إغلاق مكتب المنظمة في أميركا: ابتزاز علني للفلسطينيين للقبول بـ"صفقة التسوية"

20 نوفمبر 2017
مواجهة السياسة العدوانية الأميركية بعدم الرضوخ للضغوط(عباس موماني/فرانس برس)
+ الخط -
تضع السلطة الفلسطينية التصعيد الأميركي الجديد تجاهها، من بوابة إغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن والشروط التي وضعتها لإعادة السماح بعمله ضمن مهلة 90 يوماً، في سياق عملية ابتزاز واضحة تنخرط فيها أطراف عربية لقبول السلطة بما يسمى "الحل الإقليمي" الذي يتم العمل على بلورة صيغته النهائية، والذي يهدف في نهاية المطاف إلى حلف واحد يجمع دول عربية مع إسرائيل، وهو ما يثير تخوفات فلسطينية عدة ترجمت بمطالبة للإدارة الأميركية بإعادة النظر في خياراتها والتحذير من تداعيات هذه الخطوة.

وعلى الرغم من تأكيد مسؤول دبلوماسي تحدث لـ"العربي الجديد" أن "الذريعة الأميركية التي قدمت مكتوبة تفيد أن سبب عدم التمديد لبقاء المكتب مفتوحاً يأتي بسبب خطاب الرئيس محمود عباس في الأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر الماضي، الذي دعا فيه المحكمة الجنائية الدولية بمتابعة وملاحقة الانتهاكات الإسرائيلية وغيرها، حيث قال الأميركيون، إن خطاب أبو مازن في الأمم المتحدة دعا فيه المحكمة الجنائية لمتابعة وملاحقة الانتهاكات الإسرائيلية"، إلا أن مسؤولاً فلسطينياً رفيع المستوى، اشترط عدم ذكر اسمه، قال لـ"العربي الجديد" إن "إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن مرتبط بابتزاز أميركي وعربي لإرغام الفلسطينيين على القبول بحل إقليمي".

وبحسب المسؤول نفسه فإن "مفاد هذا الحل هو وجود حلف لدول عربية سنية ضد إيران، تكون إسرائيل حليفة به، ويكون العدو هو إيران، والمطلوب أن توافق القيادة الفلسطينية على حل القضية الفلسطينية ضمن هذا الحل الإقليمي مقابل مساعدات مالية عربية كبيرة وتسهيلات اقتصادية إسرائيلية أميركية، لكن من دون إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 وإنهاء الاستيطان". ووفقاً للمسؤول نفسه "لقد أخبر ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الرئيس أبو مازن بهذا الحل الإقليمي، وأن دولاً مثل الإمارات ستكون السباقة في عمليات التطبيع ودعم الفلسطينيين مالياً، مقابل القبول بالحل الإقليمي".

وحسب المصادر الدبلوماسية الفلسطينية التي تحدثت مع "العربي الجديد" فقد تم إبلاغ مكتب المنظمة أن الرئيس، دونالد ترامب، لم يوقع على تمديد عمل المكتب في السادس عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني، "ما يعني أن هناك نية مبيتة للأمر".

وقال مصدر دبلوماسي، اشترط عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد" إنه "في العادة يتم إخبار الفلسطينيين بطلب تجديد فتح مكتب المنظمة في واشنطن، لكن هذه المرة لم يتم إخبارهم إلا بعد مرور الوقت، إذ إنه عادة وحسب العرف الدبلوماسي، إذا وجدت مشكلة يتم الاتصال والإخبار بوجود مشكلة وكيفية حلها والتعاون عليها، لكن الأميركيين لم يخبروا الفلسطينيين بأي شيء وانتظروا لليوم التالي".

وتابع: "هناك حوار جارٍ الآن معهم منذ يوم السبت، وكل الاحتمالات مفتوحة ربما يستمر إغلاق المكتب، وربما يستخدم ترامب صلاحياته بإعادة فتحه، ننتظر لنعرف نتيجة المباحثات بين مكتب المنظمة والخارجية الأميركية".

وتعود حيثيات فتح مكتب لمنظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، بعد توقيع اتفاق المبادئ في العام 1993، حينها كان المكتب تمثيلياً ولم يكن يحمل صفة دبلوماسية، وقبلها كان مكتباً إعلامياً فقط مرتبطاً بالجامعة العربية، إلى حين بدء الحوار مع منظمة التحرير في العام 1988.

ورفع العلم الفلسطيني على مقر مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، لأول مرة، في العام 2011 في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، فأصبح المكتب شبه رسمي، لكن دون صلاحيات دبلوماسية.

