جدال في البرلمان التونسي حول تهم "ارتشاء نواب"

05 يونيو 2016
فرضت المعارضة مناقشة الارتشاء بالبرلمان (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

فتحت المعارضة التونسية بالبرلمان، أخيراً، ملفاً حساساً يتعلّق بسلامة الذمة المالية للنواب وشبهة ارتشاء بعضهم، مطالبين رئاسة البرلمان بالتحقيق في الموضوع واتخاذ إجراءات صارمة في حق المتهمين بتلقي أموال غير قانونية، مقابل تمرير بعض التوجهات أو الفصول. ما أعاد من جديد مقترح نواب "التيار الديمقراطي" و"المؤتمر من أجل الجمهورية" حول "الإثراء غير الشرعي" إلى دائرة الجدل.

ويبدو أن صبر نواب البرلمان التونسي قد نفد، بعد تكرّر محاولات ضرب مصداقية المؤسسة التشريعية واتهامها بالفساد من طرف فئة من المحللين الاقتصاديين وبعض الإعلاميين، حسبما جاء في مداخلات عدد واسع من نواب المعارضة، معتبرين أن البرلمان يجب أن يضع حدّاً لما يُشاع حول تلقّي بعض أعضائه رشى وأموالاً غير شرعية، في إطار فرض توجهات معينة في مشاريع القوانين أو إقناع النواب بالتصويت لصالح فصول معينة.

من جهتها، اعتبرت النائبة عن "التيار الديمقراطي"، سامية عبو، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الشبهات حول تلقّي رشى وجدت موطئاً لها في البرلمان، إثر تمرير كثير من مشاريع القوانين المشبوهة، المتعلقة بتسوية وضعيات غير قانونية أصلاً. مع العلم أنه من المفترض أن يتمّ حسم القانون لإجبار الجميع على الانصياع له، لكن البرلمان مضى في تسوية هذه الوضعيات وسنّ قوانين تبدو غير منطقية بتاتاً، ما يحيل إلى أن المال الفاسد قد تدخّل لتوجيه بعض أعضاء السلطة التشريعية نحو نقاط معينة".

وتُبرز عبو أنه "طالما لحقت شبهات ببعض النواب، فإنه على رئاسة البرلمان أن تكون حازمة إزاء هذا الأمر الذي يمسّ بصورة المؤسسة التشريعية في البلاد. وذلك بفرض التصريح بالمكتسبات على النواب من جهة، وإحالة مشروع القانون المتعلق بمكافحة الإثراء غير الشرعي إلى المناقشة ليكون بذلك الآلية القانونية لمحاسبة وتتبُّع كل من يتورط في الارتشاء، من جهة أخرى". كما تعتبر أن "المسألة في غاية الخطورة ويجب التعامل معها بكل جدية، خصوصاً أنها لا تشمل النواب فقط، بل وزراء ومسؤولين، حتى أن البلاد قاربت أن تصبح دولة مافيا الفساد"، بحسب قولها.



في السياق، لم تمانع النائبة عن "كتلة الحرة"، بشرى بلحاج حميدة، أن "يتم تمرير مشروع قانون الشفافية والإثراء غير الشرعي". وساندت في حديثها لـ"العربي الجديد"، مقترحات عبو، مؤكدة أنها "كانت من أول النواب الذين توجهوا لدائرة المحاسبات (المحكمة المالية)، من أجل تقديم تصريح بمكتسباتها ومكتسبات عائلتها". وتضيف حميدة أن "عرض مشروع القانون أيضاً يُعدّ آلية للتحقيق والتثبّت من براءة ذمة النواب وغيرهم من المسؤولين، في حال تعلّقت بهم تهم أو شبهات بالارتشاء".

كما تؤيد "الجبهة الشعبية" هذا الطرح أيضاً، إذ يرى النائب عنها جيلاني الهمامي، أن "الآليات الدستورية والقانونية، هي الكفيلة بردع كل من يشوّه النواب، من جهة، وتثبيت التهمة عليهم أو نفيها عنهم، من جهة ثانية". ويذكر الهمامي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "المسألة أثيرت عبر وسائل الإعلام المرئية، بفعل تأكيد شخصية إعلامية ومحلل اقتصادي، أن أعضاء من البرلمان تلقّوا رشى من تجمّعات لرجال أعمال مقابل فصول، أو من مواطنين عاديين مقابل ترتيب لقاءات لهم مع المسؤولين أو الوزراء".

