"ثورة" مؤتمر "الاتحاد التونسي للشغل": هموم نقابية وطنية فلسطينية

24 يناير 2017
خلال افتتاح أعمال المؤتمر في تونس العاصمة الأحد(أمين الأندلسي/الأناضول)
+ الخط -
تنتهي غداً أعمال المؤتمر الثالث والعشرون للمنظمة النقابية التونسية الأكبر، "الاتحاد العام التونسي للشغل"، بعدما انطلقت أول من أمس، الأحد، بحضور آلاف العمال الذين جاؤوا من كل المناطق، و120 شخصية ممثلة عن الجمعيات والمنظمات العربية والدولية. وانطلق المؤتمر بتوجيه رسالتين بارزتين إلى الداخل والخارج؛ الأولى لمحاولة تكريس استقلالية الاتحاد عن مؤسسات الدولة والأحزاب، إذ لم توجه أية دعوة إلى الحكومة أو الرئاسة أو أي حزب سياسي، باستثناء رسالة مكتوبة وجهها رئيس البرلمان، محمد الناصر، الذي يعتبره "اتحاد الشغل" "أب الحوار الاجتماعي في تونس"، كونه قام برعاية المفاوضات عندما كان وزيراً للشؤون الاجتماعية إبان عهد الرئيس الراحل، الحبيب بورقيبة. أما الرسالة الثانية فكانت تجديداً لموقف المنظمة التاريخي من القضية الأولى، فلسطين، عبر تكريم الأسير، مروان البرغوثي، من خلال زوجته فدوى البرغوثي، والأمين العام لـ"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، أحمد سعدات.

وبعيداً عن هذه العناوين التي يحاول المؤتمر تكريسها، فلا مجال للشك في أن المنظمة النقابية التونسية التي تجاوزت عقدها السابع، لا يمكنها الادعاء بالاستقلالية المطلقة، بالنظر إلى تكونها منذ البداية من تيارات سياسية مختلفة. وقد بدأت رحلتها من خلال مقاومة الاستعمار وصولاً إلى الصراع مع مختلف الحكومات التي تعاقبت على البلاد منذ الاستقلال، ما جعلها تتراوح باستمرار بين مطالب سياسية وأخرى نقابية، على الرغم من تلازم المسألتين، وتعاظم الدور السياسي إبان الثورة وخصوصاً بعدها.

لكن هذا المؤتمر يأتي في ظرف دقيق تاريخياً. ويطرح على المنظمة وقيادتها الجديدة رهانات مختلفة، أهمها نقابي صرف، ويتعلق بوضع العمال الذين تدهورت قدرتهم الشرائية بشكل كبير بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة. وهذا يقود تلقائياً إلى الصدام مع منظمة رجال الأعمال ومع السلطة التنفيذية، المتمثلة حالياً بالحكومة التي يترأسها يوسف الشاهد، على الرغم من توقيع "اتحاد الشغل" على وثيقة قرطاج حول تشكيل حكومة وحدة وطنية في تونس.

واعتبرت المنظمة النقابية أن مشروع قانون الموازنة المالية العامة لسنة 2017، والذي دعا إلى تأجيل الزيادات في أجور موظّفي القطاع العام وتجميد الانتدابات في الوظيفة العموميّة، يهدد السلم الاجتماعي، ويشكل تنصلاً من اتفاقات تم توقيعها مع الحكومة السابقة برئاسة الحبيب الصيد، وتنكراً لمبدأ استمرارية الدولة، وإسقاطاً لمسار التفاوض، وفق رأي "اتحاد الشغل".

وكانت المنظمة قد لوحت بالإضراب العام في 8 ديسمبر/كانون الأول 2016، قبل التوصّل إلى اتفاق اللحظات الأخيرة مع حكومة الشاهد. ولم تكن تلك الخطوة كناية عن المواجهة الوحيدة. فقد سبقتها إنذارات بإضرابات عامة وقطاعية عديدة، استبسل فيها "اتحاد الشغل" للدفاع عن حقوق العمال، فيما اعتبرت الحكومات المتعاقبة هذه التحركات ضرباً لآلة الإنتاج ومحاولات سياسية لإسقاطها.