وبقي مكتب المنظمة بعد العام 1993 ولغاية الآن خاضعاً لقرار الكونغرس الأميركي الذي أقر قانوناً في عام 1988 يضع فيه منظمة التحرير الفلسطينية على لائحة المنظمات الإرهابية، وفي ذات الوقت يحق للرئيس الأميركي أن يوقع على تجميد العمل بقرار الكونغرس ويمدد وجود مكتب منظمة التحرير كل ستة شهور.

وفي عام 2015، بعد انضمام الفلسطينيين لميثاق معاهدة روما والمحكمة الجنائية، أضاف الكونغرس الأميركي للقانون، فقرة تفيد أنه "من غير المسموح للفلسطينيين دعم أو مساعدة أو تقديم أي تحرك اتجاه محكمة الجنائية الدولية، أو أي جهد يؤدي إلى ملاحقة إسرائيل قضائياً أو أياً من الأفراد الإسرائيليين"، الأمر الذي استغلته إدارة ترامب قبل أيام لعدم التجديد للمكتب.

ضمن هذا السياق، قالت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، حنان عشراوي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إنه بموجب قانون الكونغرس المجحف بحق الفلسطينيين، فإن "طريقة التعامل مع المنظمة دائماً تحت الاختبار، تريد إثبات حسن النوايا ولم يتغير القرار، بأن يتم تجديد فتح المكتب كل ستة أشهر، بحيث يقدم وزير الخارجية الأميركية التقرير يقول بموجبه إن "المنظمة ملتزمة بمناهضة الإرهاب".

ولفتت إلى أن "وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، الذي كان غائباً عن المشهد، حينما جاء ليقدم تقريره في 15 من الشهر الجاري (بشأن المكتب)، لم يتم تقديم طلب تمديد فتح مكتب المنظمة كما جرت العادة بطلب الاستثناء".

وأوضحت أن "الإدارة الأميركية أمهلت المنظمة مدة 90 يوماً حتى يتم إغلاق مكتبها في واشنطن، وأن لا يمارس المكتب أنشطته خلال تلك الفترة، شريطة الدخول في عملية تفاوضية ثنائية مع إسرائيل تكون ذات معنى". وأضافت عشراوي أن "المكتب لن يمارس أي نشاط، لكنه لم يغلق لأنه معنا 90 يوماً لندخل في عملية تفاوضية ثنائية مع إسرائيل ذات معنى حسب الأميركيين، وهذه مفارقة مضحكة".

وتساءلت عشراوي عن "إمكانية الدخول بمفاوضات ثنائية ذات معنى، طالما لا توجد مبادرة أميركية أو أية مفاوضات؟"، وقالت: "هم يبتزوننا لنقبل مسبقاً بعملية المفاوضات من دون أن نعرف ما هي مبادرتهم"، مشيرةً إلى أن كل العمليات التفاوضية خربتها إسرائيل، على الرغم من أن منظمة التحرير تعاملت مع هذه المفاوضات والمبادرات بإيجابية".

ولهذا السبب ترى عشرواي أن "الولايات المتحدة تقوم بابتزازنا حتى نقبل مسبقاً بعملية تفاوضية لا نعرف عنها شيئاً، ولم يعرضوها على القيادة الفلسطينية ولم تعرض على الملأ أيضاً". وأضافت "نحن قلنا إن من يريد إغلاق المكتب، فإن ذلك يعني أنه لن يجد أي فلسطيني يخاطبه، لأن المكتب هو العنوان الرسمي في واشنطن".

وأكدت عشراوي أن "الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بإمكانه أخذ قرار استثنائي، لأن باستطاعة الرئيس الأميركي أن يأخذ قرارات استثنائية لكل شيء، لكن الأمر لم يتوقف عند هذا، فيوجد تحرك إسرائيلي وأميركي بأن لا تكون إسرائيل تحت المساءلة والملاحقة القضائية، لأنهم يعرفون أنها مجرمة". وأضافت "إنهم يعملون المستحيل لمنعنا من ذلك، والآن يريدون معاقبتنا حتى لا نذهب للمحكمة الجنائية، رغم أن السلطة لم تقدم إحالة للمحكمة، بل من قدمت هي مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني، ومع ذلك يريدون معاقبة السلطة رغم أنها لم تقدم إحالة للمحكمة الجنائية، فكيف لو تم تقديمها". وتابعت "الإدارة الأميركية تعاقبنا مسبقاً وتقوم بتدفيعنا الثمن، لذلك أعتقد أنه يجب أن نقدم الإحالة للجنائية الدولية فوراً".


