سيناريوهات معركة الهلال النفطي في ليبيا

19 سبتمبر 2016
تحاول قوات حفتر صد هجوم لحرس المنشآت(عبدالله دوما/فرانس برس)
+ الخط -

يشهد الوضع الميداني الليبي تطورات متسارعة تتركز في منطقة الهلال النفطي، بعدما أطلقت قوات حرس المنشآت النفطية، أمس الأحد، معركة استعادة السيطرة عليها بعدما كانت قد خسرتها عقب الهجوم الذي شنته قوات تابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر قبل أسبوع واستمر لثلاثة أيام.
ووسط تضارب الأنباء حول التقدّم الذي حققته قوات حرس المنشآت النفطية أمس الأحد يسود ترقب لمآلات المواجهات وتداعياتها، لمعرفة ما إذا ستكون مقدمة لوضع حد لمفاعيل الانقلاب النفطي الذي قاده حفتر وحاول ترجمته بمكاسب سياسية أم أنها ستتيح المجال أمام سيناريوهات أخرى تغلب فيها المواجهات العسكرية.
وتسود خشية من أن تدخل ليبيا في أزمات جديدة تزيد من تعقيد الصراع وتوسيعه، لا سيما أن تداعيات هجوم حفتر على منطقة الهلال النفطي باتت تهدد بإسقاط كل الإنجازات التي حققتها القوات الموالية للمجلس الرئاسي الليبي، خصوصاً في الحرب ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) الذي يسعى لاستغلال التطورات لمحاولة استعادة المناطق التي خسرها.


 معارك الهلال النفطي

وتضاربت الأنباء أمس الأحد بشأن الأوضاع العسكرية في منطقة الهلال النفطي، بعدما شنّت قوات حرس المنشآت هجوماً مضاداً لاستعادة المناطق التي خسرتها، ففي الوقت الذي أكد فيه المتحدث باسم حرس المنشآت علي الحاسي سيطرة قوات الحرس على موانئ السدرة وراس لانوف، وهو ما أكده آمر عرفة عمليات أجدابيا التابعة للبرلمان أكرم بوحليقة، فإن أنباء أخرى أفادت بأن قوات حفتر تراهن على جر قوات الحرس إلى الصحراء لتوجيه ضربات جوية لها لإضعافها، وهي الاستراتيجية التي اعتمدتها في حربها ضد مقاتلي "سرايا الدفاع عن بنغازي" الشهر قبل الماضي في المنطقة الصحراوية بين أجدابيا وبنغازي.

هذه التطورات تعني إدخال منطقة الهلال النفطي إلى حلبة الصراع المسلح، خصوصاً إذا ما صحت الأنباء بأن حفتر رسم كميناً لحرس المنشآت لمنعها من استعادة السيطرة على المنطقة. كما أنه لا يمكن إغفال أن العديد من الأطراف الليبية، ومن بينها قوات مصراته وقوات في غرب ليبيا، لن ترضى بانفراد حفتر بالتمتع بعائدات النفط لوحده، والتي يدرك الجميع أن جزءاً كبيراً منها سيذهب للإنفاق على تسليح قواته. 
وفي السياق، أفادت أنباء بعودة "كتيبة أولاد حمودة"، أكبر الفصائل المسلحة في قبيلة المغاربة والمكوّنة لحرس المنشآت، للمشاركة بالقتال الدائر على مشارف موانئ النفط في منطقة الهلال، مما قد يشير بقوة إلى رجوع القبيلة التي ينحدر منها قائد حرس المنشآت إبراهيم الجضران للسيطرة على مواقعها السابقة في الموانئ، في مسعى للحفاظ على مكتسباتها.