ويبدو الجميع، بمن فيهم "الاتحاد"، في مأزق حقيقي. فالبلاد تشهد تراجعات حقيقية في كل المؤشرات فيما ارتفع مستوى مديونيتها، وتراجع نسق العمل والإنتاج، على الرغم من بعض التحسن بداية هذا العام. والمفارقة أن العمال ورجال الأعمال يشتكون من نفس الأسباب، الأمر الذي من شأنه أن يفرض على الجميع تفاهمات واقعية، بعيداً عن الحقوق المطلقة للعمال والكسب المطلق لأرباب العمل.

لكن "اتحاد الشغل" مطالب أيضاً بالبحث المشترك عن آليات حقيقية، تدعم مطالبته الحكومة والقطاع الخاص بالبحث عن موارد أخرى غير ضرب حقوق العمال والمس بمكتسباتهم، من خلال استرجاع ديون الدولة ومكافحة التهرب الضريبي والتهريب. ويصطدم الجميع بأرقام متصاعدة عن تأزم أوضاع الصناديق الاجتماعية، ما يدعو إلى إعادة صياغة منظومة التقاعد والاستشفاء والتغطية الصحية والاجتماعية عموماً.

وفيما تستشهد الحكومة والقطاع الخاص بتراجع السياحة والفوسفات وغيرها من القطاعات، وإقفال المئات من المصانع منذ الثورة التونسية وهروب المستثمرين إلى دول أخرى، بسبب التوترات الاجتماعية المستمرة وتنامي الحركة المطلبية، يفترض على الجميع أن يبحث في أفق تنموي جديد، يقطع مع الأساليب القديمة التي أثبتت فشلها وقادت إلى الثورة، وهي أسئلة ستطرح بإلحاح على المؤتمرين هذه الأيام.

ويركز المؤتمر الحالي لـ"اتحاد الشغل" على جملة من المسائل التي سيبحثها بالتوازي مع المسألة الانتخابية. ولعل أهمها اللائحة الداخلية ومسألة الهيكلة الجديدة التي تدعو إلى مراجعة الجهاز التنظيمي للمنظمة بما يضفي عليها تمثيلاً أوسع ومرونة أكبر، وتجديداً لنوعية العمل النقابي بعيداً عن المركزية من ناحية، وتماشياً مع تطور المسائل الاقتصادية والاجتماعية من ناحية أخرى.

وستشكل هذه اللوائح أرضية حقيقية لعمل المنظمة النقابية، خلال السنوات المقبلة، ولعلاقتها بالواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي التونسي. وستعكس أيضاً نوعية التنافس التقليدي بين مدارس وتيارات فكرية قد تحسم الجدل بين التمترس خلف مقولات تقليدية، وبين رؤى واقعية لحقيقة اقتصادية ماثلة أمام الجميع. وفيما يتجلى هذا التنافس بين قائمتين انتخابيتين، قد يذهب المؤتمرون إلى الاختيار بين توليفة تضم أسماء من هذه القائمة وتلك، لأن الاقتراع يتم على أساس فردي وليس على أساس القوائم. لكن الاتجاه الغالب يرجح أن يكون التصويت لمصلحة ما يسمى بالقائمة التوافقية، التي تضم معظم وجوه المكتب المنتهية ولايته، وربما تضاف إليها بعض الأسماء من القائمة المنافسة.

