نتنياهو "في بيته" بموسكو: ربع قرن من "قصة غرام"

07 يونيو 2016
نتنياهو التقى بوتين أربع مرات منذ عام(ميخاييل سفيتلوف Getty)
+ الخط -
استبق رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، لقائه بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بتصريح بالغ الدلالات حول عمق العلاقات بين تل أبيب وموسكو، وذلك خلال زيارته معرضاً دعائياً أقامته وزارة الخارجية الإسرائيلية تحت عنوان "افتح باباً إلى إسرائيل "، في صالة المعارض في موسكو. هناك، صرّح نتنياهو بأنه وزوجته يشعران بأنهما "في البيت"، في محاولة لإضفاء طابع جديد للتعاون الثنائي المتزايد والتنسيق الأمني والسياسي المتصاعد بين البلدين.

وعلى الرغم من أن الهدف المعلن للزيارة يتمثل بالاحتفاء بمرور 25 عاماً على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، إلا أن الأهداف السياسية للزيارة والمصالح المشتركة بين إسرائيل وروسيا، تشكل جوهر هذه الزيارة وأهم ما ستتناوله مباحثات بوتين ونتنياهو، بالإضافة إلى إبرام وتوقيع عدد من الاتفاقيات الثنائية في مختلف المجالات. ومن أبرز هذه الاتفاقيات هناك تسوية مسألة مخصصات التقاعد لمئات آلاف المهاجرين الروس الذين هاجروا إلى إسرائيل في أواسط ثمانينات القرن الماضي. وربما يعكس كلام بوتين في أثناء اللقاء، أمس الثلاثاء، عمق الصداقة بين الرجلين وكل من تل أبيب وموسكو، عندما خاطب نتنياهو قائلاً: "نحن في روسيا نولي أهمية كبيرة لعلاقاتنا مع إسرائيل، ليس فقط لأن إسرائيل هي دولة من الدولة المحورية بالنسبة للوضع في الشرق الأوسط، وإنما نظراً للعلاقات التاريخية التي تربط بين بلدينا".

وتندرج عملية تعزيز العلاقات الروسية الإسرائيلية، التي كان عرابها، منذ العام 2009، وزير الأمن الإسرائيلي الحالي، أفيغدور ليبرمان، ذو الأصول المولدافية، في إطار تقاطع المصالح بين الطرفين، حتى وإن كان ذلك يتسم بطابع مؤقت أو تكتيكي، خاصة في المسألة السورية. ويبدو واضحاً أن إسرائيل تسعى لتوظيف تقاطع المصالح لينعكس على الموقف الروسي في الملف الفلسطيني. ويعتبر نتنياهو أن أي تعديل في هذا الموقف سيكون مجدياً له، وسيكون قادراً على استخدامه كداعم له في تبرير البرودة التي يبديها في تعامله مع البيت الأبيض وإدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما.

تجدر الإشارة إلى أن نتنياهو عقد، منذ عام، لقاءً واحداً مع أوباما، مقابل أربعة لقاءات مع بوتين. وكان يصدر في ختامها تأكيد مشترك على أهمية التفاهمات الإسرائيلية الروسية في سورية، ودور هذه التفاهمات في ضمان الأمن الإسرائيلي، وهدوء الجبهة الشمالية لها. ونقلت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، في هذا السياق، عن وكالة "إنترفاكس" الروسية، قول نتنياهو في مقابلة مع الوكالة "إن روسيا لاعب مركزي في الحلبة الدولية، وإسرائيل لاعب مهم في الحلبة الإقليمية، وأنا والرئيس بوتين ندرك أهمية ودلالة هذه العلاقات بين دولتينا، وآمل أن تسهم هذه الزيارة في منح هذه العلاقات دفعة إلى الأمام". وأكد نتنياهو أن إسرائيل "لا تتدخل في المواجهة الجارية في سورية باستثناء تقديم مساعدات للجرحى من جهة والعمل لمنع استغلال الأراضي السورية من قبل إيران لهجوم ضدنا ونقل أسلحة لحزب الله"، مضيفاً: "لا أحد يعرف كيف ستتطور الأمور في سورية، لكن ممنوع أن تتحول سورية إلى موقع إيراني".


وفي خضم التحليلات التي تعتبر أن العلاقات الروسية الإسرائيلية باتت عنواناً للمرحلة الحالية، كنوع من الرد على التراجع الأميركي في المنطقة، لا سيما أن هذه العلاقات لا تقتصر على الجانب السياسي والأمني، بل تتجلى أيضاً في التبادل التجاري والثقافي بين البلدين، فإن ذلك لم يمنع المحلل السياسي في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، باراك رفيد، من القول إن هذه العلاقات تبدو كقصة غرام بين الطرفين، وأنها تعمّقت أيضاً بفضل جهد خاص من نتنياهو في التعامل مع السياسة الروسية في المنطقة، وسط التغاضي عن نقاط الاختلاف مع روسيا، مثل تأييدها لجملة من الخطوات والمبادرات الفلسطينية في الحلبة الدولية، هو موقف نابع أساساً من أهمية التنسيق مع موسكو لضمان الأمن القومي الإسرائيلي، خصوصاً في كل ما يتعلق بما يجري وراء الحدود في سورية، وبعد إرسال روسيا لقواتها الجوية إلى هذا البلد، على حد قول رابيد. لكن المحلل الإسرائيلي نفسه يدعو إلى النظر في "النصف الفارغة من كأس العلاقات الإسرائيلية الروسية، وليس فقط النصف الممتلئ". ويرى في هذا الإطار، أن الدور الروسي في الحلبة الإقليمية ضد الأمن الإسرائيلي، ويقول إن بوتين يكيل الثناء لنتنياهو ويفرش له السجاد الأحمر ويعيد دبابة إسرائيلية غنمها السوريون في الحرب على لبنان عام 1982، لكنه في الوقت ذاته يقوم بخطوات تهدد، بشكل خطير، الأمن والمصالح الحيوية لإسرائيل.

ومن الأمثلة على ذلك، تزويد روسيا لإيران ببطاريات صواريخ "إس 300"، كما يذكر رابيد، قبل أن يضيف أن بوتين يعتزم بيع الجمهورية الإسلامية المزيد من السلاح، وأن الروس يحاربون إلى جانب حزب الله، ويغضون الطرف عن وصول أسلحة روسية للحزب، وقد وقفوا عدة مرات ضد إسرائيل في الحلبة الدولية، ومع ذلك امتنع نتنياهو عن انتقاد مواقف موسكو تحت قيادة بوتين، بينما لم يتورع عن خوض معارك دبلوماسية مع كل من فرنسا والولايات المتحدة.

في المحصلة، يمكن القول إن الحفاوة الإسرائيلية بالعلاقات مع روسيا تشكل، في نظر نتنياهو، بديلاً مؤقتاً لفتور العلاقات مع الولايات المتحدة وحلفاء آخرين، وتمنح تل أبيب وقتاً إضافياً لتحسين قدراتها وجهوزيتها لكل طارئ قد يأتيها من وراء الحدود السورية واللبنانية، فيما تستفيد حالياً من استقرار هاتين الجبهتين بفضل الاستقرار الذي توفره التفاهمات مع روسيا، مقابل غياب إسرائيل عن المحافل والهيئات الدولية الأخرى التي تتعامل مع الملف السوري، وما لذلك من تأثير على إمكانية إسرائيل في إيصال صوتها وجعل مصالحها تؤخذ في بالحسبان في تلك المحافل والهيئات الدولية.
المساهمون