استهداف "الإصلاح" بعدن: فصل من مساعي الإمارات لاجتثاث الحزب ومنع استئناف نشاطه

13 أكتوبر 2017
قوات موالية للإمارات تسيطر على الأوضاع بعدن(صالح العبيدي/فرانس برس)
+ الخط -
أثارت الاعتقالات على مدى اليومين الماضيين التي تعرض لها قياديون ونشطاء في حزب "التجمع اليمني للإصلاح" في عدن، جدلاً حول طبيعة العلاقة بين هذا الحزب والتحالف العربي، ومستقبل "الإصلاح" في جنوب اليمن بعد صعود قوى نفوذ جديدة مقربة من الإمارات ومناوئة له. وكان لافتاً محاولة ربط هذه الاعتقالات بالتطورات الأمنية التي تشهدها المحافظة، وحديث وسائل إعلام مقربة من الإمارات عن العثور على أسلحة ومتفجرات خلال المداهمات، خصوصاً أن الاعتقالات جاءت بعد اغتيال الشيخ ياسين الحوشبي العدني، إمام وخطيب "مسجد زايد" في عدن، وتوعّد نائب رئيس ما يسمى "المجلس الانتقالي الجنوبي" هاني بن بريك بالثأر له والقضاء على "التكفيريين"، إضافة إلى نجاة قيادي في "قوات الحزام الأمني"، من محاولة اغتيال تعرض لها مساء الثلاثاء. وهو ما أثار ردود فعل منتقدة من بينها ما أشار له المتحدث السابق باسم مجلس مقاومة عدن، علي الأحمدي، في منشور عبر فايسبوك، إذ اعتبر أنه "حدث مفصلي خطير أن يتم الاعتقال والاستهداف بكل وضوح لأسباب سياسية بعد أن كانت الاعتقالات والاغتيالات غير واضحة الدوافع ولا تزال قضايا كثيرة معلقة لم يحسم أمرها أو يحدد المسؤول عنها". وأضاف "طبعاً لم يجرؤ مدير الأمن أن يصرح بذلك فذهب فريقه الإعلامي لصناعة قصص تضحك منها أزقة القلوعة (منطقة في عدن) التي تعرف المعتقلين كما يعرفهم أهل عدن وتستحضر عدن ما كان يلفقه المستبدون الأوائل من تهم لرموز المجتمع الجنوبي قبل تصفيتهم". وتابع "طبعاً هذا الكلام مع إحسان الظن وتلطيف الكلام، أما إذا كانت الاعتقالات ليست لغرض سياسي استحواذي وانما هي تنفيذ لأوامر الرعاة فهنا نقول أعطونا استبداداً وليكن استبداداً وطنياً حقيقياً فقد يهون الخطب نوعاً ما..."، وذلك في تلميح واضح إلى إمكانية وقوف أبوظبي وراء صدور قرارات الاعتقالات.

وكان لافتاً أن حملة الاعتقالات جاءت بعد ساعات من عودة قيادة "المجلس الانتقالي الجنوبي" إلى عدن. وتواصلت الحملة أمس الخميس بتوقيف عضو المجلس المحلي للحزب في منطقة القلوعة في محافظة عدن، وهيب هائل، بعدما كانت قوة تابعة لأمن عدن اعتقلت الأربعاء، 10 من قياديي ونشطاء "الإصلاح"، من بينهم الأمين المساعد للحزب في المحافظة، محمد عبدالملك، إلى جانب عضو مجلس الشورى في الحزب عارف أحمد علي، والقيادي في "المقاومة الشعبية" أيمن شكيب. وطالب "الإصلاح" في عدن في بيان الحكومة وقيادة التحالف، بالقيام بدورهما في سرعة الإفراج عن المعتقلين، داعياً كافة الأحزاب والمكونات السياسية ومنظمات المجتمع المدني إلى إدانة هذه "الممارسات".