ولم يخل التنافس من إشارات سياسية واضحة حول قرب هذا الاسم أو ذاك من بعض الأحزاب، واتهامات بمحاولة بعض الأحزاب التسلل إلى المنظمة النقابية وتغيير تركيبتها تدريجياً، في اتجاه تغيير توجهاتها اليسارية والقومية التقليدية. ولكن الأمر الأكيد هو أن القيادة الجديدة، التي سيفرزها المؤتمر الثالث والعشرون لـ"اتحاد الشغل"، ستكون أمام ملفات حارقة ورهانات تاريخية بالنسبة إلى المنظمة والبلاد، وسيكون عليها أن تعالجها بسرعة تحت ضغط القواعد من ناحية وواقع البلاد الجديد من ناحية أخرى.


رسالة مروان البرغوثي
في رسالة للأسير مروان البرغوثي، إلى "الاتحاد العام التونسي للشغل"، تلتها نيابة عنه زوجته فدوى البرغوثي، قال إن "الاتحاد" هو التنظيم الأبرز في الوطن العربي والأكثر فاعلية وتمثيلاً للمناضلين في مختلف البلاد وكان له دور مشهود في الكفاح والنضال من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية. واعتبر أن لـ"اتحاد الشغل" منذ تأسيسه وإلى اليوم، دور مشهود في الكفاح من أجل التحرر والنضال، ومن أجل الحرية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية والحقوق السياسية والديمقراطية لمناضليه ومنتسبيه، مستذكراً، في هذا الإطار، شهداء تونس والحركة النقابية، والثورة التونسية، وكل شهداء الأمة العربية الذين سقطوا من أجل الحرية والكرامة الوطنية والاستقلال والعدالة.

وقال البرغوثي في رسالته: "على التونسيين أن يفخروا بدورهم العظيم لأنهم أطلقوا شعلة النور وحافظوا عليها وعلى مسارها ونجحوا في الانتقال بها إلى الدولة الديمقراطية وصياغة دستور توافقي وانتخاب البرلمان والرئيس ومختلف الهيئات"، مشيراً إلى أن "وعي الشعب التونسي ونخبه ومثقفيه وقوى مجتمعه المدني، وفي مقدمتهم الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي كان لمبادرته وشركائه في الرباعي الراعي للحوار في تونس، الدور الأكبر في إنقاذ تونس من خطر الفوضى والاقتتال الذي كان مصير العديد من الأقطار العربية".

وتابع البرغوثي قائلاً: "إني ومن زنزانتي الصغيرة المعتمة في سجون الاحتلال الصهيوني أتوجه لشعب تونس العظيم وكل قواه الحية ولشهداء تونس بالتحية والتقدير، وأقول للعرب جميعاً في كل الأقطار العربية أن الشراكة هي الحل وحجر الزاوية في إعادة إعمار الأوطان، وفي الحفاظ على وحدتها واستقلالها وحريتها.

وشدد البرغوثي على أن فلسطين تتعرض لعدوان صهيوني شامل في ظل الانشغال العربي والصراع الدائر في العديد من الأقطار العربية، لتهويد القدس ومحو هويتها العربية الإسلامية والمسيحية، ونقل مليون مستوطن إلى الضفة الغربية في السنوات المقبلة، وتواصل في نفس الوقت، الحصار والعدوان وحرب التجويع لقطاع غزة، وكذلك عمليات الاغتيال والاعتقال والترحيل ومصادرة الأرض. وأشار إلى أن الاحتلال الإسرائيلي امتدت يده لضرب حمام الشط بتونس عام 1985، واغتال (القيادي الفلسطيني) خليل الوزير (أبو جهاد)، عام 1988، و(المهندس التونسي) محمد الزواري، في ديسمبر/كانون الأول 2016، معتبراً أنه ما كان لهذا الكيان مواصلة مشروعه الاحتلالي لولا الاحتضان والمساندة الأميركية التي بشر الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب، بمضاعفتها عندما أعلن (عزمه) نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، داعياً إلى تحرك عربي للرد على هذا القرار الذي يعد انتهاكاً صارخاً للمواثيق والقوانين والقرارات الدولية.