وفي ما إذا كانت الإدارة الأميركية قد قدمت أي رؤية لعملية السلام للقيادة الفلسطينية، قالت عشراوي: "لقد طلب المبعوثان الأميركيان جيسون غرينبلات وجارد كوشنر من الرئيس محمود عباس في آخر لقاء له معهما عدة أسابيع حتى تبلور الإدارة الأميركية رؤية واضحة لعملية السلام، وكان الرئيس متفهماً، إذ أخبرهما أنه يمهلهما لنهاية العام، لكن حتى الآن لم يتم تقديم أي شيء من قبل الإدارة الأميركية يتعلق بالسلام أو رؤية الحل للقيادة الفلسطينية".

وأكدت "بل إنه وبالعكس يوجد صمت أميركي رهيب في ما يتعلق بقضية الاستيطان وعدم شرعيته، ويوجد إحجام تام عن ذكر حل الدولتين ودولة فلسطينية على حدود العام 1967".

وحول ما تسرب لـ"العربي الجديد" بأن الولايات المتحدة الأميركية لديها ما يسمى بـ"الحل الإقليمي"، وقد ناقشته مع دول عربية معينة ولاقى قبولاً عندها، قالت عشراوي: "لم يقدم للفلسطينيين أي شيء بخصوص الحل الإقليمي المزعوم، لكن أميركا استكشفت مع الدول العربية ذلك، لأنها تريد نجدة الدول العربية اتجاه دعم الحل الإقليمي، وأعتقد أن الدول العربية لم تعط الولايات المتحدة الأميركية رؤيتها النهائية حول ذلك، فهي، أي الدول العربية لا تريد تقديم حوافز ودوافع ومكافئات لإسرائيل عن طريق التطبيع مع إسرائيل، أما أميركا فتريد أن تجند الدول العربية للضغط على الفلسطينيين لقبول المبادرة الأميركية".

وبالنسبة لما يحتويه الحل الإقليمي قالت: "ليس هناك تفاصيل حول "الحل الإقليمي"، بعض الدول العربية لديها خطوط عريضة، وهم يريدون تجنيد العرب لصفهم، وهناك تسريبات حول ذلك، ولكن لا يوجد شيء رسمي لغاية الآن، أما الدول العربية فقد تحدثت مع الرئيس محمود عباس حول الخطوط العريضة لهذه الحل أو التصور، لكن لا أعرف إن كانوا قد تحدثوا معه بالتفصيل أم لا".

في غضون ذلك، رأت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية في بيان لها، أن رسالة الخارجية الأميركية لا تساهم في خلق أجواء ومناخات إيجابية لإنجاح جهود الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لاستئناف المفاوضات بين الجانبين، وتعكس في ذات الوقت قراءة غير موفقة لحقائق الصراع وما يدور على أرض الواقع.

وطالبت الخارجية الفلسطينية، نظيرتها الأميركية إعادة النظر في التوجهات التي تضمنتها رسالتها إلى القيادة الفلسطينية، داعية إياها إلى التراجع عن موقفها بما يساعد في توفير المناخات اللازمة لإنجاح رسالة السلام التي يدعو لها الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

من جهتها، اعتبرت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في بيان لها، أن التهديد بإغلاق مكتب بعثة منظمة التحرير بواشنطن، أنه "تأكيد على سياسة ثابتة ومعادية طالما اعتمدتها الإدارات الأميركية المتعاقبة ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية، وتعبير عن الدعم المطلق والمتواصل للكيان الصهيوني الذي يتمسك بسياسته الاستعمارية الإجلائية المتناقضة مع قرارات الشرعية الدولية، وبجرائمه المتواصلة التي تنتهك القوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية".

وشددت الجبهة الشعبية على أن المطلوب لمواجهة هذه السياسة العدوانية الأميركية يكمن بعدم الرضوخ للضغوط التي تمارسها الإدارة الأميركية على القيادة الرسمية الفلسطينية، والقطع مع الأوهام والرهانات على أي دورٍ محايد لها تجاه الصراع الفلسطيني والعربي الإسرائيلي.

بدوره، قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أحمد مجدلاني، في تصريحات له، إن "الإدارة الأميركية تنصاع بشكل غير مسبوق للمطالب الإسرائيلية، من دون إدراك لخطورة المواقف التي تتخذها على الوضع السياسي للمنطقة"، مشدداً على أن ما جرى بحق مكتب المنظمة في واشنطن بمثابة خطوة استفزازية، وتصعيد سياسي خطير من قبل إدارة ترامب، ويندرج في إطار سياسة الابتزاز السياسي غير المقبولة على القيادة الفلسطينية.

وأوضح مجدلاني، أن قرار الإدارة الأميركية بمثابة تشجيع لحكومة الاحتلال الإسرائيلي للاستمرار بسياسة الاستيطان التي تدمر حل الدولتين، وأسس العملية السياسية، وهو ما يضع علامة استفهام كبيرة على الدور الأميركي اللاحق كراعٍ للعملية السياسية.