وتأتي الاعتقالات بعد أيام فقط من عودة "الإصلاح" في عدن لنشاطه السياسي من خلال إقامته ندوة تحمل عنوان "الدور السياسي للإصلاح"، وذلك بعد عامين من تجميد شبه كلي لنشاطه في عدن، ليعود الجدل مرة أخرى حول علاقة التحالف العربي بالحزب الذي يُعد أحد أبرز وجوه المقاومة ضد الانقلابيين.
ويرى مراقبون أن الاعتقالات تأتي لقطع الطريق أمام أي توجّه لـ"الإصلاح" لإعادة نشاطه السياسي والاجتماعي إلى المحافظة التي تتحكّم فيها تشكيلات أمنية موالية للإمارات، تمهيداً لمرحلة ما بعد الحرب التي تبرز معالمها في محافظات الجنوب لصالح قوى موالية للإمارات.
وعلى الرغم من أن "التجمع اليمني للإصلاح" أول حزب أعلن تأييده لـ"عاصفة الحزم"، وأصدر لاحقاً بيانات تأييد لكل خطوة يخطوها التحالف العربي في خضم الحرب الدائرة، فضلاً عن تجميد نشاطه السياسي، وانتقال كثير من قيادته للإقامة في الرياض، إلا أن ذلك لم يمنع من اعتقال العديد من قياداته في عدن وحضرموت من قِبل قوات موالية للإمارات.

وفي هذا السياق، لا يزال القيادي في "الإصلاح" في حضرموت عوض الدقيل معتقلاً منذ يونيو/حزيران من العام الماضي في سجن الريان في مدينة المكلا، أحد أبرز المعتقلات التي تشرف عليها القوات الإماراتية، الأمر الذي يشير إلى أن التحالف العربي وفي مقدمته أبو ظبي يحتفظ بأوراق ضغط مسبقة، لإعادة ضبط خارطة النفوذ لمرحلة ما بعد الحرب.

وتتزامن هذه الاعتقالات مع تحريض إعلامي مستمر منذ الأشهر الأولى للحرب ضد الحزب بتهم متعددة بدءاً من دعم الإرهاب وليس انتهاء بالتحالف السري مع الحوثيين، وهو ما يوضح أن الحملة ليست منفصلة عما يدور في الواقع من استهداف لكوادر الحزب.
ويبدو أن علاقة دول التحالف بحزب "الإصلاح" لم تشهد أي تحسن، باعتباره شريك حرب ضد التمدد الحوثي، وانحصرت فقط في جبهات القتال ولم تتطور لتصل إلى علاقة إيجابية فضلاً عن الوصول لمرحلة التحالف الحقيقي. ولم يخلُ الحلف الحربي بين التحالف و"الإصلاح" من ابتزاز الأول للحزب واتهامه بمحدودية المشاركة وعدم الإلقاء بثقله الكامل في الحرب، وهو ما يتكرر كثيراً في وسائل الإعلام الموالية للتحالف.

وبدا واضحاً أن التوجّه نحو اجتثاث "الإصلاح" باعتباره جزءاً من "الإخوان المسلمين" كان محفزاً آخر للإمارات للتدخّل في اليمن تحت لافتة التحالف العربي، إذ لم يمض على انطلاق "عاصمة الحزم" سوى أربعة أشهر حتى خرج وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتية أنور قرقاش قائلاً إن الدور والتضحية التي تقدّمها بلاده في اليمن لا تروق لمن يحمل مشروع "الإخوان المسلمين". ليعود لاحقاً ويصف دور "الإصلاح" في الحرب بالانتهازي وينفي مشاركته في الحرب.

وعلى الرغم من الرد الهادئ لمسؤول الدائرة الإعلامية للحزب علي الجرادي، على قرقاش، وتذكيره بأن الأخطار المحدقة بالجزيرة والخليج تحتم المزيد من تقوية وتمتين العوامل والمصير المشترك في الدفاع عن المشروع العربي والقومي والإسلامي، إلا أن الهجوم الإماراتي استمر ليصل ذروته في يناير/كانون الثاني من العام الحالي، حين توعّدت صحيفة "الخليج" الإماراتية باجتثاث حزب "الإصلاح" وملاقاته مصير بقية الجماعات الإرهابية.
ودأب "الإصلاح" على امتصاص الحملات الإعلامية المتكررة التي تصدر من وسائل إعلام محسوبة على التحالف واعتبارها مواقف فردية وليست منظّمة ورسمية. وبعد مرور عامين ونصف عام على الحرب، لم تتمكن قيادات الحزب من لقاء أي مسؤول على مستوى عالٍ في الإمارات والسعودية للتوصل إلى تفاهمات مشتركة، وباءت كل محاولات التهدئة والإشادة بدور التحالف وفي مقدمته السعودية والإمارات بالفشل.


