على اعتبار أن عوائد طرح 5 في المائة من حصص شركة "أرامكو"، وتقدر بمائة مليار دولار (من أصل ألفَي مليار دولار هي قيمة الشركة)، لن تصل إلى السعودية قبل عام 2018.


صحيح أن أياً من المعتقلين، ربما باستثناء وزير الحرس، متعب بن عبد الله بن عبد العزيز، لم يكن معارضاً بوضوح لبن سلمان، وصحيح أن جميع المعتقلين اليوم، بايعوا ولي العهد بكافة طقوس المبايعة، إلا أن الأخير أراد التخلص من كل الطاقم القديم لرجالات السياسة والاقتصاد في المملكة، وربما من كل التحالفات القديمة التي لطالما صمد النظام السعودي على أساسها. لكن أحداث السبت، والتي ستكون لها تتمات بأسماء كل أيام الأسبوع على الأرجح، على ما تظهره اعتقالات يوم أمس الاثنين مثلاً، وعلى ما تكشفه مصادر أميركية من الإدارة تحدثت لـ"نيويورك تايمز"، عن أن "كل أفراد الأسرة الحاكمة هم اليوم ممنوعون من السفر"، لا تشكل سوى فصلاً من مسلسل حروب بن سلمان في الداخل، كاستمرار لحروبه في الخارج، ضد إيران في اليمن وفي لبنان مثلاً، وضد قطر... حروب فشلت بكل المعايير، ما دفع بكبار المعلقين في الصحف الأميركية ممن يُعرفون بعلاقاتهم الوثيقة مع دوائر في الإدارة الأميركية، من نوع دايفيد إغناسيوس في "واشنطن بوست"، ودايفيد كيركباتريك في "نيويورك تايمز"، إلى كتابة ما يشبه النصيحة لعلها تصل لبن سلمان شخصياً، ربما عبر صديقه المقرب جداً، جارد كوشنر، صهر الرئيس دونالد ترامب ورجله القوي في الإدارة. نصيحة مرفقة بتذكير دائم وغير بريء ربما، بأن عمر الشاب لا يزيد عن الـ32 عاماً، وتنصّ على أن شن هذا العدد من حروب الداخل والخارج، بشكل متزامن وفي وقت واحد، ربما لا يكتب له النجاح، وربما يؤدي إلى نتائج عكسية حتى ولو أصبحت "كل مصادر القوة محصورة بيد محمد بن سلمان"، مثلما كتب السفير الأميركي السابق تشايس فريمان. أكثر من ذلك، فإن خسارة الحروب قد تأتي بأشكال عديدة، من بينها أن "رجال الأعمال والأمراء السعوديين يهرّبون أموالهم منذ فترة إلى خارج المملكة بسبب قلقهم من نوايا وخطط محمد بن سلمان باعتقالهم ومصادرة أموالهم"، على ما تكشفه "نيويورك تايمز"، أمس الاثنين.


ولا يحتاج الأمر إلى صحف أجنبية ليدرك المتابع أن السعودية، ببنية نظامها المترهل، واقتصادها العليل، وأزماتها الداخلية وصراعات النفوذ داخلها وتناقضات مجتمعها، لا تستطيع تحمل كلفة بحجم هذه الحروب التي لا تنتهي باسم محمد بن سلمان. فتحت شعار محاربة إيران ومواجهة أدواتها في الإقليم العربي، غرقت السعودية ومن معها من دول التحالف في رمال اليمن، لتبدو "أدوات إيران" هناك وكأنها زادت قوة بعد عامين ونصف العام من الحرب بدل أن تضعف، بدليل صاروخ "بركان أتش2" الذي سقط أو أُسقط في مطار الرياض أو في أجوائه بحسب الروايتين: الأولى التي تؤكد أنه سقط على أرض المطار، والثانية الرسمية التي تجزم بأن نظام "الباتريوت" السعودي فجره في السماء. وكأن حرب اليمن والغرق في مستنقعها كانت تجربة ناجحة ليقرر بن سلمان نقل "عاصفة الحزم" إلى لبنان، على ما أوحت به تصريحات وتغريدات لا تتوقف لأصدقاء بن سلمان من حكام السعودية اليوم، من بينهم قائد الحرب ضد إيران، وزير الشؤون الخليجية، ثامر السبهان.


