المصالحة الفلسطينية مهددة... بطء في التنفيذ والتطبيق

18 أكتوبر 2017
لم يشعر المواطن في غزة بأي تغيير (Getty)
+ الخط -
تمر المصالحة الفلسطينية بـ"انتكاسة" وبطء شديد في تطبيق بنودها، على الرغم من مرور شهر على حل حركة "حماس" للجنة الإدارية التي اشترطت السلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس حلها قبل البدء في خطوات تطبيق المصالحة، التي تكللت باتفاق جديد وُقّع في القاهرة قبل أيام. وتبدو المصالحة ومعها اتفاق القاهرة الأخير، عُرضة لمصير مشابه لعشرات الاتفاقيات السابقة بين طرفي الانقسام، "حماس" و"فتح"، لكنّ أحداً من الطرفين لن يبادر ويعلن وجود خلاف أو خلل في تنفيذ الاتفاق المبرم، خشية تحميله المسؤولية، وخشية الراعي المصري، أيضاً، والذي دخل هذه المرة بكامل ثقله لإنجاح الاتفاق وإنجازه على أرض الواقع.

ومع عدم شعور الغزيين بتقدّم في المصالحة، ومقابل اعتبار حركة "حماس" عبر المتحدث باسمها عبد اللطيف القانوع أمس، أن "استمرار الإجراءات العقابية على شعبنا في غزة بعد مضي شهر على حل اللجنة الإدارية ينغّص الجو العام للمصالحة"، فإن عباس يربط بين رفع الإجراءات العقابية عن غزة، بإجراءات تمكين حقيقي لحكومة الوفاق في القطاع المحاصر.
وتبرز مشكلتا الأمن والمعابر كمعضلتين حقيقيتين في طريق المصالحة، خصوصاً مع إصرار حركة "حماس" على وجود دور لأجهزة الأمن وتحديداً جهاز الأمن الداخلي على المعابر، لمواصلة محاربته ملف العملاء، وإصرارها على دمج موظفيها العسكريين في أجهزة أمن السلطة، مع عدم اعتراضها على تغيير المناصب ودراسة الحالات الفردية لكل موظف ووضعه في مكان مختلف.

غير أنّ ما تطرحه السلطة الفلسطينية وحركة "فتح" مخالف لتوجّهات "حماس"، وهي التي تريد تسلم غزة بالكامل من الحركة، ثم إعادة دمج الموظفين المدنيين ودراسة ملف العسكريين، مع الحديث الجديد عن عدم قدرة السلطة على تحمل عبء مالي جديد. وبين ما يريده كل طرف، يبدو أنّ غزة قد تتجه لخيار الفراغ الإداري والأمني، الذي هددت به "كتائب القسام"، ذراع "حماس" العسكرية، في وقت سابق، وهو الخيار الذي يمهد لاتفاق داخلي في غزة على حكومة أو لجنة إدارية مصغرة إن فشلت المصالحة.

وقال الكاتب والمحلل السياسي ثابت العمور، لـ"العربي الجديد"، إن المصالحة الفلسطينية تواجه انتكاسة بين حديث حركة "حماس" عن تسليم السلطة في غزة وحديث حركة "فتح" عن ضرورة تمكين الحكومة من كل شيء، على الرغم من مرور شهر على حل اللجنة الإدارية، ونحو أسبوعين على زيارة حكومة التوافق الوطني إلى القطاع.
ولفت إلى أن "المواطن العادي في القطاع المحاصر لم يشعر بأي تغير حقيقي بشأن المصالحة على الأرض، ولا سيما أن ما جرى يشبه عملية النزول بالمظلات وكان مفاجئاً وغير متوقع، والدور المصري الدافع لها كان حاضراً". وأشار إلى أنه بعد توقيع التفاهمات الأخيرة في مصر لم تحدث أي خطوات عملية على الأرض كإلغاء الإجراءات العقابية التي اتخذها عباس ضد القطاع على خلفية تشكيل حركة "حماس" اللجنة الإدارية.

وأوضح العمور أنّ "الطرفين لم يقدّما إجابات واضحة بشأن مصير الموظفين والمتقاعدين، ولم يجرِ حتى بحث الملفات الكبيرة الخاصة بالمصالحة المتمثلة في الأمن وغيرها من الملفات، لكنه من المستبعد العودة إلى المربع الأول في ظل الوجود والحضور المصري". ورأى أن حركة "حماس" ألقت عن كاهلها ثقل حكم القطاع بإنجازها المصالحة الفلسطينية ورمت الكرة في ملعب عباس، ولا سيما أنه، نظرياً، يبدو أن الحركة سلمت القطاع عبر الاعتراف بدور الحكومة وقبول عملها في غزة.
وعن إمكانية حصول فراغ إداري وأمني في القطاع في حال استمرت المماطلة في تنفيذ المصالحة، لم يستبعد المحلل السياسي ذلك، ولا سيما في ظل حالة التباطؤ في إنجاز ملف الموظفين عبر اللجان التي شُكلت للنظر في ملفاتهم وقضاياهم.


وفي السياق نفسه، أشار الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم المدهون، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ عباس ما يزال غير مندفع نحو إتمام المصالحة الداخلية، ويبدو غير مستعجل في اتخاذ أي قرارات جديدة، ولا سيما في ظل توجسه من التعامل المصري مع القطاع. وعزا المدهون حالة التخوّف من التعامل المصري مع القطاع إلى رفض السلطة وعباس إشراك حركة "حماس" في إدارة القطاع، بالإضافة إلى عدم قبول الرئيس الفلسطيني إعادة القيادي المفصول من حركة "فتح" محمد دحلان إلى المشهد مجدداً.

ووفق المدهون، "لا يرغب عباس في إنجاز المصالحة حالياً لأن عودة القطاع إليه وإلى السلطة مجدداً سيؤدي إلى انهيار وإنهاء مرحلته ومشروعه، وهو يحاول وسيبقى يعمل على تأخير هذا السيناريو عبر تأخير اتخاذ خطوات تجاه ملف المصالحة الوطنية". ورأى أنّ "عباس والسلطة الفلسطينية ينتظران موقفاً وتسهيلات أوسع وأعمق من الاحتلال تجاه المصالحة وتجاه تمكينها في القطاع الذي يحمل وما يزال مشروعاً تصادمياً معه بعكس الضفة الغربية المحتلة".

واعتبر المحلل السياسي أن المصالحة الداخلية وإنجازها الآن تواجه حالة المزاجية التي يتعامل بها الرئيس الفلسطيني معها عبر التريث في اتخاذ أي خطوات جديدة والخشية من الدور المصري المبذول في إنجاز ملف المصالحة وإنهاء الانقسام الداخلي. ولم يستبعد أن يكون أنموذج الفراغ الأمني والإداري الذي طرحته "كتائب القسام" قائماً في حال فشلت المصالحة الداخلية، "والذي يبدو أنها أعدّته بعد دراسة واضحة وشاملة لطبيعة المشهد السياسي الداخلي والحالة التي وصل لها القطاع".
ولا تريد السلطة الفلسطينية وحركة "فتح" تحمّل مسؤولية فشل المصالحة جماهيرياً أو أمام الوسيط المصري، لأن ذلك قد يؤدي لخطوات وخطط مصرية أحادية أخرى في التعامل مع غزة، أو سيؤدي للوصول إلى حالة فوضى في القطاع تنتج عنها مواجهة عسكرية جديدة، وفق المدهون.

المساهمون