السعودية... الانقلاب الثاني على طريق العرش

05 نوفمبر 2017
باتت السعودية تعيش مرحلة من التوتر (الأناضول)
+ الخط -



شهدت السعودية، أمس، مفاجأتين على قدر كبير من الأهمية. الأولى كانت إعلان رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري من الرياض استقالته من منصبه. والثانية حصلت بعد ساعات قليلة، وتمثلت في حملة إقالات واعتقالات لعدد من الأمراء والوزراء والمسؤولين في الدولة.

إعلان الحريري استقالته من رئاسة الحكومة اللبنانية من عاصمة بلد آخر، وعبر شاشة تلفزيون هذا البلد (قناة العربية)، أمر يتجاوز التقاليد والأعراف البروتوكولية، ويحمل في طياته الكثير من الأسئلة والألغاز، تتعلق بالزمان والمكان والشكل والمضمون.

ورغم أن الغموض خيم على قرار الحريري، فإن الجانب الواضح والمباشر في خطاب الاستقالة هو أنه حمل رسالة موجهة إلى إيران دون غيرها، وهي رسالة حرب وتهديد بالرد على التدخلات الإيرانية في المنطقة العربية "أيادي الغدر ستقطع"، ولكن تزامن الاستقالة مع حملة الاعتقالات في السعودية يرجح اندراجها في سياق ترتيبات البيت السعودي، من دون دراسة للنتائج التي يمكن أن تترتب على هذا القرار لبنانيا، الأمر الذي يؤكد عدم احترام السعودية لحلفائها كما هو حاصل في الشأن اليمني، حيث تحتجز الرئيس عبد ربه منصور هادي وتقود هي والإمارات الحرب منذ عامين، ولم تحصد سوى الكوارث.

وفي الوقت الذي انشغلت فيه الأوساط بتفكيك ألغاز رسالة الحريري، حملت الأخبار نبأ قيام الحوثيين بإطلاق صاروخ بالستي في اتجاه مطار الملك خالد في الرياض، وقد جرى التصدي له، ولم يسفر عن ضحايا. ورغم أن الحوثيين أعلنوا في أكثر من مرة استهداف العمق السعودي بصواريخ بعيدة المدى، فإن تأثير صاروخ الأمس سوف يكون مختلف الأثر من الناحيتين السياسية والنفسية، فمن جهة هو فاتحة تصعيد عسكري إيراني ضد السعودية، ومن جهة ثانية تهديد شعور السعوديين بأن حرب اليمن أبعدت عنهم خطر الأسلحة بعيدة المدى.

وفي خضم ذلك، جاءت تطورات لم تكن متوقعة، وهي حملة الاعتقالات الواسعة التي لم يسبق للسعودية أن شهدت مثيلا لها، سواء من حيث الذين شملتهم الحملة، أو المغزى من وراء توقيتها، وهو لا يخفى على أحد من حيث إن الترتيبات جارية لتهيئة الأجواء من أجل نقل العرش إلى ولي العهد محمد بن سلمان، وهو أمر توحي المظاهر بأنه صار قريبا جدا.

جرى في وقت واحد وعلى نحو سريع اعتقال 11 أميرا، و38 وزيرا ونائب وزير. ومن بين المعتقلين، وزير الحرس الوطني، الأمير متعب، النجل الأكبر للملك السابق عبدالله بن عبد العزيز، ورجل الأعمال الملياردير الوليد بن طلال، وأمير منطقة الرياض السابق تركي بن عبدالله، ووليد الإبراهيم، صاحب مؤسسة إم بي سي التلفزيونية، ومن الوزراء وزير المالية السابق، إبراهيم العساف، ووزير الاقتصاد عادل فقيه، هذا بالإضافة إلى رجال أعمال مثل صاحب قنوات "أيه آر تي"، الشيخ صالح كامل، وولديه، وبكر بن لادن وعمر الدباغ.

التفسير المباشر للحملة السعودية المفاجئة، هو أنها تعبر من جهة عن خوف من بعض مراكز القوى القديمة، ومن جهة ثانية العمل على تصفية أي تأثير لمراكز القوى، وهذا الأمر ينطبق من الناحية السياسية والأمنية على الأمير متعب بن عبدالله، الذي كان والده الملك عبدالله يعمل على تحضيره لتولي العرش، ولكنه لم يحسن الحسابات. ويشكل متعب في وضعه الراهن مركز قوة من خلال الوزارة التي يتولاها، وهي الحرس الوطني، الذي بناه والده كجيش رديف وكان مصدر قوته الرئيسي.

جرى تفسير اعتقال وزراء المال والاقتصاد ورجال الأعمال مثل الوليد بن طلال وصالح كامل على أنه من أجل وضع اليد على أرصدتهم المالية الكبيرة، ولكن في حقيقة الأمر هناك أبعاد أخرى، أولها خوف محمد بن سلمان وعدم الثقة في أنه قادر على الحكم، وتوحي حساباته بأنه قد يلقى معارضة من هذه الأوساط، والأمر الثاني أن منهج بن سلمان يقوم على تنظيف الطريق بصورة تامة من كل من يمكن أن يشكل معارضة لحكمه، سواء عائلية أو اقتصادية أو دينية، وقد بدأ باعتقال رجال دين محسوبين على تيار الصحوة، وتشي نواياه بأن هناك موجة ثالثة سوف تطاول شرائح أخرى، ولذا باتت السعودية تعيش مرحلة من التوتر الذي لم تشهده عبر تاريخها، وخصوصا في فترات انتقال العرش.