الجزائر تتهيّا لما بعد بوتفليقة: خارطة داخلية وخارجية للخلافة

10 مايو 2016
لم يخف خليل طموحه السياسي منذ عودته(فايز نورالدين/فرانس برس)
+ الخط -
تسير المؤسسة الحاكمة في الجزائر باتجاه حسم خياراتها بشأن ترتيبات مرحلة ما بعد الرئيس الحالي عبدالعزيز بوتفليقة، الذي لم تعد ظروفه الصحية تتيح له الاستمرار في منصبه حتى نهاية ولايته الحالية والممتدة حتى العام 2019. ويبدو أنّ تقاطعات جماعات المصالح قد انتهت عند تركيبة سياسية تكون وريثة لبوتفليقة، يدخل وزير الطاقة الأسبق شكيب خليل، العائد إلى البلاد حديثاً، في صلبها على الرغم من شبهات الفساد المالي التي تلاحقه منذ مارس/آذار 2013، فضلاً عن معوقات دستورية تحول دون توليه الرئاسة وستكون السلطة مضطرة إلى ايجاد فتاوى سياسية فيها.

وبينما تميل مؤشرات الفرز السياسي في الجزائر لصالح خليل لأداء دور بارز في مرحلة ما بعد بوتفليقة، لم يخف خليل طموحه السياسي منذ عودته إلى الجزائر في مارس/آذار الماضي، إذ أعلن أنه يستعد للعودة كمسؤول في الحكومة أو في أي منصب "لخدمة الجزائر ووضع خبرته في هذا الإطار". يُعَد خليل من أكثر الشخصيات التي يمكن لمحيط بوتفليقة ائتمانه على ميراثه السياسي وضمان استمرار مصالح المجموعات المرتبطة بالرئيس. ويرجّح أن يكون الوضع الصحي لبوتفليقة في الفترة الأخيرة، قد عزز من مخاوف المؤسسة الحاكمة، ودفعها إلى البدء في وضع ترتيبات سياسية تسهّل انتقال الحكم إلى "مجموعة أمينة" في حال استدعت الظروف ذلك. يذكر أن الرئاسة الجزائرية أصدرت بياناً في 24 إبريل/نيسان الماضي أعلنت فيه أن بوتفليقة غادر إلى جنيف لـ"إجراء فحوص طبية دورية"، قبل أن تعلن عن عودته في 29 من الشهر نفسه.



تقاطعات أصحاب المصالح

تقاطعات المصالح السياسية بين المجموعات المتصلة بالحكم في الجزائر، والتي تتمثل في مؤسسة الرئاسة والجيش والمؤسسة السياسية والكارتل المالي، تصب جميعها لصالح خليل. لا تتحفظ المؤسسة العسكرية، التي تقلص نفوذها السياسي قليلاً بعد التغييرات الهامة التي أجراها بوتفليقة في الخمس سنوات الأخيرة على الجيش وجهاز المخابرات واستمالته لهيئة قيادة الأركان، على خليل. وتبدو مؤسسة الجيش مستعدة لتوفير أي دعم لوجستي لخيارات بوتفليقة ومحيطه عندما يتعلق الأمر بترتيبات المرحلة اللاحقة. وتعزز هذا التوجه بعدما سقطت مبكراً كل رغبة لدى قائد الجيش الفريق قايد صالح في الدفع بنفسه إلى الواجهة.

سياسياً، يحظى شكيب بدعم كبير من قبل حزب السلطة متمثلاً في حزب جبهة التحرير الوطني الذي يحوز على الأغلبية في الحكومة والبرلمان. ولم يتردد الأمين العام للحزب، الرئيس السابق للبرلمان، عمار سعداني، في الدفاع بقوة عن خليل ضد الاتهامات الموجهة إليه بالفساد.
وكان لافتاً خوض سعداني لأجل خليل حرباً ضد جهاز المخابرات وقائده المُقال محمد مدين الذي يعرف بـ" الفريق توفيق"، معتبراً أن وزير الطاقة السابق يعد أكبر كوادر الجزائر. ولم يكن هذا الموقف استثناءً، إذ تلاقت عنده أحزاب سياسية عدة موالية للسلطة.

