طوى الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، نهائياً صفحة حكومة الحبيب الصيد، ليفتح صفحة جديدة مع يوسف الشاهد، بعد تكليفه رسمياً أمس الأربعاء، بتشكيل الحكومة الجديدة. وجاء تكليف الشاهد على وقع انقسام الأحزاب والمنظمات المشاركة في مشاورات حكومة الوحدة، منذ أكثر من شهر، بين مؤيد ومعترض على قرار السبسي. ورفضت أحزاب المعارضة، الجمهوري والمسار والشعب ومشروع تونس واتحاد الشغل، قرار تعيين الشاهد (41 عاماً)، وطالبت باختيار أسماء أخرى، أكثر جدارة برأيها لإدارة المرحلة. وعقدت هذه الأحزاب أول من أمس الثلاثاء، اجتماعاً لتنسيق مواقفها ومقترحاتها التي عرضتها على السبسي في جلسة معه عقدت أمس، علماً بأن أحزاب الائتلاف الأربعة وافقت على الشاهد، وأيّدت اقتراح الرئيس التونسي.
غير أن السبسي خرج كالعادة منتصراً، إذ نجح أولاً بنزع فتيل الأزمة التي كان يمكن أن يفجرها إبعاد الصيد، ثم بإشراك أهم المنظمات والأحزاب في المشاورات، وبحصوله على توقيعها على وثيقة قرطاج التي تتضمن الخطوط العريضة لعمل الحكومة الجديدة. كما نجح في إحداث شرخ بين أحزاب المعارضة المشاركة في المشاورات والأحزاب التي رفضت ذلك. وكانت الجبهة الشعبية قد أعلنت رسمياً أنها ستقطع الاتصال مع أحزاب المعارضة المشاركة، على الرغم من إبقائها على التنسيق معها في مسائل أخرى. وفي ظل هذه التطورات الجديدة، ستثبت "الجبهة" لبقية المعارضة أنها كانت محقة عندما قاطعت المشاورات منذ مرحلتها الأولى. ولكن أهم ما حصدته مبادرة السبسي يتمثل بـ"توريط" الجميع في الاتفاق على وثيقة قرطاج، وتعبيد الطريق أمام الحكومة العتيدة، لفترة على الأقل، لأنه لن يكون بإمكان الموقعين على الوثيقة التنصل سريعاً من التزاماتهم. وبالتالي سيكون عليهم أولاً، مراقبة الفترة الأولى لعمل الحكومة المقبلة، قبل اعتمادهم، ربما، على مبرر عدم تطبيقها لخارطة الطريق المتفق عليها، ليعلنوا لاحقاً المعارضة الصريحة.
غير أن مستشارة السبسي، سعيدة قرّاج، تنفي ذلك في حديث مع "العربي الجديد"، وتؤكد أن مفهوم حكومة الوحدة الوطنية يتمحور حول البرامج وليس الأسماء بالضرورة. وتؤكد أن هذا ما تم التوصل إليه بالفعل، وأن جلسة صباح أمس تميزت بإيجابية كبيرة حتى من قبل أحزاب المعارضة، لا سيما اتحاد الشغل، مضيفة أن الجميع التزم بدعم الحكومة، طالما أنها ستحترم مبادئ الوثيقة الجامعة. وتلفت قرّاج إلى الموقف الذي وصفته بالإيجابي والوطني للأمين العام للنقابة، حسين العباسي، ولبقية الأطراف، لجهة استشعار دقة المرحلة التي تمر بها البلاد وعمق الأزمة.
يبقى السؤال في معرفة لماذا قام السبسي وحلفاؤه بهذه "اللفّة الطويلة جداً" ليعود في نهاية الأمر إلى المربع الأول، وينطلق من جديد بنفس الأسماء وبذات المؤيدين، ويواجه نفس المعارضين؟ وهل سيستطيع الشاهد أن ينجح حيث فشل الصيد؟ وما الذي سيتغير بالفعل في المشهد السياسي التونسي؟ الأجوبة تبقى طبعاً برسم الأيام المقبلة. وقد حاول رئيس الحكومة المكلف طمأنة التونسيين. فالشاهد، وبعدما باشر في مشاورات تشكيل حكومته مع جميع الأطياف السياسية ومختلف الأحزاب الوطنية والمنظمات والشخصيات الوطنية، قال في كلمة له أمس بعد تكليفه رسمياً، إن الحكومة العتيدة ستكون سياسية وتتكون من كفاءات وطنية ولن تكون حكومة محاصصة، مشدداً على أنها ستكون أيضاً حكومة شباب وستشهد مشاركة مهمة للمرأة.
وأضاف الشاهد أن حكومته ستصارح الشعب بحقيقة الأوضاع المالية والاقتصادية والاجتماعية للبلاد، مشدداً على أنها ستتبنى مبادئ البرنامج الذي تم الاتفاق عليه في وثيقة قرطاج بين مختلف الأطراف المشاركة في حكومة الوحدة الوطنية، لا سيما مقاومة الإرهاب والفساد. واعتبر أن تعيينه رسالة مباشرة إلى الشباب، داعياً هؤلاء لعدم اليأس، والتونسييين، مواطنين ومنظمات وأحزاب، لدعم الحكومة الجديدة. ونفى الشاهد، في نفس السياق، وجود أي صلة قرابة تجمعه بالسبسي، قائلاً: "ليست لي أي قرابة برئيس الدولة. لا صهري، ولا نسيبي ولا عمي ولا خالي"، وأنه بدأ يتعامل مع السبسي بعد الثورة.
ويعتبر الشاهد، البالغ من العمر 41 عاماً، أصغر رئيس للحكومة يتولى هذا المنصب تاريخياً في تونس، ودخل بذلك في مغامرة سياسية وشخصية له، سيترتب عليه أن يبدأها بكثير من الجرأة والشجاعة السياسية، لا سيما أنه أقر بنفسه أمس، أن الوضع الحالي يحتاج لحلول من خارج الأطر التقليدية.