ومثلما كان مطلوباً عدم بقاء أي فرد سعودي يحتمل أن يخرج عن الطاعة المطلقة لمحمد بن سلمان، كان مرغوباً التخلص من جار مزعج بالنسبة للمسؤول السعودي الشاب الذي قضى قبل أيام ليال عديدة مع جارد كوشنر حتى الرابعة فجراً لتبادل "الأفكار والخطط والاستراتيجيات"، بحسب "واشنطن بوست". والجار المزعج لم يكن سوى قطر، فتقررت "الحرب الثانية" بالنسبة لبن سلمان، والتي بدورها لم تسجل انتصاراً، بل إرباكاً لكل أطرافها، المحاصِرين (السعودية والإمارات ومصر والبحرين) والطرف المحاصَر طبعاً (قطر)، وانزعاجاً عالمياً من أحداث بلا مبرر في منطقة الخليج الاستراتيجية.

دور لبنان للانضمام إلى ساحة الحروب السعودية ربما حان، في مكان هو من بين الأقوى بالنسبة للنفوذ الإيراني لنواحي السيطرة على الدولة وفرض الإرادة الإيرانية على كافة مؤسسات الدولة اللبنانية من داخلها، عبر "حزب الله". وبين حرب خارجية، حقيقية أو مجازية (اليمن وقطر ولبنان)، تبدو حروب الداخل هي الأشرس؛ حيناً بضرب مجموعة من المحسوبين على المؤسسة الدينية التقليدية، وأحياناً بالقضاء على فروع العائلة الحاكمة بمئات أمرائها الذين جُردوا من مصادر نفوذهم. وبين هذا وذاك، يتم القضاء على رجال أعمال الحقبات السابقة وأباطرة شركاتها ومؤسساتها الإعلامية والتجارية بفسادها المعروف والذي يشمل معظم دوائر السلطات السعودية على الأرجح إن لم نقل كلها، تمهيداً للإتيان بطاقم جديد من الشباب من زملاء بن سلمان ربما أيام الدراسة، إن صدقت التقارير الجدية التي تفيد بأن الرجل لا يثق إلا بدائرة ضيقة جداً جداً من الأشخاص.

وترجم عدد من وسائل الإعلام الأجنبية في اليومين الماضيين هذه الملاحظات بلغة صحافية صارمة تتفادى أي إبداء للرأي حول تطورات السعودية الأخيرة، مثلما يلخّصها تقرير موسع لموقع "الجزيرة نت". كتبت مثلاً غوردون هارر، المتخصصة بالشأن العربي في صحيفة "شتاندرد" النمساوية، أن "وصف الاستخبارات الألمانية لمحمد بن سلمان قبل عامين بالمتهور والمتقلب يفسر فشل مغامرته العسكرية في اليمن وحصاره لقطر ووصول الملفين إلى طريق مسدود". وحول حديث الإصلاحات في المملكة، قالت الكاتبة النمساوية "إن تصورات بن سلمان للمجتمع والاقتصاد في بلاده غير واضحة، والشعارات التي يرفعها بهذا الشأن جاءت من مستشارين وشركات علاقات عامة"، مضيفة أن ولي العهد السعودي "يعرف ما يريد الغرب سماعه مثل الانفتاح والتحول إلى نموذج إسلامي معتدل بدلا من الوهابية".

بدوره، حذر الخبير الألماني في القضايا العربية والإسلامية راينر هيرمان في صحيفة "فرانكفورتر آلغماينة تسايتونغ"، من أن موجة الاعتقالات الأخيرة التي نفذتها أجهزة بن سلمان "توسع دائرة خصومه بعد إغضابه رجال الدين المحافظين، وقطاعاً من الجهاز الأمني الموالي لوزير الداخلية السابق (محمد بن نايف)". كلام مشابه أورده مارتين غيهلن في صحيفة "برلينر تسايتونغ"، أشار فيه إلى أن "هذه الإجراءات ستجلب لبن سلمان عداء أجزاء أخرى من أسرة آل سعود، وهي تُظهر أن معارضة السياسة الخارجية العدوانية لولي العهد السعودي في اليمن وضد قطر تبدو قوية وأوسع مما هو معروف". وكررت صحيفة "وول ستريت جورنال" المضمون نفسه من التحذيرات عندما اعتبرت أن "ولي العهد ما فتئ يصنع أعداءً له بين أفراد الأسرة الحاكمة ممن هم ليسوا في صفه"، كذلك كان لصحيفة "لوموند" الفرنسية التعليق نفسه.

المساهمون