زيمبابوي: تصادمت السيدة الأولى والجيش فسقط روبرت موغابي

16 نوفمبر 2017
سيطر الجيش على هراري أخيراً (الأناضول)
+ الخط -
أن يستيقظ أهالي عاصمة زيمبابوي، هراري، على هدير دبابات زاحفة إلى القصر الرئاسي، يوم ثلاثاء هادئ، فيعني هذا إما "حركة تصحيحية" للرئيس "الأبدي" روبرت موغابي، وإما انقلاباً ما، في بلادٍ اعتادت على عنفٍ تميل نتائجه في نهاية المطاف للحاكم. ساعات قليلة على ترقّب صامت في هراري، انتهى بإعلان الجيش بطريقة "ملطّفة" انتهاء عهد الرئيس روبرت موغابي، بعد 37 عاماً من الحكم.

الانقلاب الناعم لم يولد في تلك اللحظة، بل كرّس جملة من التراكمات التي أفضت إلى توّرط عائلة موغابي بالقرارات السياسية، خصوصاً زوجة موغابي الثانية، غريس ماروفو موغابي (52 عاماً)، التي استغلت تقدم زوجها في السنّ (93 عاماً)، للتمهيد لوراثته. وسبق لها أن ردّدت أمام أنصاره مراراً "عليكم انتخاب موغابي، حتى بعد وفاته"، تأكيداً على دورٍ ما لها في هراري. كما تورطت غريس في سلسلة من الفضائح المالية، في العقارات والمجوهرات، حتى إنها اعتدت بقابس كهربائي على العارضة الجنوب أفريقية، غابرييلا إنغلز، الصيف الماضي في جوهانسبورغ في جنوب أفريقيا، لأن العارضة "أقامت علاقة مع ابنيها". وتملك غريس مزارع للألبان في زيمبابوي، كما أنها لم تنجُ من صحف الفضائح، التي اتهمتها بـ"خيانة الرئيس موغابي مراراً"، بل إن أحد عشاقها لقي حتفه في ظروفٍ غامضة.

غريس، المعروف عنها حبها للحياة المرحة، باتت قريبة من السلطة في السنوات الأخيرة، مثيرة امتعاض الجيش، الذي لم يكن مقتنعاً بقدرتها على خلافة زوجها. للجيش مرشح واحد: إيميرسون منانغاغوا، نائب موغابي، المُقال في 6 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، لخلاف بينه وبين غريس، بسبب "تسميم مفترض للمثلجات". فقد اتهم منانغاغوا غريس بتسميمه بالمثلجات الآتية من مزارعها، في أغسطس/آب الماضي، ما أدى إلى سقوطه أثناء تجمّع شعبي، ونقله على جناح السرعة إلى جنوب أفريقيا، حيث عُولج على عجل ونجا. وعلى الرغم من نفي غريس وفريقها الأمر، إلا أن الصدام بات حتمياً.

طموحات غريس دفعت الجيش للتدخّل، خصوصاً أن الانتخابات الرئاسية مقررة في العام المقبل، فانتشرت الآليات العسكرية المدّرعة في شوارع هراري يومي الثلاثاء وأمس الأربعاء، وسُمع صوت انفجارات ورصاص، ورغم نفي الجيش قيامه بانقلابٍ إلا أنه تعهّد في بيان على التلفزيون الحكومي، بـ"استهداف المجرمين المحيطين بالرئيس روبرت موغابي". وقال الجنرال سيبوسيوي مويو من داخل استديو التلفزيون الحكومي، وإلى جانبه ضابط آخر، أن "هذا ليس انقلاباً عسكرياً على الحكومة، ونود أن نطمئن الأمة أن فخامة الرئيس وأسرته بخير وأمان وسلامتهم محفوظة". وأكد البيان العسكري أن "ما يقوم به الجيش هو مجرد استهداف للمجرمين المحيطين بالرئيس، وحالما تُنجز مهمتنا نتوقع عودة الوضع إلى طبيعته". الحراك العسكري، جاء إثر اتهام حزب "زانو ـ بي أف" الحاكم، يوم الثلاثاء، قائد الجيش الجنرال كونستانتينو شيونغا بـ"الخيانة"، لانتقاده موغابي بسبب إقالته منانغاغوا.



وبعد أقلّ من 48 ساعة على بيان "زانو ـ بي أف"، المناوئ لشيونغا، أكد بيان آخر للحزب، أمس الأربعاء، كل الأقاويل عن حصول "انقلاب ناعم"، وجاء فيه أنه "ليلة الثلاثاء تمّ احتجاز العائلة الحاكمة وهي في أمان، وهو أمر ضروري للدستور ووحدة الأمة. لا زيمبابوي ولا زانو ـ بي أف ملكية خاصة لموغابي وزوجته. من اليوم سيبدأ عهد جديد بقيادة الرفيق منانغاغوا، الذي سيساعدنا في الوصول إلى زيمبابوي أفضل".

