كرواسون جزائري

14 نوفمبر 2017
يتعاطى سياسيون مع الجزائريين كرعايا (فاروق بطيش/فرانس برس)
+ الخط -
"ليس من واجب الدولة أن توفر الكرواسون للشعب في الفنادق كل صباح"، و"ليس من الضروري أن يأكل الشعب الياغورت"، "بوتفليقة الوحيد الذي أطعم الجزائريين في المطاعم المدرسية..."، هكذا يخاطب بعض رؤساء الأحزاب السياسية الناخبين في الجزائر. وهذا جزء يسير من الصراخ السياسي الذي رافق حملة الانتخابات المحلية في الجزائر، وصورة من صور الخطاب السياسي الراهن في بلد لديه أكثر من ربع قرن من التعددية السياسية.

بغض عن النظر عن جهل هكذا رجال سياسة أن الفنادق في كل أنحاء العالم بما فيها الجزائر تقدم أكثر من الكرواسون في إفطار الصباح لكل زبائنها، وأن الجزائري عرف المطاعم المدرسية منذ عقود، وأنه من القبح أن يكون الإطعام المدرسي مدعاة افتخار سياسي ومزايدة على عموم الشعب، فإن هذه اللغة البائسة ليست سوى وليدة عقل يتعاطى مع الجزائريين كأهالٍ أكثر منهم مواطنين، ورعايا أكثر منهم شعب، ثم إن هناك كماً من التناقض الرهيب في خطاب المؤسسة الحزبية في الجزائر، خصوصاً تلك المحسوبة على القصر الرئاسي. فاذا كانت تعلن بهذه الفجاجة العجز في توفير "الكرواسون" و"الياغورت" وتمنّ على الجزائريين بالمطاعم المدرسية، فكيف تعد الجزائريين بجنات النعيم والبلد باعتراف رئيس حكومته على حافة الإفلاس المالي بعدما أهدرت موارده بغير رشد، وكيف يمكن الاطمئنان إلى التعهدات بمستقبل زاهر. 

أكثر من الإخفاق في بناء الكادر السياسي القادر على الخطاب وفهم التحولات التي حدثت في مفاصل المجتمع الجزائري، وصياغة خطاب لا يهين الشعب ويحترم عقله، ثمة إخفاق أكثر مرارة يتعلق بمجمل منتج المدرسة السياسية في الجزائر عموماً ومنجزها. يلاحظ الجزائريون كيف انحدر الخطاب السياسي والنقاش الانتخابي إلى الحديث عن " الكرواسون" و"الياغورت"، في الوقت الذي كان يفترض أن يستدعي ملفات الصحة والتعليم والشغل والهجرة والثقافة المعطوبة والقضاء المعطل، صميم انشغالات الجزائريين.

في هكذا مستوى من الخطاب السياسي الذي أفرزه عقدان من منظومة حكم كرّست الفردانية ومنطق الرجل المنزه في الجزائر، وحدّت من كل مبادرة في تطوير الفكرة واللغة ومجال النقاش السياسي، يمكن فهم لماذا انصرف الجزائريون في إبريل/ نيسان ومايو/ أيار الماضيين إلى متابعة الانتخابات الرئاسية في فرنسا عن متابعة أطوار الانتخابات البرلمانية التي كانت تجري في الجزائر، ويمكن تفسير تلك النسب القياسية في العزوف عن التصويت خلال الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة إلى أقل من 37 في المائة.

 

دلالات
المساهمون