ويصبّ تواجد خليل في السلطة لصالح سعداني وجهات سياسية أخرى تسعى لقطع الطريق على ترشيح الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي، أحمد أويحيى، الذي يشغل منصب رئيس ديوان الرئاسة الجزائرية. ويرفض حزب جبهة التحرير الوطني دعمه كأحد الخيارات السياسية المستقبلية. إلى جانب عدم تحفظ الجيش عليه ودعمه سياسياً، يستفيد خليل من دعم الكارتل المالي الذي بدأ يبسط يده بوضوح على جزء من مقدرات البلد، وتحول إلى شريك فاعل في صناعة القرار السياسي. كما يدخل في الفترة الأخيرة بقوة في دعم الخيارات السياسية لبوتفليقة والحكومة. وكانت أبرز وجوه هذا الكارتل المالي في مقدمة المدافعين عن وزير الطاقة الأسبق، الذي يسعى أيضاً للاستفادة من دعم المؤسسة الدينية التقليدية.

وقد ترجم هذا التوجه بالزيارات المكوكية التي يقوم بها خليل إلى الزوايا الدينية منذ عودته إلى البلاد في مارس/آذار الماضي. وتواجه هذه التحركات باعتراضات فضلاً عن محاولة ناشطين مدنيين منعه من دخول زوايا في مناطق ميلة وعناية شرقي الجزائر والشلف غربي البلاد. وتتركز أوجه الاعتراض على محاولة خليل استغلال هذه المساجد والزوايا لتبييض سمعته من قضايا الفساد التي تلاحقه.


تكرار سيناريو 1998

يبدو مشهد عودة خليل إلى البلاد وتحركاته في الأسابيع الأخيرة مشابهاً للمنحى الذي اعتمدته السلطة في نهاية العام 1998، عند استدعاء بوتفليقة لترشيحه للرئاسة في انتخابات إبريل/نيسان 1999. وكان بوتفليقة أيضاً ملاحقاً بما يعرف بـ"قضية الفساد" وتم استدعاؤه في العام 1981 من قبل مجلس المحاسبة بسبب شبهات حول الفساد المالي. يومها أيضاً اعتمدت السلطة على الزوايا الدينية والمؤسسة الدينية التقليدية لتبييض صورة بوتفليقة، مستفيدة من القيمة الرمزية لدى قطاع غالب من المجتمع الجزائري للزوايا الدينية التقليدية، وهي مراكز دينية لتحفيظ القرآن وتعليم الدين وتنتهج طرائق متعددة في التعبد.

وفي السياق، يشير الباحث في الفكر الديني، محمد بغداد، إلى أن "جميع المؤشرات وحاجة النظام تفرض دوراً مستقبلياً لخليل، والأهم هو الحاجة الماسة له من طرف النظام من خلال إعادة انتاج سيناريو مشابه لسيناريو 1999 مع بوتفليقة". لا تقضي قواعد اللعبة السياسية في الجزائر، عندما يتعلق الأمر بمستوى الرئاسة، وضع اعتبارات كثيرة لإقناع الرأي العام المحلي بأية خيارات ممكنة، ذلك أن السلطة تعتمد على وسائل أخرى لـ"إجبار" الرأي العام على المشاركة في هذه الخيارات، إما عبر تقديمات اجتماعية واقتصادية أو من خلال "العصا" واللجوء إلى خيار القمع كما كان الحال مع معارضي العهدة الرابعة.