وتُعتبر منطقة الهلال النفطي التي حُيّدت عن الصراع الدائر في البلاد منذ البداية رئة الاقتصاد الليبي. ويرى مراقبون أن حفتر اعتقد أنه عبر السيطرة على تلك المنطقة سينفرد بالإمساك بورقة تمثّل أهمية كبيرة في حسم الصراع في ليبيا لصالحه، إلا أن بدء صدور مواقف دولية شاجبة لعملية حفتر قد يغير المشهد بشكل كبير.
ولم يستجب حفتر منذ سيطرته على منطقة الهلال النفطي، للنداءات الدولية بوجوب أن يتم تصدير النفط تحت شرعية المجلس الرئاسي، بل إن برلمان طبرق (المطعون في شرعيته من المحكمة الدستورية)، والذي يواليه حفتر، أعلن بدء تصدير النفط من ميناء الزويتينة، ورفع القوة القاهرة عن موانئ النفط من خلال مؤسسة النفط التي تواليه، ما قد يكون سبباً إضافياً لتحوّل الخطة الدولية بشأن إرغام كل الأطراف الليبية بالقبول بالمجلس الرئاسي كسلطة حاكمة في البلاد.
وكان الموقف الفرنسي أبرز اعتراض واضح على تحرك حفتر، إذ سربت باريس موقفاً رافضاً لما حصل، معتبرة أن "التسوية تتمثل في أن يفهم حفتر أنه لا يمكن أن يكون الوحيد المسيطر على الساحة ويجب أن يتفق مع كل الأفرقاء من الشرق والغرب والجنوب على شرعية المجلس الرئاسي".
كما برز موقف للسفير البريطاني لدى ليبيا، بيتر ميلت، والذي اعتبر أمس الأحد، أن القتال المتواصل حول منشآت النفط في منطقة الهلال "مضر بمستقبل البلاد الاقتصادي". ودعا ميليت، عبر صفحته في موقع "تويتر" أمس الأحد، أطراف النزاع إلى حل خلافاتهم عبر الحوار، مضيفاً أن "صور المنشآت النفطية وهي تحترق تضعف استرداد ليبيا عافيتها".
ويرى مراقبون أن الاعتراض الدولي على عملية حفتر جاء بعد بروز نية لدى الأخير وحلفائه السياسيين في برلمان طبرق، بالانقلاب على اتفاقات تحت الطاولة تقضي بالسماح لحفتر بالسيطرة على الهلال النفطي مقابل انضوائه تحت شرعية المجلس الرئاسي.
وبرز ذلك خصوصاً في إعلان مستشار حفتر القانوني صالح عبد الكريم أن النفط الليبي الذي تمتلك شركة "توتال" الفرنسية حصة كبيرة منه، يجري نقاش حول بيعه إلى القاهرة بالجنيه المصري، وربما تكون هذه الخطوة الليبية المنفردة هي ما أغضب باريس ودفعها لسحب المليشيات الأفريقية التي تدعمها من صفوف القوات الموالية لحفتر. فيما أعلنت إدارة "حقل المبروك"، أهم حقول جنوب الهلال النفطي والمملوك لشركة "توتال"، وقف أعمال إنتاج النفط، كما أن شركة "OMV" النمساوية العاملة في حقول جالوا، اعترضت على تشغيل حقولها وإعادة ضخ النفط من بعضها باتجاه موانئ الهلال.


 


 تحديات المجلس الرئاسي

في غضون ذلك، لن يكون المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق بمنأى عن تداعيات معارك الهلال النفطي وسط خشية من أنه سيكون الخاسر الأكبر، لا سيما إذا ما فرض حفتر سيطرته بشكل نهائي على الهلال النفطي، إذ إن قوات حرس المنشآت برئاسة الجضران التي كانت تسيطر على تلك المنطقة، كانت قد أعلنت ولاءها للمجلس، فيما حفتر لا يزال يرفض الخضوع لسلطة المجلس الرئاسي.
ويعاني المجلس الآن من موقف صعب في حال استمر باتخاذ موقف الصمت حيال معارك الهلال النفطي ولم يعلن دعم حرس المنشآت النفطية، وهو الذي عقد مع هذا الحرس صفقة الشهر الماضي تقضي بإعادة فتح موانئ النفط أمام التصدير.
وإذا ما وجّه قواته لصد زحف حفتر باتجاه الغرب، سيكون على المجلس الرئاسي مواجهة تحدي معركة الحفاظ على التقدم الذي حققه في المعركة ضد تنظيم "داعش" في سرت. ويحاول التنظيم استعادة المبادرة في سرت، إذ شن هجوماً على مواقع القوات الموالية للمجلس جنوبي سرت ما أدى إلى مقتل وإصابة عدد منهم. وقال المتحدث باسم القوة الثالثة المتمركزة في مناطق الجنوب الليبي والتابعة للمجلس الرئاسي محمد قليوان، إن عناصر من "داعش" قامت بعملية التفاف بعد فشلها في الأيام الماضية بالوصول إلى مدينة سرت عبر طريق النهر الصحراوي. وأوضح قليوان لـ"العربي الجديد" أن التنظيم تمكن من السيطرة على بعض المواقع في مشروع "اللود" الزراعي جنوب سرت والقريب من منطقة الجفرة بعد اشتباكات مع عناصر بوابات التفتيش في المنطقة التابعين للقوة الثالثة. ولفت إلى أن "داعش" أقام لساعات حاجز تفتيش في المنطقة التي تعتبر ممراً هاماً إلى مناطق جنوب ليبيا، قبل أن ينسحب منها. ورجحت مصادر عسكرية أن تكون خلايا "داعش" في الجنوب الليبي تحاول شن هجمات على الصفوف الخلفية لقوات المجلس الرئاسي بهدف تخفيف الضغط على آخر مجموعاتها المحاصرة داخل سرت.
في المقابل، حاولت قوات حكومة الوفاق الرد عبر استئناف معركتها مع "داعش" في سرت أمس. وقال المركز الإعلامي لعملية "البنيان المرصوص" على صفحته على فيسبوك إن "المدفعية الثقيلة التابعة لقواتنا استهدفت المواقع التي تختبئ فيها فلول داعش في سرت".
كذلك يواجه المجلس الرئاسي اعتراضات على تردي الخدمات في المناطق التي يسيطر عليها، وكان آخرها تحركات شهدتها العاصمة طرابلس مساء السبت وأمس الأحد، تخللها قطع طرق بسبب غضب الأهالي من انقطاع الكهرباء لفترات طويلة. وامتدت الاحتجاجات إلى مناطق عدة من العاصمة، أبرزها تاجوراء وأحياء أبو سليم وحي الأندلس وشارع عمر المختار وعين زارة وزناتة. وكتب المحتجون عبارات منددة بحكومة المجلس الرئاسي احتجاجاً على تردي الأوضاع المعيشية وعلى رأسها انقطاع التيار الكهربائي.