ترافق بيان الحزب مع إعلان رئاسة جنوب أفريقيا ، في بيان، أن "الرئيس جاكوب زوما اتصل برئيس زيمبابوي روبرت موغابي، وأن موغابي أخبره أنه رهن الإقامة الجبرية في منزله ولكنه بخير". وأضاف البيان أن "زوما بصفته رئيساً لمجموعة التنمية في منطقة الجنوب الأفريقي، سيرسل مبعوثين إلى زيمبابوي للقاء موغابي وممثلي قوات الدفاع (الجيش) هناك التي استولت على مقاليد السلطة في هاراري".



لكن تحرّك الجيش لم يكن معزولاً عن غطاء دولي، صيني خصوصاً. فالصين الشريك الأول تصديراً إلى زيمبابوي (27.8 في المائة من البضائع) والشريك الثاني استيراداً (12.1 في المائة)، لم تكن غائبة عن السمع، فشيونغا زارها يوم الجمعة الماضي، والتقى وزير الدفاع تشانغ وانكان في بكين. وبحثا معاً كيفية تطوير العلاقات بين البلدين. وعلى الرغم من نفي الخارجية الصينية علمها بـ"الانقلاب"، إلا أن المتحدث باسم الخارجية، جينغ شوانغ، ذكر أن "الرحلة كانت مقررة سلفاً"، رافضاً الإجابة عن أسئلة أخرى حول الوضع المستجدّ في هراري.

الجيش سيطر على الوضع. روبرت موغابي وزوجته غريس باتا خارج المعادلة السياسية. عهد إيميرسون منانغاغوا وقائد جيشه، كونستانتينو شيونغا، بدأ. الدول المحيطة من زامبيا وموزامبيق وبوتسوانا ترفض الإدلاء برأيها حول الوضع. وحدها جنوب أفريقيا، صاحبة التأثير الكبير على زيمبابوي، تريد استيضاح مصير "حليفها" موغابي، وأيضاً في سبيل ضمان استمرار الحلف مع زيمبابوي، أو تأثيرها عليها، لاعتبارات مرتبطة بالتشابك القبلي بين البلدين، وبموروثات الحكم البريطاني العنصري لهما.

وفي زيمبابوي هناك أكثر من 10 أحزاب، لكن السلطة الفعلية فيها، لحزب "زانو ـ بي أف"، أما المعارضة، فيقودها مورغان تسفانغيراي بحزب "حركة التغيير الديمقراطي ـ جناح تسفانغيراي"، و"حركة التغيير الديمقراطي ـ جناح موتامبارا"، بقيادة أغريبا موتامبارا. وهناك أيضاً أحزاب "التحالف الوطني من أجل الحكم الجيد (ناغ)" و"الاتحاد الوطني الأفريقي الزيمبابوي (زانو- ندونغا)" و"اتحاد الشعب الزيمبابوي الأفريقي (زابو)". وأحزاب المعارضة إضافة إلى الحزب الحاكم يعتبرون المتنافسين الوحيدين المعلنين في كل انتخابات سابقة. وحاولت المعارضة توحيد صفوفها في انتخابات العام المقبل، لكنها فشلت في ذلك. وعلّل تسفانغيراي رفضه التحالف مع أحزاب صغيرة بالقول إن "البعض رأى أن تكاثر الأحزاب المشاركة في انتخابات 9 ـ 10 مارس/آذار المقبل، ستؤدي إلى تكرار تجربة هزيمة المعارضة في كينيا وزامبيا خلال انتخاباتهما الأخيرة وهو أمر خاطئ، لن تكون هنالك أعراض كينية أو زامبية في هذه البلاد". وتساءل "كيف يمكن أن نتقاسم أصواتنا مع أحزاب نعلم أنها لا تمثل أحداً"؟ لكن كلامه كان قبل انقلاب الجيش، الذي من الطبيعي أنه سيضع حداً لكل شيء.

وفي غياب أي قرار أميركي واضح، فقط في نصح الرعايا بـ"البقاء حيث هم"، تماماً كموقف بريطانيا، بدا جلياً أن الجميع راغب، بالحدّ الأدنى، بإزاحة موغابي، ولكن من دون عنف. وفي الوقت عينه، ينتظر البعض مواقف الحكم الجديد، خصوصاً لناحية تطبيق الديمقراطية ووضع خطط اقتصادية من أجل إنهاء أزمة البطالة، التي تطاول 90 في المائة من اليد العاملة في البلاد. وبحسب وكالة "رويترز"، فإن "الكثير من الوثائق السرية أظهرت أن منانغاغوا يعتزم إنعاش الاقتصاد بإعادة آلاف المزارعين البيض الذين طردوا من أراضيهم منذ ما يقرب من 20 عاماً، وإصلاح العلاقات مع مؤسسات مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي". وقد يكون ذلك خطوة أساسية في تطمين المجتمع الدولي من "الانقلاب الناعم"، تحديداً أنه جاء في مواجهة جنون عائلة حاكمة.


دلالات
المساهمون