شروط كردية لتجميد نتائج الاستفتاء: بغداد تتمسك بلاءاتها

07 أكتوبر 2017
مسعود البارزاني خلال مشاركته في تشييع الطالباني (يونيس كلس/الأناضول)
+ الخط -
على عكس ما كان متوقعاً، لم تعقد القيادات الكردية التي شاركت في مراسم دفن الرئيس العراقي السابق، جلال الطالباني، في السليمانية، أمس الجمعة، اجتماعاً خاصاً للتدارس بشأن الرد الرسمي للإقليم على عرض الحكومة العراقية، الذي أبدت فيه استعدادها للحوار ضمن الدستور العراقي بشرط إلغاء الاستفتاء ونتائجه. فقد غادر رئيس الإقليم مسعود البارزاني، ونجله، رئيس الحكومة نجيرفان البارزاني، فضلاً عن رئيس الجمهورية العراقية، فؤاد معصوم، ورئيس حركة "التغيير" عمر علي، وقيادات من حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني" التابع للطالباني، المكان من دون عقد اجتماع للتطرق إلى الموضوع. إلا أن مصادر كردية رفيعة في أربيل أكدت، لـ"العربي الجديد"، نجاح ضغوط أميركية وفرنسية على البارزاني في إقناعه بفتح حوار سريع قبل تأزم الموقف مع بغداد، وكذلك داخل الإقليم. وتأتي الضغوط بعدما بدت آثار العقوبات واضحة على القطاع التجاري والاقتصادي مع انقضاء الأسبوع الأول عليها، خصوصاً في ما يتعلق بمسألة ارتفاع أسعار المواد الغذائية.

وذكر مسؤول كردي رفيع المستوى في أربيل، لـ"العربي الجديد"، أن الاجتماع كان من المقرر أن يناقش الرد الرسمي على بغداد في ما يتعلق بالحوار ضمن سقف الدستور وإلغاء نتائج الاستفتاء. وأكد أن هناك قبولاً من حيث الفكرة للحوار بعيداً عن الاستفتاء وما ترتب عنه لكن بشروط عدة، أولها أن تكون عملية تجميد أو تعطيل مؤقتة خلال مدة الحوار التي يجب أن تكون بضامن من طرف ثالث دولي. وأضاف أن الشرط الثاني هو أن ترفع العقوبات مع بدء الحوار، والثالث أن تعترف بغداد بحق أي مكون في العراق في تحديد مصيره بالطرق الديمقراطية السلمية، فضلاً عن إطلاق مستحقات الإقليم بأثر رجعي منذ عام 2009.

وأشار المسؤول الذي يشغل منصباً حكومياً في رئاسة وزراء إقليم كردستان العراق، إلى أن الأكراد يراجعون مواقفهم المتشددة حيال رفضهم إلغاء الاستفتاء، نتيجةً لتعرضهم لضغوط محلية وإقليمية ودولية كبيرة. وأكد أنه "في حال تم التوصل إلى اتفاق بشأن الحوار مع حزبي الاتحاد والتغيير والجماعة الإسلامية الكردستانية (الكتل السياسية الرئيسية في الإقليم) فإنه سيتم إبلاغ الوسطاء الحاليين، وهم السفير الأميركي دوغلاس سيليمان، وممثل الأمم المتحدة يان كوبيش، ومسؤولون فرنسيون يتواصلون مع أربيل بهذا الخصوص"، وفق قوله.

من جانبه، قال عضو "التحالف الكردستاني"، عبد القادر ساشوار، لـ"العربي الجديد"، إن "الموقف الأميركي والغربي بشكل عام مع بغداد، إذ يدعون للحوار، لكنهم يقرون بضرورة عدم الاعتراف بالاستفتاء قبل الحوار وهو يذكرنا بازدواجية العالم الغربي في التعامل مع شؤون الشرق الأوسط، تماماً مثل السكوت عن المآسي الإنسانية في سورية واليمن وفقاً لهوية القاتل"، على حد تعبيره. وأضاف أن "تعطيل الاستفتاء لن يمس بشرعيته بقدر ما هو طريق لرفع عقوبات بغداد ومنع امتداد الأزمة للشارع الكردي".


وفي سياق متصل، رأى عضو القيادة السياسية في إقليم كردستان، روميو هكاري، أن شرط بغداد إلغاء نتائج الاستفتاء قبل بدء المفاوضات مع أربيل ما هو إلا ذريعة تتمسك بها الحكومة العراقية، مؤكداً خلال تصريح صحافي وجود "إمكانية لتأجيل العمل بنتائج الاستفتاء لفترة زمنية قد تصل إلى عام أو عامين من أجل الحوار والتفاوض مع الحكومة المركزية". وأضاف أن "الاستفتاء أجري في كردستان وأصبح (واقع حال)، لكنّ هناك استعداداً لتأجيل نتائج الاستفتاء لفترة زمنية قد تكون عاماً واحداً أو عامين في حال أقرت بغداد بنتائجه بعد الفترة الزمنية التي تحدد للبدء بالمفاوضات والحوارات بين الطرفين". وبيّن أن المشاكل المتراكمة خلال السنوات العشر الماضية بين بغداد وأربيل لا يمكن أن تحل، ما لم تكن هناك مفاوضات وحوارات متبادلة بين الجانبين. وتابع أنه "بغياب الحوارات والمفاوضات ستبقى المشاكل قائمة وعالقة من دون أي حلول مرضية للطرفين"، وفق تعبيره.