وفي هذا الصدد، يرى النائب عن "الكتلة الاجتماعية الديمقراطية"، عدنان الحاجي، أن "الأمر بمثابة اعتداء على النواب وتلويثاً لسمعتهم". ويُحمّل الحاجي، في حديث لـ"العربي الجديد"، المسؤولية لرئاسة البرلمان بأن "تضع حدّاً لما وصفه تجرّؤ البعض بتصفية حسابات مع بعض النواب من خلال تشويه البرلمان".

وفي تقدير الحاجي، فإن "المسألة تتجاوز الاتهامات، بل تشكل اعتداءً على مؤسسة من مؤسسات الدولة"، مبرزاً أن "الحديث عن مسألة تقاضي الرشى فاق حدّه حتى أصبح حملة ممنهجة للنواب، ما جعل كثيرين يندمون على الترشح والدخول للبرلمان بعد أن راكموا سنين من النضال والتعب من أجل الديمقراطية والحرية، ظنوا أنها ستتوج بالالتحاق به للمساهمة أكثر في وضع أسس الديمقراطية"، على حد تعبيره.

ويطالب الحاجي النيابة العامة بـ"فتح بحث في الغرض، إما يثبت براءة أو تورط النواب ويحاسب من شوهوا البرلمان واتخذوا من سمعة النواب مطية لتصفية حسابات ضيقة". غير أن نواب الائتلاف الحاكم اعتبروا أن "إثارة الموضوع داخل البرلمان مزايدة سياسية محضة، واتهامات باطلة ما كان ينبغي إثارتها بهذه المبالغة حتى لا تأخذ حيّزاً كبيراً من المناقشات، وتتحوّل إلى قضية تشغل الرأي العام التونسي، الذي سيترك المشاريع الهامة التي يناقشها المجلس ويهتم بها، وتساهم بذلك في ضرب صورة النائب والإضرار بسمعته، طالما أنه لا توجد أدلة قاطعة". 

أما النائب عن كتلة "حركة النهضة" بدر الدين عبد الكافي، فيقول في هذا الصدد، إنه "لا حق لنائب أن يوزع الشرف والأمانة على البقية، ولا يجوز له تخوين وتشويه زملائه". في هذا الإطار، يوضح النائب عن كتلة "نداء تونس" شكيب باني لـ"العربي الجديد"، أن "الأمر لا يعدّ أن يكون مجرد مزايدات في إطار حسابات سياسية للأطراف التي سعت لتحويل القضية إلى قضية رأي عام، وستضرّ بصورة البرلمان التونسي داخلياً وخارجيا".

ويذكر باني في هذا السياق، بأن "المشاريع التي تتهم المعارضة نواب الائتلاف الحاكم بتمريرها انصياعاً للوبيات المال الفاسد، تحيلها الحكومة جاهزة وتجري مناقشتها في اللجان وعرضها على الجلسة العامة علناً. وهو ما يتيح تتبّع مسارها، وإن كانت هناك شبهة مال فاسد أو ارتشاء فينبغي أن تشمل الجميع، انطلاقاً من الحكومة وصولاً إلى النواب".

وينفي باني أن "تكون لزملائه علاقات مشبوهة برجال أعمال يفرضون رؤيتهم على المجلس"، مشيراً إلى أنه "يمكن للنواب أن يختلفوا حول مضمون بعض الفصول، بسبب اختلافاتهم الأيديولوجية أو نظرتهم المختلفة للمشاريع. وهو أمر مشروع في إطار الديمقراطية، على ألا يبلغ ذلك التشويه والاتهام بالارتشاء وبيع الذمة والمطالبة برفع السر البنكي وتتبّع أرصدتهم وأموالهم". كما يُشدد على أن "الجهاز القضائي مستقلّ ويقوم بدوره وما كان ليتردد لو وجهت شبهة حقيقية حول تلقي نائب لرشوة في إثارة دعوى قضائية والتحقيق في حيثياتها".

ويرى مراقبون أن "الأزمة التي يشهدها البرلمان ليست وليدة اليوم، بل تعود إلى الفترة التأسيسية حين وُجّهت تهم لنواب بتلقّي رشى مقابل انفصالهم عن أحزابهم وانضمامهم لأخرى، يرأسها رجال أعمال وأثرياء. غير أنه لم تتمّ دعوة الجهاز القضائي للتحقيق رسمياً فيها، بل ظلّت المسألة في دائرة التراشق بالتهم، وهو ما زاد في حدة انعدام الثقة لدى التونسيين في ممثليهم بالبرلمان وضرب مصداقية المؤسسة التشريعية وأسقط هيبتها".

المساهمون