في المقابل، تضع السلطة اعتبارات أكبر لإقناع شركائها في المشهد الدولي. وفي السياق، تستفيد المؤسسة الحاكمة من الثقل الخارجي لخليل كرجل محسوب على واشنطن، بالنظر للفترة الطويلة التي قضاها هناك، آخرها فترة ثلاث سنوات من مارس 2013 إلى مارس 2016، بعد هروبه من الملاحقة القضائية في شبهات الفساد المالي. ويذهب البعض إلى حد الحديث عن وجود مؤشرات عدة تقول إن خليل سيكون "كرزاي الجزائر" مشيرين إلى أنه اعتمد النهج نفسه الذي اعتمده الرئيس الأفغاني السابق حميد كرزاي بعدما دفعت به واشنطن للإمساك بمقاليد السلطة في أفغانستان المنهكة، معتمداً على القبيلة والمال والمؤسسة الدينية.

ويحظى خليل بعلاقات واسعة مع قطاع كبير من السياسيين الأميركيين وفي الاوساط المالية، إذ تربطه علاقة جيدة مع مسؤولي شركة هاليبورتن الأميركية التي كان وراء اقناعها بالاستثمار في الجزائر، وهو أكثر المتحمسين لفكرة تطوير المبادلات التجارية بين الولايات المتحدة والجزائر ولا سيما في مجال الطاقة. كما سمحت علاقات خليل في واشنطن لزوجته الفلسطينية الجنسية نجاة عرفات بأداء دور في مفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية عبر ما يعرف "بفريق العمل الأميركي من أجل فلسطين"، ولجنة التوعية العرقية للحزب الديمقراطي. وقد تم تكريمها في حفل في العام 2010 من قبل قائد قوات حلف شمال الأطلسي الجنرال جيمس جونز.

من جهته، يعتقد المتابع للشؤون السياسية الشيخ عشراتي، بوجود معوقات دستورية قد تعيق تقدم خليل إلى مواقع متقدمة في الحكم كرئاسة الجمهورية، باعتبار أن زوجته نجاة عرفات، فلسطينية الجنسية، وتربطها علاقات مع أسرة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. والدستور الجزائري يمنع ذلك، لكنه يبدي تخوفه من أن "الدفع بخليل في معركة الحكم سيُفجر الوضع في مواجهات علنية، وقودها فرنسا عبر أذرعها في الجزائر، باعتباره محسوباً على واشنطن"، على حد قوله. ويعتبر أن "الالتفاف حول خليل ممكن فعلاً، لكن الخوف يتأتى من إمكانية إشعال الفتيل وبرميل البارود جاهز. الاحتقان على أشده في البلد، كما أن الوضع الدولي معادٍ لنا"، قبل أن يضيف "الثابت أننا أمام معادلة لها أكثر من مجهول".

في غضون ذلك، يطرح المحلل السياسي نصر الدين بن حديد وجهة نظر مغايرة، تفيد أن "شكيب خليل هو من ضمن الخيارات القائمة على الأمد المتوسط". ويوضح أن "قضية خليل شكلت بداية الأزمة بين بوتفليقة وقائد جهاز المخابرات توفيق". ويضيف: "يُستعمل لإعادة ترتيب الساحة لكني لا اعتقد أنه مشروع رئيس، وصناعة صورة له هي في سياق تحجيم دور اللوبي الفرنسي". اللافت أن الترتيبات السياسية للمؤسسة الحاكمة في الجزائر إزاء المرحلة المقبلة، لا تنفصل عن محاولات السلطة إهدار فرص التقارب مع قوى المعارضة من جهة، وخنق كل المؤسسات الاعلامية التي يمكن أن تكون صوتاً بديلاً يخرج أو يشوش على الخيارات التي تعد لها السلطة. وفي السياق يأتي إغلاق قناة "الوطن" المقربة من الإخوان المسلمين في الجزائر، الذين انتقلوا إلى صف المعارضة منذ العام 2012، والتضييق في الفترة الأخيرة على صحف معارضة على غرار "الخبر" و"الوطن".

المساهمون