ويتخوف مراقبون وسياسيون من مستقبل العملية السياسية في اليمن، استناداً إلى حملة الاعتقالات والملاحقة لكل المكوّنات التي لا تتسق مواقفها مع أبوظبي في جنوب البلاد، سواء حزب "الإصلاح" أو بعض القيادات السلفية.
وفي هذا السياق، يقول المحلل السياسي عدنان هاشم إن استهداف حزب "الإصلاح" هو استهداف للعمل السياسي والحزبي في اليمن وليس فقط في عدن، معتبراً في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "الإمارات تمارس الأفعال نفسها التي تقوم بها على أراضيها بحظر الأحزاب وحرية التجمّع بل حتى حرية التفكير".

ويلفت إلى أن "هذه الخطوة المستهجنة والمستنكرة انتهاك لكل مبادئ وقواعد حقوق الإنسان والعمل السياسي في اليمن، ولم يسبق أن حدث تحريف بهذه الطريقة المشينة للعمل السياسي والحزبي في تاريخ البلاد"، معتبراً أن "الإمارات تخلق وضعاً شاذاً في المحافظات الجنوبية سينقلب على الجميع، ولن يقدّم إلا خدمة للحوثيين والقوات الموالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح". ويرى هاشم أن على "الإصلاح" تجاوز الإطار الضيق للمسميات وأن يعلن للجميع أنه يتعرض لحرب شعواء من الإمارات، وأن هذه الحرب لن تنعكس على الحزب وحده بل على حرية الرأي والتعبير والعمل السياسي في المحافظات الجنوبية ككل.

من جهته، يعتبر الصحافي، علي الفقيه، أن هذا التصرف يكشف عن أن أجهزة الشرطة في عدن لا تعمل ضمن منظومة الشرعية القائمة بل تتلقى توجيهاتها من كيانات خارج إطار الدولة. ويشير الفقيه في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن "اقتحام مقر حزب الإصلاح تزامن مع عودة قيادة ما يسمى المجلس الانتقالي إلى مدينة عدن"، معتبراً أن "ما شهدته عدن من اقتحامات واعتقالات هو تعبير عن الوجه الحقيقي لهذا الكيان الذي وُلد في ظروف غير طبيعية، وتعبير عن توجّهات قيادته المعادية للتعددية وللحياة السياسية".

ويقول إنه "منذ تأسس ما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي ونحن نتابع تصريحات لقياداته وهم يبدون عداءً واضحاً لكل من يختلف معهم، كما يعبّرون عن قطيعة مع التعددية السياسية ورفض كامل لوجود أي رأي مختلف"، لافتاً إلى أن "الأخطر في الأمر هو استخدام أجهزة الشرطة لتنفيذ أجندات ليس لها أي علاقة بالدولة، وتنفيذ اقتحامات واعتقالات باسم الجهاز المنوط به حماية الناس وحماية حقوقهم وحرياتهم في التعبير وممارسة أنشطتهم المكفولة دستورياً".

ويرى الفقيه أن "حزب الإصلاح ليس هو المستهدف من العملية وإنما الدولة والحياة السياسية برمتها، إذ لا يزال في جعبة هذه الكيانات القادمة من عصر ما قبل الدولة الكثير من المفاجآت التي ربما نشهدها خلال الفترة المقبلة"، مضيفاً أن "المطلوب من الشرعية اليوم أن تصحح الوضع في عدن قبل أن تصبح عاجزة عن تصحيحه مستقبلاً، فالتهديدات طاولت حتى رئيس الحكومة وأعضاءها من شخصيات ليست بعيدة عن توجه المجلس الانتقالي". ويشير إلى أن "ما يحصل في عدن يعدّ امتحاناً صعباً للتحالف العربي الذي يدعم هذا التيار ليثبت ما إن كان قد جاء لدعم ومساندة الشرعية والحفاظ على استقرار ووحدة اليمن، أم أنه في الحقيقة يدعم كيانات وجماعات مسلحة تعمل على تفكيك اليمن وتقويض الشرعية".