وأعلن رئيس حكومة إقليم كردستان، نجيرفان البارزاني، أن الإقليم مع التهدئة ومنع أية محاولة للتسبب بزيادة التوتر، مشدداً في بيان، على ضرورة جلوس بغداد وأربيل للحوار بشأن المشاكل العالقة بينهما.

وحول موقف بغداد من هذا التطور، ذكر القيادي بـ"التحالف الوطني" الحاكم بالعراق، جاسم محمد جعفر، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "بغداد ستتفاوض ضمن الدستور ولا تهمّ الكلمة التي سيستخدمها الأكراد، أكانت تعطيلاً أو إلغاءً، فكلها تعني عدم اعترافنا بهذا الاستفتاء والحوار سيكون حول ما يريدون من دون أي خرق أو مخالفة للدستور". وأضاف "عليهم أن يأتوا إلى بغداد ويعرضوا مشكلتهم لمناقشتها بعيداً عن مشاريع تمزيق العراق".

كذلك، اعتبر رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، حاكم الزاملي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "إلغاء نتائج الاستفتاء وكل ما ترتب عليه هو بداية جيدة من الإقليم، إلا أنه حذر من أن تكون محاولة مماطلة من بعض قيادات الإقليم". وبيّن أن "الحوار يجب أن يكون مباشراً وبعيداً عن أي حديث أو حتى تناول مسألة الاستفتاء"، لافتاً إلى أن "الحكومة والبرلمان قرارهما واضح باعتبار وحدة الأراضي العراقية خطاً أحمر ولا يمكن مناقشته"، بحسب تعبيره. وحول مسألة رفع بغداد العقوبات التي اتخذتها بحق الإقليم كشرط للعودة إلى الحوار، فضلاً عن دفع مستحقاته المالية، قال "سيكون ذلك أيضاً عبر ضمانات مسبقة تقدمها أربيل في احترام الحوار والأسس التي يقوم عليها والهدف من الحوار نفسه".

في غضون ذلك، أكد رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، أمس الجمعة، تلقيه دعوة رسمية من قبل رئيس الوزراء، حيدر العبادي، لزيارة بغداد. وقال في مؤتمر صحافي إن "العمل جارٍ لتحديد موعدها وجدول أعمالها". وذكر أنه "إذا قررت الحكومة المركزية في بغداد إغلاق المعابر مع إقليم شمال العراق فإننا سنحترم ذلك"، بحسب تعبيره. وأشار إلى أن أنقرة تقدمت للحكومة المركزية العراقية باقتراحات لبدائل في ما يخص معبر خابور-إبراهيم الخليل، الذي تسيطر عليه إدارة كردستان. وأوضح أن الاقتراح يتضمن فتح معبر جديد إلى غرب معبر الخابور، في إشارة إلى فتح معبر في منطقة أوفاكوي. لكن فتح هذا المعبر سيتطلب تقدم القوات العراقية إلى الحدود السورية-التركية في منطقة تعتبر شرياناً حيويّاً لمقاتلي حزب "العمال الكردستاني" في سورية. وأكد يلدريم وجود توافق متبادل مع إيران في ما يخص التحرك ضد كل من إقليم كردستان وحزب "العمال الكردستاني".

إلى ذلك، زار وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، أمس الجمعة، محافظة النجف جنوب بغداد، بعد مشاركته في مراسم تشييع جلال الطالباني، بمحافظة السليمانية في كردستان. وعن أهداف الزيارة، أكد مصدر محلي في النجف أن طهران تحاول الحصول على تأييد عراقي، خصوصاً من مراجع دينية عليا، لاحتمال تدخلها لمنع مضي الأكراد باتجاه إنشاء دولة مستقلة قد تحرض أكراد إيران على القيام بخطوات مماثلة.

وفي هذا الصدد، دعا المرجع الديني العراقي، محمد تقي المدرسي، إلى التواصل بين دول المنطقة لحل أزمة الاستفتاء، مشدداً في بيان على ضرورة خلق مناخ إيجابي يجعل المواطنين يشعرون بالكرامة لتفويت الفرصة على الطامعين، الذين يحاولون طرح المشاريع المشبوهة باسم الطائفية أو القومية أو غيرهما. وقال "أبارك هذا التواصل الجاري بين دول المنطقة".