زمن الرئيس ترامب: بين الواقع والوهم


20 يناير 2017
لم يدرك ترامب الفرق بين المرشح والرئيس (Getty)
+ الخط -
بعد ساعات يؤدي ترامب القسم الدستوري ويصبح الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة. لكن أي رئيس؟ سؤال مطروح في واشنطن منذ إعلان فوزه ولا يزال حتى عشية حفل تنصيبه. فالرجل لم يفصح طوال الشهرين ونصف الماضيين عن كيفية ترجمة وعوده وتقديمها بمشاريع وسياسات متماسكة. 


غاب خطابه الانتخابي الشعبوي بعدَ أن فقد صلاحيته من غير أن يتبلور بعدُ خطابه الرئاسي. ومن المستبعد أن يتبلور بالمقاييس المعمول بها، لاحقاً. قضى الفترة الانتقالية بين تركيب إدارته والتي اقتصرت حتى الآن على ملء المناصب الوزارية فقط وبين تغريداته المعروفة، الهجومية والدفاعية.

يشار إلى أن تعيينات ترامب أثارت الكثير من التساؤلات والتحفظات، في الكونغرس وغيره؛ باستثناء وزير الدفاع وإلى حد ما وزير الخارجية. الباقون إما تكشفت عليهم مآخذ كان ينبغي أن تكون مانعة وإما أنهم غير مؤهلين. وزيرة التربية على سبيل المثال، لا تحمل شهادة جامعية. 

إلى جانب ذلك كانت له إطلالة واحدة على الصحافة. وهذه الأخيرة جرت للإعلان، بحضور ومشاركة محاميه، عن تسليم إدارة أعماله لولديه. ترتيب يضمن إشرافه غير المنظور على إمبراطوريته.

ولم يسبق أن عرف تاريخ الرئاسة حالة مماثلة. كما انشغل بالرد على قضية التدخل الروسي في الانتخابات لصالحه وما تناسل عنها من معلومات تزعم أن له علاقات مشبوهة ومحرجة مع الروس. وهذا ملف لم يقفل بعد، وقد يتفاعل بصورة تجعله مفتوحاً على احتمالات غير محمودة.  

مع هذه الخلفية المعطوفة على خطابه الانتخابي المعروف ومواقفه المتقلّبة، يصل ترامب إلى واشنطن بهوية سياسية ملتبسة أكثر فأكثر ووضعية مهتزة، يعكسها رصيد شعبي هابط.

حسب آخر الاستطلاعات، يتراوح تأييده حالياً بين 40% و37%. وهو تأييد غير مسبوق بضعفه، لرئيس أميركي عشية تسلمه السلطة. ومع أن ترامب حاول مع فريقه التقليل من أهمية هذه الأرقام بزعم أن الاستطلاعات كانت مخطئة في الانتخابات، لكن هذا الدفاع غير دقيق، فكلينتون نالت ما يزيد عن 3 ملايين صوت أكثر من ترامب. ولا يخفى القلق في صفوف أركانه من أن تكون الانطلاقة متعثرة إن لم يكن أكثر؛ بالرغم من أجواء البهرجة التي تحيط باحتفالات التنصيب، التي بدأت مقدماتها بعد ظهر أمس مع وصول الرئيس ترامب إلى واشنطن.

عادة، وفي مثل هذا الوقت، ينطلق الرئيس الجديد برصيد عالٍ يستمد منه الزخم المطلوب للإقلاع المأمون برئاسته. أسلافه الثلاثة تمتعوا بدعم بين 60 و 70%. تزايد الارتياب به بعد الانتخابات. جملة أسباب تظافرت لتنتهي به عند هذه النقطة. فهو من جهة عجز  أو بالأحرى عاجز، عن الانتقال من موقع المرشح والارتقاء إلى المستوى الرئاسي. لا في خطابه ولا في أدائه. احتفظ بالتويتر كوسيلة للتواصل، تماماً كما كانت عليه حاله أثناء الحملة الانتخابية.

لقد فات ترامب على ما يبدو، أن الفارق شاسع بين المرشح ووعوده وبين الرئيس وسياساته. ومن جهة أخرى بدأ التناقض يتكشف بين برنامجه الانتخابي وبرنامجه الرئاسي. مثال على ذلك أن حملته الانتخابية قامت في واحد من جوانبها على التحريض ضد وول ستريت، في حين حرص على إعطاء ستة مقاعد في إدارته إلى رموز كبيرة من شارع المال في نيويورك. وليس في ذلك من جديد. فمن الأساس كان التناقض أحد سمات معركته، وما زال أحد سمات رئاسته، إذ بدا أنه لا يتفق حتى مع أركان إدارته، حسب ما كشفت جلسات استجوابهم أمام لجان الكونغرس، بشأن ملفات رئيسية، على رأسها العلاقة مع موسكو بوتين. وهذا ما يفسر هبوط شعبيته السريع إلى أدنى مما حصل عليه بحوالى 6 نقاط في الانتخابات.

مع ذلك ما زالت أميركا بالانتظار، من باب أن ترامب يستحق منحه الفرصة لإظهار رئاسته على حقيقتها. على الأقل لأن هذا من حقه كرئيس منتخب. لكن تحت هذه المقولة يستقر الاعتقاد بأن الواقع لا يمحوه الوهم، فلو كان هناك تصحيح محتمل لظهر في الفترة الانتقالية. في أقله كان على ترامب أن يتخلى عن أعماله، جرياً على العادة في مثل هذه الحالات. لكنه أصر على أن يكون الرئيس الأول الذي يحكم امبراطوريتين في آن. وما يجري من تلميع لهذه الرئاسة ليس سوى محاولة لحجب شوائبها من ناحية وتقليل خسائرها، إذا أمكن، من ناحية أخرى.

 

المساهمون